الأحد 23 نوفمبر 2008
حمدى قنديل : (20) ملكا يحكمون مصر اليوم
حاوره فى دبي: أيمن الحكيم
حوار مع الإعلامى القدير حمدى قنديل
تصادفت جلستنا مع الجلسة الأولى لمحاكمة هشام طلعت والسكرى فى القاهرة، وكانت عيون حمدى قنديل مشدودة إلى شاشة التليفزيون، التى تنقل وقائع المحاكمة على الهواء، البداية ساخنة ولا شك فرضتها الظروف، وفرضت على أن يتكلم عنها.. قال الاعلامى الأشهر هنا فى دبى
لاشك أن الناس هنا يجدون فى هذه القضية -رغم مآسيها الانسانية- عنوانا على مدى الأمان، رغم أن الإمارة مفتوحة الأبواب، وبها زوار ومقيمون من أكثر من 170 دولة، ورغم ذلك فقد استطاع جهاز الأمن كشف خيوط الجريمة قبل أن تمضى ساعة على وقوعها، كما أنه أنجز التحقيقات وجمع الأدلة وقدمها إلى السلطات المصرية فى أيام معدودة
لكننى لا أنظر إلى الجريمة من هذه الزاوية وحدها، فلاشك أننى كمصرى مهموم بهذا القدر المقزز من سفه أصحاب المال، والمشهد المرعب لتسللهم إلى أركان السلطة، حتى أصبحت كل جرائم الفساد الكبرى اليوم مرتبطة فى معظمها بأقطاب الحزب الحاكم
الجريمة من وجهة نظرى فضيحة للحكم فى مصر، لأنها كشفت لنا كيف يعيش رجال النظام، وأكدت أن مصر الآن شعبان، شعب مصرى مطحون، وشعب مصرى بشرطة!! أنا رجل أدعى أننى ميسور، وشفت الدنيا ومتيسر الحال، ولكنى وقفت مندهشا أمام تلك الأرقام التى ينفقها رجال النظام بسفه غير مسبوق
والمؤسف أن الجريمة كشفت أيضا عن لوبى رجال الأعمال فى الاعلام، ليس فقط فى الصحف الخاصة، وإنما فى الصحافة الحكومية وفى تليفزيون الحكومة، الذى بدأ فى شن حملة لخداع الرأى العام، أما قنوات التليفزيون الخاصة فقد وجدت فى القضية منبعا لاينضب يمكنها من الرواج لدى جمهور يعشق النميمة والفضائح، ولاشك أن بعض الزملاء الإعلاميين يقومون بتغطية القضية من منطلق حق الرأى العام فى الاطلاع على الحقيقة، لكنهم انساقوا وراء الجمهور الذى وجد أن قضية هشام وسوزان أكثر إثارة من مسلسل «تامر وشوقية
هل تتوقع أن تؤثر القضية على مستقبل جمال مبارك السياسى.. وعلى حملة تسويقه كبديل لابد منه للحكم.. وأنت
تعرف الموقع الذى كان يحتله هشام طلعت من مجموعة جمال؟
شوف.. الحقيقة أنه بغض النظر عن تداعيات فضيحة هشام وتأثيرها على الحزب والنظام، فإن رأيى الشخصى أن جمال مبارك فى كل الأحوال هو شخص لا يمكن تسويقه مهما عمل. الجماهير لديها قرون استشعار، وقد ادركت من البداية أن جمال وحاشيته ليسوا منها، ولا ينتمون إليها
ولكنه يحاول.. ويجتهد.. ويطوف بقرى مصر.. وينزل إلى الناس ويقدم وعودا براقة للبسطاء؟
ابدا.. كلها مظاهر.. جمال مرتبط بالناس اللى فوق، وبمصالح الكبار والغرب.. ثم إنه يواجه مشكلة قدرية لا ذنب له فيها، وتتعلق بتركيبته الشكلية، وجهه يخلو من الحضور، ملامحه جامدة كمومياوات الفراعنة، ولذلك كلما حاول تجميله وتسويقه عبر برامج التليفزيون الرسمية لايجدون أى تجاوب معه من الناس
حتى الأفكار التى يحاولون تسويقه بها لاتنطلى على أحد، ويعتمدون فيها على محورين: التخويف من الإخوان كبديل، وتذكير الناس بحالة الاستقرار التى عاشتها مصر طوال 28 عاما فى حكم مبارك وهى فى رأيى حجج متهافتة، لأننا فى أيام الحروب والأزمات التى يحذرون منها كنا أفضل حالا، سياسيا واقتصاديا
