مطالب الضباط السوريين التي حملها اللواء عفيف البزري إلى الرئيس جمال
عبد الناصر 11/1/1958.
مطالب الضباط السوريين التي حملها اللواء عفيف
البزري القائد العام للجيش والقوى المسلحة
السوري، ووفد من الضباط إلى الرئيس جمال عبد
الناصر بتحقيق الوحدة مع مصر
11 / 1 / 1958
( مذكرات خالد العظم. ج 3 ص 123 - 125 ).
الأسباب الموجبة: منذ ان عرف التاريخ شعباً باسم " العرب " في " الجزيرة
العربية " كان "للعرب" في التاريخ القديم خصائص طبعت مختلف الأقطار التي
تكلمت العربية بطابع واحد هو طابع النضال والتحرر والاستقلال عن نفوذ
الإمبراطوريات القديمة.
وكانت الدفعة التي خرجت من الجزيرة بعد توحدها بدولة واحدة وعقيدة
إنسانية واحدة والتي امتدت خلال قرون طويلة عبر الجزيرة العربية واستقرت
ما بين الخليج العربي وجبال فارس شرقا والأطلسي غرباً وما بين طوروس
شمالاً والمحيط الهندي جنوباً قد رسخت أصول هذه الأمة ترسيخاً أبدياً
وخطت في تاريخ البشرية صحائف بارزة من حضارة إنسانية أبدعتها هذه الأمة
وقدمتها دانية القطوف لمختلف الشعوب.
وتعاقبت موجات همجية متعددة وتكالبت لتحطيم هذه الحضارة الإنسانية وإزالة
كيانها خلال عشرة قرون. وكان بفعل ذلك ان تمزقت هذه الأمة إلى دويلات
كثيرة مختلفة ولكن بقيت حضارتها في نفس كل من أبنائها على اختلاف سويتهم
الفكرية والاجتماعية وبقيت في وجدان كل منهم فكرة ثابتة لا تمحى عن
ذاتيتها الماضية وأمانيها المقبلة.
وقد كان النضال والتحرر في تاريخ العرب الحديث اثر فعال في تحقيق هذه
الفكرة في نفوس الملايين من العرب. وكان استقلال وتحرر بعض الشعوب
العربية تحرراً كاملاً حافزاً لانتفاضات عربية في أماكن أخرى من الوطن
العربي وباعثا على النضال لشعوب أخرى تنشد الاستقلال والتحرر تحقيقاً
لتلك الفكرة المستقرة في وجدان كل عربي.
مما سبق تبين ان الوحدة بين مصر وسوريا ان هي الا ضرورة قومية مستمدة من
ماض وحاضر ومستقبل مشترك ما بين أفراد أمة واحدة عربية وذلك تحقيقاً
لوحدة شاملة واحدة في العصر الحديث ومساهمة في القضاء على الاستعمار في
العالم لبناء الإنسانية وترسيخاً لرسالتها. وقد عبر القطران عن إرادتهما
في الوحدة الكاملة في شتى المناسبات القومية وخاضا في سبيل ذلك معارك
ضارية ضد الرجعية الداخلية والاستعمار الخارجي حتى توصلا إلى هذه المرحلة
التي تمكنا فيها من إعلان إرادتهما رسمياً على لسان ممثليهما في كلا
القطرين في الجلسة التاريخية المنعقدة في دمشق، في 18 تشرين الثاني (
نوفمبر ) 1957.
وكان هذا النصر للقومية العربية بعد صراع رهيب دام مع الاستعمار خاضه
الشعب العربي أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وخلال الحملة
الاستعمارية الأميركية - التركية - الصهيونية على سوريا عام 1957.
وقد زلزل هذا القرار التاريخي كيان الاستعمار فأخذ يجمع شمله في مؤتمرات
متتابعة عقدها مع أحلافه في انقرة وباريس وبغداد وطهران ويجند عملاءه
وأعوانه ويكتلهم ويضع الخطط لهم للحيلولة دون تنفيذ هذا القرار.
