كانت القوات المصرية الموجودة ببورسعيد عند صدور الإنذار الأنجلو ـ فرنسي يوم 30 أكتوبر، عبارة عن سرية مشاة من الكتيبة الرابعة المشاة، وكتيبتين من جيش التحرير الوطني، وبطاريتي مدفعية ساحلية، وبطارية ثقيلة مضادة للطائرات، وتروب خفيف مضاد للطائرات، بإجمالي لا يزيد عن ألف فرد من مختلف الأسلحة والإدارات.
في يوم أول نوفمبر، كان اللواء 97 المشاة الاحتياطي تحت قيادة العقيد أركان حرب "عبد الرحيم قدري"، مكلفاً بحراسة مطار غرب القاهرة، حين صدرت إليه الأوامر بالتحرك ـ عدا كتيبة ـ إلى بورسعيد ليتولى الدفاع عنها. التي وصلها يوم 3 نوفمبر، بعد تحرك طويل تحت الضرب الجوي الذي أحدث به خسائر كبيرة. وبمجرد وصوله، شرع قائده، في رسم خطة الدفاع، وتخصيص المهام للقوات المتوفرة على قدر ما سمحت به الموارد. وكان النقص شديداً في المعدات الهندسية، اللازمة لزرع حقول الألغام، والموانع داخل الماء، وعلى الساحل الذي ترك تقريباً بغير تجهيزات هندسية أو موانع صناعية.
خطة اللواء 97 المشاة الإحتياطي
قام العقيد أركان الحرب "عبد الرحيم قدري"، قائد اللواء، بتقسيم المنطقة إلى ثلاث قطاعات رئيسية، هي:
تقوم الكتيبة 275 المشاة الاحتياطي (عدا سرية)، وسرية من جيش التحرير الوطني، وبطارية المدفعية الساحلية بالدفاع عن قطاع بورفؤاد، بمواجة 3 كيلومترات ومقاومة الإبرار الجوي أو البحري وتدميره، مع تركيز المجهود الرئيسي للدفاع عن منطقة ورش هيئة القناة ومحطة الرادار. تقوم الكتيبة 291 المشاة الاحتياطي، وسرية من الكتيبة 275 المشاة الاحتياطي، وكتيبة من جيش التحرير الوطني، وبطارية المدفعية الساحلية، وتروب مدفعية مضادة للدبابات ذاتي الحركة عيار100 مم، بالدفاع عن قطاع بورسعيد من مطار الجميل الواقع غرب المدينة بنحو 10 كيلومترات حتى الميناء (داخل)، ومقاومة الإبرار الجوي أو البحري وتدميره، مع تركيز المجهود الرئيسي للدفاع عن منطقة الجميل، الجبانات، وتجهيز كوبري الجميل للنسف. تقوم سرية من جيش التحرير بتأمين مدخل بورسعيد من الجنوب، وكوبري الرسوة للسكة الحديد، وكوبري الرسوة العائم، مع تجهيز الكوبري العائم للنسف.
وبوصول الكتيبة 4 المشاة إلى بورسعيد يوم 3 نوفمبر عائدة من سيناء، وُضْعَت تحت قيادة اللواء 97 المشاة الاحتياطي، وأوكلت إليها المهام التالية: - احتلال منطقة الجبانات، على الطرف الغربي للمدينة بسرية مشاة في موقع دفاعي.
- احتلال تقاطع الطرق شرق الجبانات، والمؤدي إلى قلب المدينة مباشرة بسرية مشاة ثانية في موقع دفاعي.
- احتلال موقع دفاعي ثالث بسرية مشاة جنوب معسكر الجولف، وشمال كوبري السكة الحديد، ويوضع الموقع تحت قيادة قائد قطاع الرسوة.
- تبقى سرية المشاة الرابعة في الاحتياط العام، حول نادي الضباط القريب من نادي الجولف، وهي على استعداد لتنفيذ المهام التي تصدر إليها طبقاً لتطور القتال.
مهام ضخمة وقوات ضئيلة
وتجدر الملاحظة أنه عندما بدأ القتال في بورسعيد، كانت القوات المدافعة، لا تتناسب إطلاقاً مع ضخامة المهام المطلوب إنجازها. وفضلاً عن ضآلة حجمها، فقد كانت غير مدربة على القتال في المدن. كما كانت تفتقر إلى الأسلحة والمعدات الميدانية والأدوات الهندسية لإقامة الموانع على الساحل المعرض للغزو، وما يلزمها من تحصينات وحقول ألغام بحرية وبرية. كما أنها جاءت من أماكن بعيدة وتعرضت لضرب جوي شديد، ووصلت بورسعيد قبل أن يبدأ القتال بمده وجيزة، لم يتح لها التعرف على المدينة أو إحكام خطط الدفاع عنها، الأمر الذي جعل بعض القوات البريطانية التي رحلت عن المدينة منذ أشهر قليلة، أكثر معرفة بها من القوات المصرية التي تدافع عنها.