وكانت الناس فى سنوات النكسة فى بحبوحة من العيش، لم يجدوها فى أزهى عصور الاستقرار، على الاقل أن الفساد لم يكن بهذه البجاحة والسفالة، ولم تكن هناك سرقة علنية كما هو حاصل الآن
وقد قيل لى أكثر من مرة من شخصيات مهمة فى حاشية الحكم: ربما يكون جمال مبارك ليس الأفضل، ولكنه الأنسب.. على الأقل مقارنة بحكم الإخوان.. قل لنا على شخصية أخرى كويسة تضمن أنها تحافظ على استقرار البلد؟ قلت لهم: أكيد لن توجد شخصية كويسة غير جمال بعد "طبخة" الدستور، وفى ظل قوانينكم مفيش شخصية محترمة ممكن توصل للحكم، المأساة أن الناس بدأت تصدق حكاية الاستقرار، وأن الاخوان لو جاءوا للحكم ستنفجر الاوضاع وستشتعل الحرب الأهلية.. أنا شخصيا لا أميل إلى الاخوان ولا أحبذ حكمهم، إنما أنا أوافق على وصولهم إلى السلطة بانتخابات حرة نزيهة، تعالوا نجربهم، إذا كانوا هم البديل الوحيد. ما إحنا ياما جربنا واتجرب فينا!!
بس المهم أنه يكون انتخابا حرا فى نظام ديمقراطى يسمح لنا بالتخلص من الاخوان لو فشلوا
من حق أى فئة أن تصل للسلطة بالطرق الشرعية، الاخوان ليسوا طالبان لكن عليهم أنهم يورونا برنامجهم وفكرهم، وأنا متأكد أنه لن يسمح لهم بالوصول للسلطة فى ظل النظام القائم
لماذا كل هذه القتامة التى ترى عليها الصورة فى مصر؟
لأن الأحوال قاتمة فعلا، ولا أظن أن هناك تغييرا قادما، وهذا وضع لا يلام عليه نظام الحكم وحده، بل الشعب أيضا.. وأنا يمكننى أن ألتمس عذرا للناس، لأن الشعب المصرى بحكم معرفتى به وبتاريخه لا يتحرك إلا لما يشوف طاقة أمل، والحقيقة أن عموم الناس فى مصر فقدت الأمل فى التغيير!
رغم الحراك الحادث.. والمظاهرات والاعتصامات والاضرابات
التى لا يخلو يوم منها فى الشارع.. ورغم الحركات المعارضة.. ورغم آلاف المعتقلين؟!
هو فى النهاية حراك محدود وغير مؤثر، لأن أساس الحراك السياسى هو الاحزاب، والاحزاب السياسية عندنا ولله الحمد "لابتهش ولابتنش"، فى النهاية هم معذورون، لأن النظام لايريد أحزابا حقيقية، الأحزاب فى مأزق. والشعب فى كرب. والحكم فى مأزق أشد!
يعنى مفيش ولا خبر سعيد.. ولا لمحة أمل تراها؟
للأسف الخبر السعيد لم يكن فى مصر، وإنما فى أمريكا.. ولم يكن بفعل البشر، بل بيد الله.. وأعنى به السقوط المدوى لأمريكا، بعد الاعصار الاقتصادى الذى ضربها، وكسر جبروتها وأذل كبرياءها! وبكل جرأة أقول إننى شعرت بشماتة وسعادة غامرة لما حدث لأمريكا، وتعجبت أيضا وتساءلت: كيف لدولة تمتلك أعظم العقول البشرية، وأعظم المفكرين الاقتصاديين، وأكبر جامعات العالم وأحدث الأجهز والأقمار.. أن تنهار بهذه السهولة، وأظن أن ما حدث هو رسالة إلهية لأصحاب العقول.
ولكن أكثر ما غاظنى فى تلك الأزمة هو اصرار الأمريكان على الاشادة بالنظرية الرأسمالية، وأن الخطأ فى التطبيق، وأن الرأسمالية قادرة على تصحيح نفسها اشمعنى يعنى الرأسمالية؟! واشمعنى الروسى. بعد سقوط الاتحاد السوفيتى لما قالوا إن الشيوعية كنظرية سليمة فى اساسها وأن الخطأ فى التطبيق.. رفض الجهابذة فى أمريكا هذا المبرر، واصروا أن الشيوعية نظرية فاسدة!
