عرض كتاب: صناعة القرار الإسرائيلي: الآليات والعناصر المؤثرة
عرض: نعيمة أبومصطفى.
من يحدد الأمن القومي الإسرائيلي؟ ما هو دور رؤساء الوزراء في صناعة قرارات الحرب؟ لماذا اختلفت الطوائف اليهودية حول القيادة السياسية؟ أنواع الطعام وأثرها في المطبخ السياسي الإسرائيلي! المسيح المخَّلص عند المسيحيين أم اليهود؟ حقيقة العهد الذي قطعه الله على النبي موسى، وعلاقته بالدولة اليهودية، "عش ودع غيرك يعيش" المقولة التي صنعت القرار الإسرائيلي، من صاحب قرار فكّ الارتباط مع غزة؟ أمريكا و"إسرائيل" هل ولدا من رحم واحد؟ على أي أساس تشن "إسرائيل" حروبها ضدّ العرب؟ ما هو السبب الرئيسي وراء هزيمة "إسرائيل" في الحرب على لبنان سنة 2006؟ وأخيراً ما هو موقف الصهيونية العالمية من "إسرائيل"؟
هذا ما يشرحه لنا الكتاب، من خلال تطور مراحل الحياة السياسية، والعسكرية، والاجتماعية في "إسرائيل"، بمختلف الطوائف، والمؤسسات الصهيونية داخل وخارج "إسرائيل"، ودور كل منها في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي. تضمن الكتاب 271 صفحة من القطع الكبير، وتمّ تقسيمه إلى ثمانية فصول، في كل فصل مباحث عدة.
تناول الفصل الأول، الآلية الدستورية لعمل المؤسسات السياسية، مركزاً على الكنيست، والحكومة والعلاقة بينهما، من خلال آليات تكوين الكنيست الإسرائيلي وحدود سلطاته، ووظائفه، ودوره في اتخاذ القرارت المتعلقة بالسياسات، ومراجعة أداء الحكومة، وانتخاب رئيس الدولة، ومراقبة الدولة، والمراحل التي تمر بها مشاريع القرارات قبل صياغتها، وآليات الموافقة عليها. كما تناول، في شرح مفصّل كيفية تشكيل الحكومة وإسناد المهام إلى الوزراء، وكيفية اختيارهم ومعهم رئيسهم وأنشطته الرسمية وأعماله اليومية، واللجان الخاصة بالوزارات، وكيفية عملها، ونوعية القضايا التي تناقشها، بالإضافة إلى سلطات مجلس الوزراء، والحكومة، والتكليفات التي تسند إليهما إذ هما السلطة التنفيذية للدولة، وسلطات رئيس الوزراء. كما شرح لنا المؤلف العلاقة بين مجلس الوزراء والكنيست، مبيناً صاحب اليد العليا في السلطة، وموظفو وزارة الخارجية وطبيعة عملهم، والأقسام والدوائر التي تتكون منها، لكي يصل بنا إلى مدى إسهامهم في الحياة السياسية، والمتمثل في دورهما الاستشاري في عملية صنع القرار، وتأثير كل منهما على الآخر، وهي النتيجة التي توصل إليها المؤلف، بعد شرح مطول لمكونات كل من الكنيست والحكومة.
معلومات النشر:
العنوان: صناعة القرار الإسرائيلي: الآليات والعناصر المؤثرة.
تأليف: كريم الجندي/ ترجمة: أمل عيتاني/ مراجعة: د. محسن صالح.
عدد الصفحات : 271 صفحة.
الطبعة: الأولى/ 2011.
السعر: 8$.
جهة الإصدار: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت.
أظهر الفصل الثاني العوامل الداخلية، والعمليات التي تقلب العلاقات والتوازنات الرسمية بين اللاعبين الأساسيين، وذلك من خلال سياسة الائتلاف، ومجلس الوزراء، وعدد مقاعد الأحزاب داخل الحكومة، وأنواع الأحزاب التي تتألف منها الحكومة، مثل الأحزاب الدينية ومنها الحريديم، وأحزاب ذات اتجاه ديني قومي، وأحزاب تحمل أجندة محدودة. وذكر الكاتب أن معدل حياة الحكومة لا يتعدى سنتين، واسترشد بإحصائية أجراها البنك الدولي سنة 2007، صنفت "إسرائيل" على أنها أقل الدول تمتعاً بالاستقرار السياسي، مما يؤثر سلباً على صناعة القرار السياسي فيها، ضارباً العديد من الأمثلة للحكومات المختلفة، التي شبهها بالمنتدى الحكومي، بدلاً من الجسم التنفيذي للدولة، الذي يتم الاعتماد عليه في صناعة القرار، كما وصفت هذه القرارات بالارتجالية المفاجئة.
