الأرملة التي طلبت من 8 رؤساء فرنسيين قول الحقيقة بخصوص مقتل زوجها تحت التعذيب في الجز

[المستشار الصحفى]

الصحف المصرية والعربية

حكت جوزيت أودان، وهي أرملة فرنسيٍّ اعتُقل على يد الجيش الفرنسي، وقتل تحت التعذيب، في الجزائر، قصتها للمطالبة بالكشف عن المسؤول عن قتل زوجها.

وقالت جوزيت أودان وهي تشير إلى صورة مبنى كبير ذي أعمدة كلاسيكية في ساحةٍ تصطف الأشجار على جوانبها: «هذه هي الجامعة التي كنا ندرس فيها في الجزائر العاصمة»، حسبما نشرت قصتها شبكة BBC البريطانية.

وسردت الأرملة البالغة من العمر 87 عاماً مقتطفاتٍ عن حياتها مع موريس أودان، زوجها الراحل، الذي كان طالباً معها في قسم الرياضيات بجامعة الجزائر في خمسينات القرن الماضي.

إذ التقيا أثناء إحدى المحاضرات، فوقعا في حبِّ بعضهما وتزوَّجا. وكان كلاهما من أصولٍ أوروبية -كحال 10% من سكان الجزائر آنذاك بعد 120 عاماً من الحكم الفرنسي- وكلاهما كان شيوعياً يدعم النضال من أجل استقلال الجزائر.

وقالت ابنتهما ميشيل: «لم يكن والداي يُقاتلان بالسلاح، بل كان والدي ينشر القضية».

موريس أودان كان يدرس الرياضيات في الجزائر حين تم اعتقاله

كان موريس في عام 1957 يُدرِّس الرياضيات في الجامعة، ويعمل على رسالة الدكتوراه، بينما كانت جوزيت تُربِّي أطفالهما الثلاثة الصغار.

وقد كانت معركة الجزائر مستعرِة آنذاك، إذ كانت جماعاتٌ مؤيدة للاستقلال تشنّ هجماتٍ عنيفة، وكانت السلطات تكافح من أجل السيطرة على الأوضاع.

وحين عُرِف أنَّ جوزيت وزوجها جعلا منزلهما مأوى لزعيم شيوعي مطلوب القبض عليه، داهم الجنود المنزل في إحدى الليالي، واقتادوا موريس الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 25 عاماً.

وقالت ميشيل وهي تسرد ما حدث: «سألتهم والدتي: (متى سيعود؟) فقالوا: (إذا سارت الأمور على ما يرام، سيعود في غضون نصف ساعة)».

لكنَّه لم يعُد قط. وقال صديقٌ مقرب اعتُقِل في اليوم التالي إنه رأى موريس مربوطاً على طاولة ويتعرض للتعذيب.

وقالت ميشيل: «بعد ذلك بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، قالوا لأمي: لدينا أخبارٌ سارة لكِ، لقد فرَّ زوجك».

لكنه مات تحت التعذيب

قالت ميشيل ابنتهما إنَّ والدتها عرفت فوراً أنَّهم يكذبون، وأدركت السبب «لقد عرفت أنَّه مات».

لكنَّ جوزيت أرادت من السُّلطات قول الحقيقة.

وقالت ميشيل: «لقد حاولت أن تنشر القضية، وأطلقت حملةً، لكن لم تكن لديها أي وسيلةٍ لفعل أي شيء، لم يكن لديها سوى ورقةٍ وقلم لتكتب قضيتها».

وكتبت جوزيت إلى كل شخصٍ ظنَّت أنَّه قد يساعدها، سواء كانوا صحفيين أو أكاديميين.

وقالت: «لم أستطع فعل أي شيء آخر، لم يكن لديَّ خيار».