لماذا كل هذه الشماتة والانفعال والهجوم على أمريكا.. وكأن هناك ثأرا بايتا بينك وبين الأمريكان؟
لأن الامريكان دمروا اقتصاد العالم، وحولوه إلى صالة قمار، منحوا مقدراته ومفاتيحه لشوية مديرين بنوك فاسدين، قامروا بفلوس الكون، ثم إن هذه النظرية المبنية على المقامرة ألعن ما فيها هو تدمير ثقافة الآخرين، وأظن أنهم دمروا جيلا بكامله فى عالمنا العربى، تعال شوف الطلبة عندنا وهم مقبلون على المرحلة الجامعية، لما تسألهم عايزين تدخلوا إيه؟ يقولوا لك
كليات البيزنس. ولا طالب النهارده يقول لك عايز أدخل كلية الزراعة ليه؟ لأن الثقافة الأمريكية السائدة تؤكد لهم فى كل وقت أن البيزنس هو الطريق السهل والسريع للثراء. إلهف وإجرى. كل شبابنا عايز يعيش عيشة هشام طلعت مصطفى.. ملايين ونسوان وسلطة بلا حساب.. أو على الأقل يبقى زى السكرى، ياخد مليونى دولار بشكة سكينة.. النهارده لما شبابنا يسمع ان مدير البنك فى أمريكا يتقاضى 50 مليون دولار فى السنة، عايزه ليه يدخل كلية الزراعة.. ولا يحب وطنه من اساسه! كله النهارده بتأثير العولمة والثقافة الأمريكية البراقة عايز يبقى بيزنس مان. الله يخرب بيوتهم زى مادمروا ثقافتنا وهويتنا!
فى العصر الأمريكى بقى الأكل يعنى الهامبورجر.. والشرب يعنى الكولا.. طب مالها الطعمية.. وما له الخروب.. واللبس يعنى بنطلون چينز، والبنت لازم "تشمر" بلوزتها وتبين بطنها.. واحد زى حالاتى بقى "بيئة" أو على الأقل خارج العصر لأنه لايؤمن بالثقافة الأمريكية.
وبعد كل ذلك لا تريدنى أن اشمت فى الأمريكان؟! هؤلاء الذين أذلونا، وحولوا العالم إلى سوق امام الشركات الرأسمالية الكبرى، ولم يكتفوا بأن يستولوا على جيوبنا واقتصادنا، إنما استولوا على ثقافتنا وقرارنا السياسى.. إنه الوهم الأمريكى باسم الحرية والديمقراطية!
هل تعترض على وجود حرية وديمقراطية حقيقية فى أمريكا.. على الاقل هناك حزبان كبيران يتبادلان السلطة؟
هذا من ضمن الوهم الذى رسخوه فى عقولنا. لاتصدق أن الناخب الأمريكى هو الذى يقرر، وهو الذى يختار، الانتخابات هناك تتم برعاية وتوجيه وتمويل شركات السلاح وشركات البترول والسيارات.. ما جرى بين أوباما وماكين هى تمثيلية مبهرة، يضحكون بها على ذقوننا!
"تمثيلية مبهرة".. حمدى قنديل الناصرى الهوى.. هل يرى أن الوصف نفسه ينطبق على مسلسل "ناصر" الذى شاهدناه فى شهر رمضان؟
لا أخفى عليك أننى كنت أود أن يكون مسلسل ناصر اكثر جاذبية من مسلسلى فاروق أو اسمهان، لكنه لم يكن كذلك، إذ توافرت لكل من المسلسلين الآخرين كل عناصر خلطة الاثارة من جنس وغرام وتآمر وخيانة وجريمة وغيرها.. أضف إلى ذلك أنه يقال إن مسلسل ناصر ارتكب أكثر من 90 خطأ تاريخيا فى رصد مفصل للباحث الفلسطينى المقيم فى أمريكا د. كمال الطويل، وهو واحد من أخلص الناصريين!