أظهر هذا البند مرحلة بناء "الأمة الإسرائيلية"، منذ وجد أول كنيست، والإجراءات التي اتخذت للحد من هذه الحالة، ومدى تأثيرها على الأحزاب المشاركة في الائتلافات الحكومية، وتأثيرها على إضعاف السلطة المؤسساتية للكنيست، وأوضح لنا الكاتب كيفية تعيين الأحزاب لوزرائها، والأسس التي يتم اختيارهم بها، وكيف سيطرت سياسة "عش ودع غيرك يعيش" على عقلية الوزراء المعينين من قبل أحزابهم، ومدى سيطرة رئيس الوزراء على الحكومة، بنفوذه السياسي الشخصي.
أدت سياسات الائتلاف الحكومية إلى تراجع الانضباط الحزبي، مما اضطر رئيس الوزراء إلى تمرير قوانين تاريخية، لم يستطع الحصول على موافقة حزبية عليها، وأعطى مثال عندما احتاج مناحيم بيجن إلى دعم حزب العمل المعارض حينها، من أجل الحصول على موافقة الكنيست على "اتفاقات كامب ديفيد"، واحتاج شارون إلى دعم حزب العمل المعارض، من أجل تمرير خطة فكّ الإرتباط مع غزة. سلط الكاتب الضوء على اعتماد الوزراء السياسيين على مدى قدرتهم على إرضاء جمهورهم الحزبي، وليس على كفاءتهم في الأداء الوزاري، وكيف يتم تجاهل أغلبية القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء. ومن الأمثلة التي ضربها المؤلف خلال تنفيذ عملية فكّ الارتباط مع غزة؛ كان وزير الخارجية غائباً، تماماً، عن متطلبات المفاوضات حول خطة فكّ الإرتباط، حيث عجز وزير الخارجية عن لعب أي دور في التفاصيل التي صاغها رئيس الوزراء، حينذاك، أريل شارون، ومستشاروه، بل إنه عجز، أيضاً، عن تقديمها، بطريقة فعالة، في الخارج، وأكثر من ذلك فإن وزارة الدفاع نفسها، ومعها الجيش الإسرائيلي دخلا على خطة فكّ الارتباط، في وقت متأخر، نسبياً. وربط الكاتب بين علاقة ميزانية الدفاع وعجز مجلس الوزراء عن التعاطي مع قضايا الأمن القومي ما يجعل الميزانية تتم اعتباطاً، لكونها عملية سياسية لا تخضع لتفاصيل المتطلبات، ولم يدلل الكاتب على ما ذكره بإحصاءات.
ناقش البند الثاني من هذا الفصل، خلفية البنية الاجتماعية، والأيديولوجيات، والبرامج، ودورها في السياسات الإسرائيلية، حيث الانقسامات العرقية، والأثنية لليهود المنحدرين من الدول التي هاجروا منها، ودورهم في تأسيس المشروع الصهيوني، ومدى تمثيلهم في الكنيست. وأظهرت اتجاهات هذه الأيديولوجيات السياسية للأحزاب الإسرائيلية ما هو متعلق بالوجود الفلسطيني تجاه السكان الإسرائيليين، وما هو متعلق بالقضايا السياسية، وشرح رؤية كل منهما، وشمل هذا المبحث جدولاً تضمن تعريفاً موجزاً للأحزاب السياسية المتمثلة في الكنيست، وبرامج هذه الأحزاب السياسية، ومبادئها.
