ذكرى وفاة الرئيس محمد نجيب.
بقلم : عمرو صابح
تحل اليوم الذكرى الرابعة والثلاثين لوفاة الرئيس محمد نجيب ، وكالمعتاد ينتهز خصوم ثورة 23 يوليو 1952 تلك الذكرى للهجوم على الرئيس جمال عبد الناصر وثورته ، عبر تصوير الرئيس محمد نجيب كضحية للثورة التى قمعته وظلمته.
فمنذ صدور كتاب " كنت رئيساً لمصر " ، تحول الكتاب للمرجع الرئيسى لكل خصوم ثورة 23 يوليو من الليبراليين و الإخوان و ثكالى وأرامل الملك فاروق ، فالكتاب يضم بين دفتيه نقد بالغ الحدة وشديد العصبية ضد ثورة 23 يوليو من رجل تزعمها فى بدايتها ، وكان واجهة لحكم الضباط.
المدهش ان كتاب " كنت رئيساً لمصر " ، ليس أول كتاب يحتوى على مذكرات الرئيس محمد نجيب ، بل هو الكتاب الذى يحتوى على النسخة الثالثة من مذكرات الرئيس محمد نجيب .
النسخة الأولى من مذكرات الرئيس محمد نجيب ، صدرت فى عام 1955 بعنوان " قدر مصر " ، وقام بصياغة الكتاب الصحفى الإنجليزى " لى وايت "، وتم نشر الكتاب ببريطانيا والولايات المتحدة ، وتمت ترجمته للعربية فى نفس العام ، ولكن النظام الناصري منع نشره فى مصر ، ثم جرت ترجمته ، وأعيد نشره فى مصر فى ثمانينيات القرن الماضي.
اللافت للنظر ان الرئيس محمد نجيب أهدى الطبعة الأولى من كتاب "قدر مصر" لرئيس الوزراء العراقى " نورى السعيد " ، والذى كان من أكبر الموالين لبريطانيا فى العالم العربى ، ومن أشد المعادين لجمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو ، وكان يصف مذهبه السياسي بقوله: ( أنا هاشمى الولاء .. إنجليزى السياسة).
وفى عام 1975 أصدر الرئيس محمد نجيب النسخة الثانية من مذكراته بعنوان " كلمتى للتاريخ " ، وقد صاغه له الضابط الحر والمؤرخ " أحمد حمروش " ، وقد ذكر حمروش فى مذكراته " نسيج العمر " تفاصيل لقاءه بالرئيس محمد نجيب وتسجيله للنسخة الثانية من مذكرات نجيب.
وفى عام 1984 صدر كتاب " كنت رئيساً لمصر"، الذى احتوى على أخر تنقيح لمذكرات محمد نجيب ، وقد صاغه له الكاتب الصحفى " عادل حمودة ".
من سيطالع النسخ الثلاثة من مذكرات الرئيس نجيب ، سوف يفاجئ باختلافات واضحة وفادحة فى روايات و أراء نجيب ، خاصة بين النسخة الأولى من مذكراته " قدر مصر" ، والنسخة الأخيرة " كنت رئيساً لمصر".
وكنت قد قدمت فى مقالى " قراءة فى مذكرات محمد نجيب " قراءة لتناقضات شهادة الرئيس نجيب فى الكتب الثلاثة التى ضمت مذكراته ، وكان ظنى حتى وقت قريب ان كتاب " كنت رئيساً لمصر " هو التنقيح الأخير لمذكرات الرئيس محمد نجيب ، ولكنى وجدت نسخة رابعة من مذكرات الرئيس محمد نجيب ، نشرها الأستاذ " عادل حمودة " فى كتاب بعنوان " الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب " صدر فى عام 1985 عن مؤسسة روز اليوسف ، وكتب الكاتب الصحفى الكبير " صلاح حافظ " مقدمة الكتاب.
والمثير للدهشة ان الأستاذ " عادل حمودة " هو من صاغ كتاب " كنت رئيساً لمصر " ، ثم صاغ كتاب " الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب" ، والأكثر غرابة ان فى أخر صفحات كتاب " الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب" ، وتحت عنوان مؤلفات عادل حمودة ، يوجد كتاب " كنت رئيساً لمصر "!! كواحد من مؤلفات عادل حمودة !!
ما يعنينى فى هذا المقال هو رصد شهادة الرئيس محمد نجيب عن حياته خلال عام 1968 ، وقد جاء ذلك فى الفصل الثامن الذى يحمل عنوان " الثلاثة الأوفياء " من النسخة الرابعة من مذكرات الرئيس محمد نجيب.
فقد تم نشر مقتطفات من مفكرة مكتب الرئيس محمد نجيب خلال عام 1968 ، وفيها كتب الرئيس محمد نجيب عن يوميات حياته ، وبقراءتها نجد ان الرئيس محمد نجيب كان يتنقل كما يشاء ، ويعالج كلابه عند الطبيب البيطرى ، ويذهب للبنك ويشترى احتياجاته ويزور أصدقاءه ، وان لديه خادمة وحارس خاص وسائق خاص وهم من يصفهم الأستاذ عادل حمودة بالأوفياء الثلاثة !!
تلك الشهادة المنشورة بخط يد الرئيس محمد نجيب عن حياته فى عام 1968 خلال حكم الرئيس جمال عبد الناصر ، تنفى الصورة القاتمة التى يتم الترويج لها عن كون الرئيس نجيب عاش معتقلاً مقهوراً مهملاً ، فقد كان للرئيس نجيب امتيازاته ومخصصاته كما اعترف هو بنفسه.
من سيقوم بمراجعة النسخ الأربعة لمذكرات الرئيس الراحل " محمد نجيب " سوف يتأكد من وجود اختلافات واضحة فى شهادته على التاريخ فى كل نسخة ، مما يلقى بظلال كثيفة على مصداقية تلك الشهادة التى صدرت على مدار 30 سنة ، وصاغها له ثلاثة من الصحفيين ، والمأساة ان كتاب " كنت رئيساً لمصر " الذى يحتوى على التنقيح الثالث لمذكرات الرئيس نجيب ، تحول إلى حائط المبكى لكل خصوم جمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو 1952 ، ولو راجع هؤلاء المصابون بارتكاريا جمال عبد الناصر ، التنقيحات الثلاثة الأخرى لمذكرات الرئيس نجيب لأدركوا ان شهادته مجروحة ، وتختلف من كتاب لأخر.
لم يكن الرئيس محمد نجيب ضحية لثورة 23 يوليو ، بل كان ساعياً للإستحواذ على السلطة بالتحالف مع كل خصوم الثورة ، كما دخل فى خصومه مع معظم رفاقه من قادة الثورة ، وقد أجمع هؤلاء فى مذكراتهم وشهاداتهم للتاريخ على محدودية دوره فى الثورة ، ومحاولته تصفية الثورة ، وتسليم السلطة لأعمدة النظام الذى أطاح به الثوار فى 23 يوليو 1952 .
----
الصور المنشورة لصفحات من الفصل الثامن بكتاب " الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب" ، بالإضافة إلى صورة الوثيقة رقم 27 التى تضم بعض من يوميات مفكرة مكتب الرئيس محمد نجيب بخط يده والمنشورة بملحق الكتاب
................."
د. يحي ألشاعر