والواقع أننى لم أتابع المسلسل لحلقات عديدة، خاصة عندما كنت فى دبى، حيث لم تكن القنوات التى تبث المسلسل ضمن القنوات المتاحة فى الفندق الذى أقيم فيه، إلا أننى استغرب أن تكون هناك مثل هذه الاخطاء فى ضوء مراجعة الدكتورة هدى عبدالناصر وكذلك د. يونان لبيب رزق للمادة التاريخية. وفى كل الأحوال ليس مطلوبا من المسلسل التاريخى أن يكون صورة مطابقة للتاريخ، فهو فى النهاية رؤية درامية للأحداث كما رسخت فى ضمير الكاتب.
هل انزعجت ـ كواحد من أبناء ثورة يوليو وأنصار العهد الناصرى ـ من حالة الحنين التى اثارها مسلسلا فاروق واسمهان لعهد ما قبل الثورة ولروعة أيام الملكية؟
لا لم أنزعج كثيرا. مسلسل "فاروق" لم يثر حنينا لأيام الملكية، كل ما فعله أنه أثار تعاطفا جماهيريا مع شخص الملك، وهذه ردة فعل عاطفية ربما انسقت إليها أنا الآخر، حيث رأيت فاروق لأسرته ولرجال القصر وللحياة الحزبية وللاستعمار البريطانى جميعا. وهذا شيء مختلف تماما عن الحنين إلى الملكية..
ومهما كان رأينا فى المسلسلين، فلا شك عندى أن مسلسل عبدالناصر هو الذى اثار الحنين إلى أيام العزة والكرامة والقرار المستقل والعدالة الاجتماعية خاصة عندما يقارن الناس بين تلك الحقبة من تاريخهم، وبين الواقع المهين الذى يعيشونه الآن، حيث نجد عشرين ملكا من ملوك المال يحتكرون الثروة والسلطة على نحو لم يحدث فى تاريخ مصر المعاصر.. ونجد مصر واقفة فى صف ما يسمى جبهة الاعتدال ذيلا لأمريكا!
ذكر جبهة الاعتدال يستدعى الرئيس السادات.. هل تشعر بأن الناصريين امثالك مدينون باعتذار علنى له.. فى ظل هرولة جبهة الصمود والتصدى إلى فتح قنوات مفاوضات مع إسرائيل وأمريكا واقرارهم بالامر الواقع.. بعد فوات الأوان؟
لعلك تقصد بشار الأسد، والمفاوضات الجارية بين السوريين والاسرائيليين أنا نفسى ذهبت واجريت لقاء مع بشار الأسد فى باريس عندما كان يحضر القمة الأورومتوسطية، وقلت رأيى صراحة فى ثنايا الحوار، ومازلت مصراً على أن بشار الأسد انزلق إلى مسار لا يتوافق على الأقل مع الشعارات الحماسية والممانعة التى ترفعها سوريا منذ سنين بعيدة..!
أما بالنسبة لأنور السادات فلم يسبق أن هاجمته، بالعكس السادات أنا بحبه شخصياً، وبيننا علاقة انسانية لأننى عشت معه عن قرب أكثر من ستة أشهر أثناء حرب اليمن، وأشهد أنه كان رجلاً لطيفاً وظريفاً وابن بلد.. ولك أن تستغرب أننى عرفت السادات ولم أعرف عبدالناصر على المستوى الشخصى
وفيما يتعلق بقضية الحرب والسلام فيمكننى أن أقول إن السادات كان رجلا "فلتة"، وعنده رؤية خاصة للأمور، حتى لو كنت ضدها.. لابد أن أحترم رأيه ولكنى أرى أنه أخطأ خطأ جسيماً، ليس فى اتجاهه للسلام مع إسرائيل وإنما فى ثمن السلام
قبل أن تلمس "جزمة" السادات أرض مطار بن جوريون، كان على إسرائيل أن تدفع ثمناً باهظاً وفادحاً فى مقابل تلك الخطوة، لأنها جزمة رئيس أكبر دولة عربية، ما فعله السادات له ثمن معروف وأكبر كثيراً مما حصل عليه
السادات للأسف "نفسه قصير" فى التفاوض مع الإسرائيليين، وأظن أن هاجساً داخلياً يطارده بأنه لن يعمر طويلاً، وأن عليه أن ينجز الأمر بأقصى سرعة، والسادات بطبعه شخصية مسرحية، ويعشق "الشو" و"الشو" مهم فى العمل السياسى، وإنما ليس على حساب الوطن ومستقبله
اختلف مع السادات فى إدارته للتفاوض، ولكنى لا أصل فى اختلافى معه إلى درجة اتهامه بالخيانة كما فعل آخرون
السادات لعب لعبة قمار، لكنها ما "ظبطتش" معاه!!