استمر هذا البند في توضيح سيطرة المجموعات الصغيرة من القيادات السياسية داخل الحزب على صناعة القرار السياسي، وتحكمهما باختيار المرشحين لتولي مناصب سياسية، أو عامة، وكذلك تأثير البرامج السياسية التي تتغير، طبقاً لأسباب تكتيكية، أو تغير في اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي، على صناعة القرار، مثل انسحاب شارون الأحادي الجانب من غزة، وإعلان أولمرت عن نيته تنفيذ انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، وهذه أمثلة على براجماتية صنع القرار، مما يدل على أن السياسة في "إسرائيل" هي مهنة، أو وظيفة، نتيجة سيطرة السياسيين الموظفين على البيروقراطية السياسية، التي يمضون معظم حياتهم فيها، مما فتح الباب للبراجماتية السياسية، التي يتم تبريرها، باستخدام المنطق الإيديولوجي.
شرح لنا الكاتب دور رئيس الوزراء، بشكل مفصل في البند الثالث من هذا الفصل، ومدى نفوذه على رأس السلطة التنفيذية، وهو الهرم في صناعة القرار في "إسرائيل"، وصلاحياته في اتخاذ القرارات النهائية، وكيفية إحالته والارتباط بينه وبين وزير الدفاع، ووزير الخارجية، بصفتهم القيادة العليا للبلاد.
تمّ التركيز على تاريخ منصب رئيس الوزراء، منذ سنة 1948، حتى سنة 2008، وصفات وخصائص كل فترة زمنية، وعلى أي أساس تمّ اختيار رئيس الوزراء لكل فترة، وحدود سلطاته، ونوعية القضايا التي يكون له كلمة الفصل فيها. كما تطرق الكاتب إلى شخصنة القيادة العليا، وزيادة اهتمام الرأي العام بالسياسة، حيث أن الوزن السياسي أخذ ينتقل إلى الجرأة في أخذ القرارات، وخاصة الحرب والسلام، وإدارة علاقة "إسرائيل مع حلفائها"، والتركيز على القرارات الجماعية. وذكرت الدراسة ميل الإسرائيليين إلى رئيس وزراء قوي، يحل المشاكل خيراً من النقاشات والمداولات والقوانين. وكرر الكاتب أشكال منصب رئيس الوزراء وكيف تغير من شخصيات تاريخية، تتمتع بخبرة واسعة وشعبية عالية، إلى شخصيات هي نتاج تاريخ عسكري، و"كاريزما" شعبية، مثل باراك، ونتنياهو، كما أوضح لنا بعض الشخصيات التي تولت هذا المنصب، وآراء الشارع الإسرائيلي فيها، خلال فترة حكمها، ورأي الأكاديميين في شخصنة القيادة السياسية.
عانى رؤساء الوزراء من تسييس مجلس الوزراء، الذي أدى بهم إلى سياسة الارتجال في صناعة القرار السياسي، وعدم تمكن رؤساء الوزراء من طلب النصيحة، أو الإسرار لوزراء الائتلاف، مثل وزير الدفاع، ووزير الخارجية، ومدى تأثير ثقافة استبعاد فرق العمل المساعدة على كيفية اتخاذ القرار، وتأثير القادة السياسيين بشكل واضح، بثقافة مبجلة في "إسرائيل" في ظلّ غياب الضوابط والموازين خلال صياغة السياسات، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الحكم الشخصي على الأمور، وهو ما أوجد حالات ارتجال، وإدارة أزمات، كبديل عن التفكير المنهجي، والتخطيط، والوقاية، واتباع "إسرائيل" سياسة التجربة ثم التخلي، في ظلّ غياب تحليل منهجي وإطار عمل استراتيجي أساسي لعملية صناعة القرار، وهي ما وصفه الجندي بسياسة الارتجال في عملية صناعة القرار الإسرائيلي، ومراحل تطور هذه السياسة في الحياة السياسية الإسرائيلية وعرض محاسنها ومساوئها، وكيفية تأثير العوامل الثلاثة، القيادية الشخصانية، وتسييس مجلس الوزراء، وسيادة سياسة الارتجال، ومن أمثلة هذه السياسات، سياسة غولدا مائير، واستخدامها "المطبخ الوزاري"، ورابين، وبيريز، وخصوصيتهما في حلّ الأمور، وشامير ما سمي بـ"منتدى رؤساء الوزراء"، الذي كان يضم بيريز، ورابين، وشامير نفسه، وأولمرت كان يستشير سبعة وزراء، فيما عرف بـ"مجموعة السبعة". وأكد الكاتب، في نهاية الفصل، على شخصانية القرار، بل وصفه بأنه مائع وغير رسمي، وغير مبني على العمل المؤسسي.