ويثير هذا الاستعداد الضعيف الذي تم في اللحظات الأخيرة الدهشة من موقف القيادة الشرقية والقيادة العامة، اللتين لم تزودا منطقة بورسعيد بقوة، تستطيع إبداء مقاومة حقيقية في مواجهة قوات الغزو، تتمتع بالتفوق الجوي والبحري والعددي والنوعي، فتكتفيان بدفع تلك القوات القليلة للدفاع عن ساحل الغزو، وفي آخر لحظة قبل نزول القوات الأنجلو ـ الفرنسية فيه.
أول اقتحام رأسي في التاريخ العسكري
انقضت اقوات المظلات الفرنسية ، صباح يوم 5 نوفمبر على خزانات المياه الرئيسية جنوب مدينة بورسعيد، وكباري الرسوة لتحتلها،
وفي الساعة الثامنة والثلث وصلت الموجات الأولى من طائرات النقل التي أقلعت بنحو 600 جندي مظلي بريطاني من نقوسيا إلى مطار الجميل، بينما كانت الطائرات الفرنسية التي أقلعت من تايمبو تلقي بالخمسمائة مظلي جنوب كباري الرسوة.
القتال في منطقة مطار الجميل
كانت القوات المصرية المكلفة بالدفاع عن مطار الجميل وقت إنزال المظليون البريطانيون عليه صباح 5 نوفمبر، سرية من جنود الاحتياط، أعيد تشكيلها يوم أول نوفمبر من سريتين تعرضتا لقصف جوي فتك بهما، وهما يتقدمان داخل عنق الزجاجة إلى بورسعيد. كما كانت هناك كتيبة من الحرس الوطني، وأربع دشم خرسانية في أركان المطار، تضم كل واحدة منها مدفع رشاش.
وكان المدافعون قد نشروا على أرض المطار عدداً كبيراً من البراميل الفارغة لمنع طائرات العدو من الهبوط فيه، إلا أن تلك البراميل نفسها وفرت سواتر جيدة للمظليين البريطانيين.
وراح البريجادير "بتلر"، والمقدم "بول كروك" قائد كتيبة المظليين، يستحثان الجنود الذين هبطوا معهما على سرعة السيطرة على المطار، وعندما حلت الساعة التاسعة صباحاً، كان البريطانيون قد استولوا على مطار الجميل، كما احتل الفرنسيين كباري الرسوة، ومستودعات المياه المجاورة، وقطعوا المياه عن المدينة.
وكتب الجنرال "كيتلي" في يومية الحرب يصف المقاومة المصرية، صباح ذلك اليوم بالشدة، وخاصة مدافع الاقتحام الأربعة ذاتية الحركة طرازS.U.100، والتي سببت لجنوده كثيراً من المشاكل، كما ذكر أنها أتقنت الانتقال من مربض نيران إلى آخر، بما دفع بعض ضباطه إلى الظن بأن القوة المدافعة تملك 30 أو 40 مدفعاً، وليس مجرد أربعة.
القتال في بورفؤاد
قفزت كتيبة من المظليين الفرنسيين بقيادة الكولونيل "فوسي فرانسوا" في منطقة الجلاء، جنوب بورفؤاد ـ والمقابلة لمنطقة الرسوة ـ وذلك في الساعة الثالثة والربع من بعد الظهر، حيث قابلتها مقاومة عنيفة للغاية، قبل أن ينجح الفرنسيون في الاستيلاء على المدينة خلال ساعات الليل، وفي ذلك الوقت كانت الطائرات البريطانية تحمل 100 آخرين من المظليين، لتعزيز مطار الجميل، وتزويده بالذخائر والمطالب الإدارية الأخرى.
وكانت القوات المدافعة عن بورفؤاد قد خُفّضت إلى حد كبير، بعد سحب جزء منها، للقيام بالهجوم المضاد في منطقة الرسوة. وقد ظلّت قوات بورفؤاد تتشبث بمواقعها بعناد حتى استشهد قائد الكتيبة 275 الاحتياط المقدم "حسين توفيق إسماعيل"ومعظم أفرادها، بعد أن أبلوا بلاءً حسناً. |