هو يرى أنه استعاد سيناء، ولكن الأيام والظروف تثبت أننا لم نستعدها، والأسرائيليون يدخلونها ويخرجون منها بنفس السهولة التى يدخلون بها تل أبيب.. وكانت فضيحة لنا عندما أراد النظام أن يرسل قوات إضافية إلى رفح لمنع الفلسطينيين من اختراق الحدود، واكتشفنا أنه لابد من الحصول أولاً على إذن من إسرائيل!
على ذكر الفلسطينيين.. لماذا حولت برنامجك "قلم رصاص" إلى منبر للهجوم على السلطة الفلسطينية وحركة فتح؟
فى الواقع أنا منحاز لشرفاء فتح، وعلى رأسهم فاروق قدومى الزعيم الأجدر قانوناً بميراث عرفات، كما أنه لا يمكننى أن أنكر أننى متعاطف مع حماس فى صراعها مع السلطة رغم أننى لم أكن أود أن أرى مشهد استيلائها على غزة، إلا أن ما حدث كان نتيجة أن فصيلا من فتح يتقدمهم محمد دحلان الذى كان يعتبر نفسه حاكم غزة لم يقبل أبداً نتائج انتخابات المجلس التشريعى التى تفوقت فيها حماس، وكان ينوى القيام بانقلاب فى غزة على حكومة هنية الشرعية، فتغدى به هنية قبل أن يتعشى هو به!.
دحلان هو ومجموعته الذين دفعونى للنفور من فتح التى تربطنى بها أواصر ترجع إلى ما قبل ولادة دحلان، عندما التقيت بياسر عرفات فى عام 1955، وكنت أول من نشر اسمه فى صحف العالم قاطبة، عندما كنت أعمل فى دار أخبار اليوم وقتها، فساد هذه المجموعة عندما تسلمت الحكم بعد وفاة أبوعمار فاحت رائحته داخل أوساط الحركة نفسها، وأثارت معارضة معروفة لدى الجميع حتى اليوم، وهو الأمر الذى يهدد بتمزيق فتح من الداخل، والذى دعا إلى ضرورة عقد المؤتمر العام للحركة قبل نهاية هذا العام. إن فتح التى تضم أكبر عدد من المناضلين الفلسطينيين الشرفاء تم السطو عليها بواسطة عصابة دحلان، الذى أدار ظهره للقضية، وتفرغ مع حسن عصفور للاستثمار فى أبوظبى، فى حين أن شريكهما الثالث محمد رشيد الذى كان حارساً على أموال منظمة التحرير قد لاذ بالقاهرة التى وجد فيها الغطاء المناسب لاستثماراته! لكن فساد فتح ليس هو السبب الوحيد فى نفورى منها، لعل الأهم من ذلك هو أن الخلاف بينهم وبين حماس يرجع إلى سبب موضوعى لهم، ذلك أن الصراع بين الحركتين يعود فى الأساس لتناقض رؤيتها لحل الصراع مع إسرائيل
حماس تجد أن المقاومة يجب أن تظل خياراً قائماً مهما كانت التكتيكات قصيرة المدى، أما فتح فترى أن لا خيار سوى المفاوضات.. رغم أنه قد ثبت عدم جدواها بشكل فاضح خاصة بعد أن سلمت السلطة "النمر" لإسرائيل وأمريكا!
فى هذا التناقض أجد نفسى منحازاً لحماس.. وبالتأكيد فإننى سوف أظل على هذا الانحياز طالما بقى الموقف على ما هو عليه.. ورغم أننى كأى عربى، وربما أى فلسطينى، أرجو أن يصل الطوفان إلى توافق ما إلا أن هذا أمل كاذب، خاصة أن مصر راعية هذه الجهود للتوافق ليست طرفاً نزيهاً بالقدر الذى يمكنها من إنجازه!
واسأله: كنت شديد الثورة والهجوم على وثيقة الفضائيات العربية التى تم انجازها برعاية الجامعة العربية.. ألا ترى أن حالة الفوضى التى يمر بها سوق الفضائيات العربية، والتى وصلت إلى مستوى من العبث لا يمكن السكوت عليه، كانت تحتاج لمن ينظمها ويعيد ترتيبها.. هل كان هجومك لمجرد الهجوم؟!