تناول الفصل الثالث تأثير الجيش، والمؤسسات الأمنية على عملية صناعة القرار السياسي، من خلال عرض ستّ نقاط، أولاً الهواجس الأمنية والعقيدة العسكرية، وكيفية تأثر صناعة القرارات السياسية بفكرة "إسرائيل الملاذ الآمن لليهود"، وناقشت فيه عدة هواجس أخرى، مثل صغر حجم السكان، مقارنة بالدول المجاورة، وصغر المساحة الجغرافية، التي وصفها الكاتب بـ"تهديدات وجودية"، مما دعا "إسرائيل" إلى زيادة قوتها العسكرية، وتوقيع معاهدات سلام مع الجوار، والحصول على دعم الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبالرغم من ذلك، فإنه لم يقض هذا على الشعور الداخلي بعدم الاستقرار. ناقش الكاتب المبادىء العملياتية للعقيدة العسكرية الإسرائيلية، وبناء القدرة اللازمة لتوفير نظام تحذير استراتيجي رفيع المستوى، وردع الأخطار الخارجية، عن طريق سياسات عسكرية متتالية، وبناء مجتمع مسلح يقوم فيه الرجال والنساء بالواجبات العسكرية، وكذلك المبادىء النفسية للعقيدة العسكرية، من خلال أولوية الأمن، واللجوء إلى القوة لحل المشاكل الأمنية، والاعتماد على الذات، في القوة العسكرية، لضمان بقاء الوجود الإسرائيلي، والتغيرات التي طرأت على العقيدة العسكرية الإسرائيلية، منذ "اتفاقية كامب ديفيد"، والأحداث التي جرت بعدها، من انتفاضات، ومعاهدات سلام مع الفلسطينيين، والسوريين، وتخوف "إسرائيل" من امتلاك العراق وإيران أسلحة الدمار الشامل، وتطور المنظومة الصاروخية لحزب الله في لبنان، كل هذا جعل "إسرائيل" تغير في عقيدتها العسكرية، والاعتماد على معاهدات السلام أكثر من المواجهات العسكرية. كما حدثت تغيرات في الخدمة العسكرية، رصدها الكاتب، من خلال تغيير التركيبة السكانية، وتوضيحها بإحصاءات، حيث حصل بعض الفئات على إعفاء من الخدمة العسكرية، وخاصة بعد إجراء استطلاعات للرأي العام، أكدت عزوف الإسرائيليين عن التطوع في الوحدات العسكرية. كما قادت الهواجس الأمنية، التي تعيشها "إسرائيل"، صَّناع القرار إلى تطوير آليات صناعة قرارات غير متزنة، تعتمد على الأجهزة العملياتية في المؤسستين، العسكرية، والأمنية، وانتخاب قادة سياسيين لهم خلفيات أمنية.
تناول البند الثاني من هذا الفصل، وضع المؤسسات العسكرية والأمنية داخل التجمع الإسرائيلي، التي أصبحت محوراً للأنشطة المدنية، والدينية، وللطقوس، والاحتفالات، لتشكل عقلية الدولة الحامية، أو "الأمة المسلحة"، التي لا تتجزأ من النسيج الاجتماعي الإسرائيلي.
أوضح البند الثالث، التسلسل القيادي، وبنية المؤسسات العسكرية، من خلال عرض للقوى العسكرية، التي لها مساحة من الاستقلالية، وتشمل جيش الدفاع الإسرائيلي بقياداته، وكذلك القوى الأمنية، وتتكون من خدمات الاستخبارات، والشرطة الإسرائيلية، وشرطة الحدود، وخدمات السجون، وغيرها من المؤسسات، التي شرحها المؤلف بإسهاب، لتوضيح وظيفة كل إدارة، ووضعها في شكل بياني، ليوضح البنية الأساسية للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
.
يتبع..........