وفي عام 1962، حصلت الجزائر على الاستقلال. وبعد ذلك ببضع سنوات انتقلت جوزيت وأطفالها إلى العاصمة الفرنسية باريس. وعلى مر السنين ظهرت أدلةٌ أخرى تشير إلى تعرُّض موريس للتعذيب والقتل، وكُتِبَت العديد من الكتب والمقالات عمَّا حدث.

وقالت إحدى الفرضيات إنَّه تعرَّض للخنق على يد أحد المحققين، بينما ذكرت أخرى أنَّ السُّلُطات اعتقدت خطأً أنَّه شخصٌ آخر. وتفاخر ضابط استخباراتٍ بارز سابق في سنٍّ كبيرة بأنَّه أمَرَ بقتل أودان.

لكن على الرغم من حملة جوزيت، كان هناك صمتٌ على الصعيد الرسمي.

ما دفع جوزيت لمخاطبة الحكومة الفرنسية لمعرفة الحقيقة

وظلَّت جوزيت تُرسِل قضيتها إلى كلِّ رئيس فرنسي جديد.

وقالت ميشيل: «بعضهم ردَّ عليها، والبعض الآخر لم يرد، لم تكن تطلب اعتذاراً، بل كانت تريد معرفة الحقيقة، وبعض الاعتراف بمسؤولية الجمهورية الفرنسية».

وأخيراً، اعترف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند بأنَّ موريس مات في الحجز، لكنَّ الرئيس التالي إيمانويل ماكرون فاجأ عائلة موريس. *

إذ اتصل بجوزيت قبل أن ترسل له رسالة، ثم اعترف رسمياً، في سبتمبر/أيلول الماضي، بمسؤولية الدولة الفرنسية عن وفاة موريس أودان.

وقال إن النظام الذي مكَّن السلطات في الجزائر من توقيف أي مشتبه به واحتجازه واستجوابه كان بمثابة أرضٍ خصبة لأعمال مروعة، بما في ذلك التعذيب، وإنَّ أودان تعرَّض للتعذيب، ثم أُعدِم، أو تعرَّض للتعذيب حتى الموت. وفي زيارةٍ إلى منزل جوزيت، طلب ماكرون الصفح.

قصة موريس أودان تكشف حجم اختفاء آلاف الأشخاص في الجزائر

لكنَّ موريس أودان مجرد حالةٍ واحدة، إذ اختفى آلاف الأشخاص أثناء الحرب الجزائرية، من جميع أطراف النزاع، ولم يُعرَف شيءٌ على الإطلاق عمَّا حدث لهم في كثيرٍ من الحالات.

وقال ماكرون إنه يريد الآن فتح السجِلَّات الوطنية، حتى تتمكَّن العائلات من الحصول على إجابات.

لكنَّ بعض المؤرخين غير واثقين ممَّا قد يعنيه ذلك من الناحية العملية.

صحيحٌ أنَّه من الممكن الوصول إلى وثائق محفوظةٍ في السجلات الوطنية، لكن هل يعني ماكرون أنَّه سيجري فتح سجلاتٍ عسكرية غير محددة؟

تقول المؤرخة رافاييل برانش إنَّه من غير المحتمل أن تكون حوادث التعذيب والقتل قد سُجِلَّت في الأساس.

إذ قالت: «وقع الكثير من هذه الممارسات خارج نطاق القضاء»، ونظراً إلى وجود عقوباتٍ ضدها آنذاك، فربما لم تُسجَّل على الإطلاق، حسب قولها.

بينما ذكر المؤرِّخ الآخر فابريس ريسيبوتي، أنَّ هناك أدلةً على أنَّ بعض الوثائق جرى التخلُّص منها عمداً.

إذ قال: «في نهاية الحرب بذل الجيش الفرنسي بعضَ الجهود للتخلُّص من أي شيء في السِّجِلَّات قد يؤدي إلى الكشف عن بعض الجرائم التي ارتُكِبَت أثناء الحرب».