ويرد حمدى قنديل: وثيقة الفضائيات هى وثيقة مصرية فى الأساس.. قدمت مصر مسودتها بالاتفاق مع السعودية التى تمثل واقعاً إعلامياً منغلقاً تماماً، واستغلت فيها مصر فرصة رياستها لمؤتمر وزراء الإعلام العرب، وهى تعرف أن هؤلاء الوزراء تحكمهم توجهات قمعية متأصلة فى نظم الإعلام العربية.. ولا شك أن هؤلاء الوزراء الذين دعموا المشروع "عدا قطر ولبنان والإمارات" كان كل منهم وهو يبصم على الوثيقة يدور فى باله عدد من القنوات أو البرامج يتمنى لو تمكنه الوثيقة من ازاحتها من الخريطة بشكل "مشروع".
هذه الوثيقة فضيحة بكل المقاييس.. فضيحة أولاً لوزراء الكهف العرب أنفسهم، لأنه من المستحيل الآن التحكم فى البث الفضائى فى ظل التقدم التكنولوجى الهائل الذى يمكننا فيه مشاهدة قنوات التليفزيون خلال أجهزة الموبايل.. وفضيحة لن تمحى من تاريخ وزير إعلام مصر أنس الفقى بالذات.. لكن أنس الفقى لم يقم اعتباراً لشيء من هذا، ذلك أن لديه مخططاً مقدساً على استعداد لتنفيذه مهما كان الثمن.. وهدف مخططه هو نسف أى عقبة إعلامية تقف أمام خطط توريث جمال مبارك، يتم تنفيذه بالتدريج حتى يجيء وقت الانتخابات المزعومة للرئاسة. وكل الضجة التى يثيرها أنس الفقى حول فضائيات الدعارة وفضائيات الفتاوى التيك أواى وفضائيات فتح المندل هى نموذج مكشوف للحق الذى يراد به باطل.. سياسة أنس الفقى هى إرهاب البرامج السياسية أو تلك التى تتعرض للأوضاع الداخلية.. وقد بدأ بالفعل فى تنفيذ هذه السياسية بالتعليمات التى صدرت للبرامج القائمة والذى أصبح معظمها أكثر استئناساً مما كان عليه فى السابق.. وليس خافياً أن أوامر صدرت للقنوات الجديدة مثل "الحياة" و"الساعة" بأنه ليس مسموحاً لها بتكرار تجربة دريم أو المحور التى تقدم "العاشرة مساء" و"90 دقيقة" كما ان مشروعات البرامج التى أعلن عنها بالفعل مثل برنامج خيرى رمضان وغيره اختفت تماماً.
أنس الفقى من اليوم حتى انتخابات الرئاسة يقوم برصف طريق الإعلام بالزفت حتى يجتاحه الوريث المنتظر.. وهو يفعل ذلك إن لم يكن بالدعاية الصريحة.. فبأوامر السكوت على الأقل.. لكن مشكلة أنس الفقى أنه وزير مبتدئ فى مجال الإعلام كما فى ميدان السياسة، ولذلك طبق المخطط بشكل غشيم
ويتحمل عمرو موسى جانبا ليس هيناً من المسئولية، ذلك أنه وجه رسالة فى بداية هذا العام لمنتدى إعلامى عربى كان منعقداً فى أبوظبى أراد أن يهدئ بها خواطر الإعلاميين، فأعرب عن استعداده لاستضافتهم فى الجامعة ليناقش الوثيقة من أساسها.. لكن الذى حدث أنه خدع بعضا منهم فاستدرجهم إلى مقر الجامعة حيث نوقشت آليات تنفيذ الوثيقة، وهكذا أضفى شرعية جديدة لها، مستوحاة مما بدا وكأنه موافقة أبناء المهنة ذاتهم.. للأسف إن عمرو موسى عادة ما يتحدث عن الحريات فى الميكروفونات، لكنه عندما جد الجد وجدنا صوته صدى لأصوات الإرهاب الإعلامى
جريدة العربي
آخر 10 مشاركات
25th November 2008, 04:36 PM
20 ملكآ يحكمون مصر
العرض العادي
