وفي 21شباط/ فبراير أجرى استفتاء في مصر وسورية لاختيار جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة وكانت نتيحة الاستفتاء 99,99% وأذيعت النتيجة في اليوم التالي في كلا القطرين، وسارت في دمشق والمدن السورية مسيرات شعبية ضخمة طافت الشوارع وهي ترفع لافتات كتب عليها "الوحدة بين البلدين نواة الوحدة العربية الشاملة".
وفي 23 شباط/فبراير ألقى الرئيس جمال عبد الناصر خطاباً من شرفة قصر الضيافة في دمشق قال فيه «إنه بمناسبة الاحتفال بميلاد الجمهورية الجديدة يحق لكل فرد في أمة العرب أن يشعر بالقوة الحقيقية، وأن يشعر بأن إرادته قد انتصرت وأهدافه قد تحققت، وقال: إنه في عام 1917 تم تقسيم العالم العربي إلى دويلات وتم الاتفاق مع اليهود على إعطائهم فلسطين، أما اليوم فمشيئة العرب هي وحدها التي لها السيادة، وهي التي قررت قيام الجمهورية العربية المتحدة ، وقال أيضاً: "إن الوحدة هي بداية التحرر، بداية التخلص من السيطرة ونهاية الضعف، وإنه لا فراغ في الشرق الأوسط ولا مناطق لنفوذهم». وفي الخامس من آذار 1958 أصدرالرئيس جمال عبد الناصر الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة، نص الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة
وكانت أهم النتائج المباشرة التي ترتبت على قيام الوحدة بين سورية ومصر«فشل المخطط الاستعماري الذي كان يتطلع نحو ضرب سورية وعزل مصر، والانتصار على الدعوات الإقليمية والانعزالية وتجاوزها، والتأكيد على أن التحرر والوحدة هدفان قوميان متلازمان لا يجوز فصل أحدهما عن الآخر، كما أحدثت الوحدة آثاراً إيجابية ومهمة في مجريات النضال العربي وألهبت حماس الجماهير من أجل التحرر والانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة» (ولكن في الوقت نفسه كتلت القوى المضادة الداخلية والخارجية التي لها مصلحة في الإبقاء على التجزئة في الوطن العربي ونجحت هذه القوى في إسقاط الوحدة بعد ثلاث سنوات ونصف من قيامها)، ويشير السيد خالد العظم في مذكراته إلى الدور الكبير الذي لعبته قيادة الجيش السوري في تحقيق الوحدة قائلاً «لولا هؤلاء الضباط الخمسة: النفوري والسراج وعبد الكريم وحمدون والبزرة ، لما تمت الوحدة»، ولكن الحقيقة هي أن تعلق الشعب السوري بالوحدة فرض على جميع مؤسسات الحكم في سورية بما في ذلك الجيش ضرورة التحرك لتحقيقها بالسرعة الممكنة.
لقد أدى قيام الوحدة إلى تغيير موازين القوى في المنطقة: فقد تصدى ملكا الأردن والعراق للمد الوحدوي وذلك بإقامة الاتحاد العربي بين المملكتين، ودعمت المملكة العربية السعودية خطوتهما، وحدثت اضطرابات داخلية في لبنان بين مؤيد ومعارض للوحدة وكذلك في الأردن، وقد أحدثت ثورة 14 تموز 1958 في العراق، التي عجلت الوحدة في انطلاقها، هزة في المنطقة، ونزلت في اليوم التالي القوات الأمريكية في لبنان بطلب رسمي من الرئيس اللبناني كميل شمعون، كما هبطت في الوقت نفسه قوات المظليين البريطانية في الأردن قادمة من قبرص عبر أجواء إسرائيل. وفي 18 تموز اجتمع في أنقرة مندوبو تركيا وإسرائيل وإيران وإثيوبيا لدراسة مشروع إسرائيل بإقامة حلف سري أطلق عليه "حلف الأطراف"، وفي 20 تموز أرسل "بن غوريون" رسالة مستعجلة إلى آيزنهاور يطالبه فيها بدعم معنوي ومالي لمشروع التحالف السري بين البلدان الأربعة:
«إن غاية الحلف بنظر بن غوريون الوقوف في وجه التوسع السوفييتي الذي يتم من خلال عبد الناصر، وربما استطاع هذا الحلف في المستقبل استغلال لبنان وربما سورية أيضاً».
وكانت استراتيجية القوى الاستعمارية التي وضعت آنذاك لمواجهة الوحدة، تهدف إلى احتوائها ومنع توسعها إلى الدول العربية المجاورة ومن ثم العمل على الإجهاز عليها وإحداث الانفصال. ووافق أعضاء منظمة حلف الأطلسي في جلسة سرية عقدة في 12 شباط/ فبراير 1958 على تقويم ممثل الحكومة الإيطالية للجوانب الإيجابية والسلبية لهذه الوحدة قائلاً: «إن الوحدة المقترحة تحمل جانباً إيجابياً يتمثل في كونها منعت وقوع انقلاب شيوعي في سورية وتحول سورية للسوفييت، وأنه لشيء مشجع حل الحزب الشيوعي السوري كخطوة أولى، إلا أن الجانب السلبي يتمثل في أن الوحدة قد أعطت قوة دافعة للاتجاهات الخطرة للقومية العربية، وللاتجاهات المضادة لأنظمة الحكم الملكية في العالم العربي، كما أن وجود لبنان أصبح معرضاً للخطر وتزايد الخطر أيضاً على إسرائيل في المدى البعيد».
وبالمقابل رحب الاتحاد السوفييتي بقيام الجمهورية العربية المتحدة، وأعرب، وهو يملك علاقات صداقة مع كلا البلدين المتحدين، عن تمنياته الصادقة بتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة.
أما «دالاس» وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية فقد كتب إلى «آيزنهاور» عشية ولادة الجمهورية العربية المتحدة مايلي: «إن هذه الوحدة خطره .. وهناك تصور كبير أنها مدعومة من الروس .. فإذا تحقق هذا فإن الأردن ولبنان سيبتلعان، وستضع هذه الوحدة السعودية والعراق في خطر».
وقد علق "ي.م. بريماكوف" المفكر السوفييتي المعروف (ورئيس وزراء روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي) حول سياسة الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الوحدة بقوله «قاد فشل استخدام التكتيك الأمريكي الجديد حيال سورية في عام 1957 إلى تعديل بعض نقاط الارتكاز عند تنفيذ مبدأ آيزنهاور، واتضح هذا بشكل خاص من رد فعل الولايات المتحدة الأمريكية على قيام الجمهورية العربية المتحدة في شباط عام 1958 التي ضمت مصر وسورية، ووضعت الولايات المتحدة أمامها هدف تطويق هذه الدولة الجديدة التي عززت بشدة الميول نحو المركزية في العالم العربي بشريط وقائي فريد من نوعه، وبالطبع استمرت أثناء ذلك المحاولات الرامية إلى تغيير طابع الحكم في كل من إقليمي الدولة الجديدة وتصفية الاتجاه المعادي للإمبريالية في سياستها الخارجية، ولكن الولايات المتحدة نظراً لفشلها في سورية ركزت بشكل رئيسي على تعزيز تلك الأنظمة العربية التي كانت في ذلك الوقت، أو التي يمكن أن تصبح، حليفة للغرب، واعتبرت الولايات المتحدة أثناء ذلك أن أخطر أعداء هذه الأنظمة هي القوى المنادية، بأي شكل من الأشكال، بالتحالف مع الجمهورية العربية المتحدة».
د.يحي ألشاعر