بيد أنَّ ريسيبوتي اكتشف شيئاً مثيراً للاهتمام عند تفحُّص وثائق أُعلِنَت مؤخراً في مركز السجلات الوطنية الفرنسي في مدينة آكس أون بروفانس.

إذ وجد ملفاً احتفظ به مركز المحافظة *في الجزائر العاصمة، عن أشخاصٍ أبلغت عائلاتهم عن أنهم مفقودون، ويضم أسماء 850 شخصاً.

وقال فابريس: «فضَّل الفرنسيون الحفاظ على سرية هذه الوثائق، مما يعني أنها كانت ثمينة وقيِّمة للغاية، أدركت ذلك فور رؤيتها».

حتى ظهرت جهود لتوثيق حالات الاختفاء في الجزائر إبان احتلال فرنسا

وفي الأيام التي أعقبت اعتراف ماكرون رفع فابريس هذه الملفات على موقع إلكتروني أنشأه مع مؤرخةٍ أخرى تُدعى مليكة رحال، ويحمل اسم 1000 Autres أو 1000 آخرون.

وطلب من الأشخاص الذين يعرفون أي شخصٍ من المفقودين أن يتصلوا به إذا كان لديهم أي معلومات عن ذلك الشخص، وجاءه الرد الأول في أقل من 24 ساعة.

وقال فابريس: «لن أنسى صباح اليوم الأول بعد إطلاق الموقع طوال حياتي… إذ فتحت حاسوبي وكانت لدي رسالةٌ -وأقولها بلا خجل- جعلتني أبكي، لأنني أتساءل أحياناً عمَّا إذا كان العمل الذي نؤديه مفيداً حقاً لأي شخص».

وتلقى فابريس ومليكة حتى الآن نحو 300 تصريحٍ من شهود عيان عن 70 شخصاً، يؤكد العديد منهم أنَّ الشخص المفقود لم يعد إلى داره قط.

ومن بين أولئك الشهود منيرة ياسف في الجزائر العاصمة، التي اعتُقِل والدها لحسن ياسف، ولم تكن لديها أي فكرة عن كيفية وفاته أو ما حدث لجثته.

وقالت: «اقتاده الجنود خارج المنزل في إحدى الليالي وانتهى الأمر. عدم وجود الجثة يعني عدم وجود تاريخ».

وقالت مليكة رحال، التي شاركت في تأسيس الموقع: «هناك أملٌ كبير في معرفة أماكن الجثث وكيفية وفاة الأشخاص، لكنَّنا في الوقت الحالي غير قادرين تماماً على توفير إجاباتٍ عن ذلك». وأضافت: «يأمل الناس في أنَّنا سنفتح السجلات ونجد فيها إجاباتٍ عن هذه الأسئلة، لكنَّها قد لا تتضمَّن إجابات. هذه أسئلة قد لا نعرف الإجابة عنها أبداً».

لكنَّ منيرة ترى أنَّ مجرد رؤية اسم والدها في وثيقةٍ رسمية يعني شيئاً ما.

وقالت إنَّها دائماً ما شعرت بانجذابٍ نحو عائلة أودان، مضيفة أنَّها تابعت كفاحهم الذي استمرَّ عقوداً من بعيد.

وقالت ميشيل ابنة جوزيت أودان إنَّ هذا الكفاح وصل الآن إلى نهايته، مع أنَّه ما زال هناك الكثير من الأمور التي لا يعرفونها.

وحين سُئِلَت جوزيت عمَّا إذا كانت سعيدةً لأنَّ الرئيس الفرنسي أقر في النهاية بمسؤولية الدولة عن وفاة زوجها، قالت: «أن تظهر الحقيقة متأخراً خيرٌ من ألَّا تظهر أبداً»

The post الأرملة التي طلبت من 8 رؤساء فرنسيين قول الحقيقة بخصوص مقتل زوجها تحت التعذيب في الجزائر appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.



مزيد من التفاصيل