ولما كانت الظروف الحالية التي نشأت من جراء انتصار شعبنا العربي في مصر
وسوريا قد ربطت بين قضيتنا العربية وبين السلم العالمي إلى حد بعيد
وأفسحت المجال لنا لكي نخطو خطوات إيجابية سريعة تتناسب وأهمية
انتصاراتنا، ونظرا لاحتمال تغير هذه الظروف والمناسبات وخاصة إذا تمكن
الاستعمار من إنهاء استعداداته للمجازفة بخوض حرب شاملة أو محلية بسبب
تعرض مصالحه التي يعتمد عليها في حياته الأساسية في وطننا العربي إلى
الزوال، فاننا ندعو إلى ضرورة الإسراع بإقرار البناء الأساسي للوحدة
الشاملة مع مصر والمباشرة بتنفيذه فورا وتخطي جميع العقبات المصطنعة من
دستورية أو سياسية أو اقتصادية. ونحن نعتبر ان كل استمرار للأوضاع
المحلية أصبح أمرا غير طبيعي لا يعتمد في بقائه إلا على المبررات
الاستعمارية الموروثة والامتيازات الرجعية والانتهازية التي لا يمكن
الاعتراف بها بعد ان أقر الشعب بأجمعه الوحدة غير المنقوصة.
شكل الوحدة: من أجل ذلك نرى ان تكون الدولة الموحدة بالخطوط الكبرى التالية:
1 - دستور واحد يعلن إنشاء الجمهورية العربية الجديدة ويرسم نظام الحكم
فيها ويفسح المجال لانضمام بقية الشعوب العربية التي ستتحرر.
2 - رئيس دولة واحد.
3 - سلطة تشريعية واحدة.
4 - سلطة تنفيذية واحدة.
5 - سلطة قضائية واحدة
6 - علم واحد وعاصمة واحدة للدولة العربية.
7 - تسن القوانين المنظمة لحقوق المواطنين وواجباتهم في الدولة الجديدة
استنادا إلى هذا الدستور الواحد.
الوحدة الدفاعية: أما فيما يتعلق بالوحدة العسكرية فنرى ان تقوم على
الأسس التالية:
1 - قائد أعلى للقوات المسلحة للدول العربية الجديدة ( رئيس الجمهورية الاتحادية ).
2 - مجلس دفاع أعلى.
3 - قيادة عامة للقوات المسلحة.
4 - قوات مسلحة ( برية - بحرية - جوية ) موحدة التنظيم والتسليح والتدريب
والتجهيز توزع حسب متطلبات الدفاع والخطط الدفاعية المقررة على مسارح
العمليات في أراضي الدولة الاتحادية.
5 - موازنة واحدة.
والقيادة العامة للجيش والقوى المسلحة السورية شعوراً منها بمسؤوليتها
القومية ودورها التاريخي ووفاء منها للشعب العربي في سوريا الذي حملها
مسؤولية الدفاع عن بقائه وسلامته لتعلن أن كل وحدة لا تبنى على هذه الأسس
المارة الذكر ليست الا تحالفاً بين جيشين تابعين لدولتين منفصلتين. ذلك
لان متطلبات الدفاع وسلامة الأمة وحفظ كيانها في عصرنا الحاضر تقتضي دمج
الشعوب العربية المتحررة في كيان واحد لتساهم في تحرير بقية الوطن العربي
وتقوم بواجباتها لصون السلم العالمي. كما تعلن القيادة العامة باسم جميع
القوات المسلحة انها على أتم استعداد لتحمل جميع الواجبات الدفاعية التي
تقتضيها الوحدة الفورية وتعتبر نفسها منذ الآن ملزمة بتنفيذ كل ما تتلقاه
من أوامر وتوجيهات تعطى إليها من القيادة العامة الموحدة مهما ترتب على
هذا التنفيذ. وفي الوقت نفسه تحمل كل حكومة أو فئة تتهاون في تنفيذ هذه
الوحدة خطورة ونتيجة عملها تجاه الشعب العربي بأسره وتجاه الأجيال
العربية الصاعدة.
دمشق في 11 / 1 / 1958 القائد العام للجيش والقوى المسلحة
اللواء عفيف البزري
د. يحي ألشاعر