جنرالات الملح والصبر!
نواف الزرو
في محطات المسيرة الاعتقالية الأكبر في التاريخ الحديث, وفي قلب معسكرات الاعتقال الصهيونية وخلال عقود اعتقالهم في الزنازين والغرف الانفرادية, خاض الأسرى الفلسطينيون إضرابات مفتوحة عن الطعام في مواجهة مخططاتهم الرامية إلى دفنهم أحياء في غياهب الزنازين..!
فقبل أيام أنهى الشيخ المناضل الأسير خضر عدنان إضرابه المفتوح عن الطعام الذي استمر ستة وستين يوماً, سجل فيه ملحمة نضالية فريدة في تاريخ نضالات الحركة الأسيرة الفلسطينية..
والأسيرة المحررة هناء الشلبي التي اعتقلتها قوات الاحتلال, أعلنت بدورها إضراباً عن الطعام منذ أكثر من أسبوع في سجن هشارون احتجاجاً على اعتقالها من دون سبب, وتحويلها إلى الاعتقال الإداري لمدة 6 شهور.
وقبلها, وعلى مدى أكثر من أربعة أسابيع كاملة على التوالي واصلت الأسيرة الفلسطينية نورا محمد شكري جابر إضرابها المفتوح عن الطعام والذي خاضته احتجاجاً على التمديد السابع لاعتقالها الإداري 12-1-2008، وقد اعتقلت نورا البالغة من العمر 37 عاماً من عقبة تفوح في مدينة الخليل من بيتها منذ 15 شهراً واحتجزت في ظروف اعتقالية قاسية عدة أسابيع قبل أن تحوّل إلى الاعتقال الإداري من دون أن تتضح ذرائع اعتقالها, فلم توجه لها أي تهمة حتى الآن, ونورا أم لستة أطفال وزوجة الأسير محمد سامي الهشلمون المعتقل في سجن النقب الصحراوي منذ أيلول 2006 الذي يغوص أيضاً في دوامة الاعتقال الإداري.
وقبل ذلك, وبإعلانهم الإضراب المفتوح عن الطعام -الأربعاء- 4/7/2010 - خاض الأسرى الفلسطينيون وفق الإحصاءات الفلسطينية نحو اثنين وعشرين إضراباً رئيسياً عن الطعام في مواجهة إجراءات القمع والتنكيل والإلغاء التي تمارسها ضدهم مصلحة السجون الاحتلالية.
وجاء هذا الإضراب الكبير في عشرة معتقلات احتلالية ضمن المشروع النضالي الذي يخوضه الأسرى في معسكرات الاعتقال الجماعية.
وبعد ذلك, وفي الربع الأخير من أيلول/2011، أعلن نحو 6000 أسير عشية الذكرى الحادية عشرة للانتفاضة الثانية, إضراباً مطلبياً متدرجاً عن الطعام منضمين بذلك إلى 200 من أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدأوا قبلهم بيومين إضراباً مفتوحاً مماثلاً, ضمن معركة عنوانها إنهاء سياسة العزل الانفرادي واحتجاجاً على الإجراءات العقابية التي تفرضها إدارات السجون الإسرائيلية, وعم الإضراب بشقيه التحذيري المتدرج والمفتوح, 22 سجناً ومعسكر اعتقال ومركز توقيف احتلالياً.
ومع هذا الإضراب المفتوح عن الطعام الذي أعلنوه في السابع والعشرين من أيلول- الماضي/2011، والذي علق يوم الاثنين /17-10-2011 بعد ثلاثة أسابيع كاملة, وفق ما أعلن وزير شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع /17/10/2011، يصل عدد إضراباتهم التاريخية إلى ثلاثة وعشرين إضراباً.
ثلاثة وعشرون إضراباً مفتوحاً عن الطعام حتى الموت خاضها آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون ومعتقلات الاحتلال منذ أن وقعت الضفة الغربية وقطاع غزة في أسر الاحتلال الإسرائيلي عام ..1967 يضاف إليها مئات الإضرابات الامتناعية والعصيانية وأشكال الاحتجاجات الإنسانية المختلفة الأخرى..
يطلقون على الإضرابات هناك في فلسطين تارة "رحلة الموت والجوع", ويطلقون عليها طوراً "رحلة الملح والجوع", بينما يطلقون عليها تارة ثالثة "معارك الأمعاء الخاوية", ويطلقون عليها أحياناً "انتفاضات الحركة الأسيرة الفلسطينية".
وهم, يجمعون كلهم على امتداد سجون ومعسكرات الاعتقال الاحتلالية على:
"نعم للجوع... ولا.. ألف لا للركوع"
وكأن لسان حالهم يقول دائماً:
"سنصبر حتى يعجز كل الصبر عن صبرنا"..
وينشدون كلهم أيضاً مع معين بسيسو:
"نعم لن نموت, نعم سوف نحيا
ولو أكل القيد من عظمنا
ولو مزَّقتنا سياط الطغاة
ولو أشعلوا النار في جسمنا
نعم لن نموت, ولكننا
سنقتلع الموت من أرضنا"
وكانوا يحضرون دائماً الجسد والروح لخوض رحلة الجوع الطويلة..
فتحولوا إلى "رجال ملح وصبر خجلت الأسطورة من صمودهم التاريخي" كما وثق عيسى قراقع رئيس نادي الأسير في خلاصة قراءته لكم هائل من التقارير والنشرات والدوريات التي تتحدث عن معاناة الحركة الأسيرة الفلسطينية, ويقول قراقع:" لقد أدرك قادة "إسرائيل" الإنجازات التي حققها الأسرى الفلسطينيون بتضحياتهم ومعاناتهم خلال سنوات طوال, ولذلك فالحرب من وجهة نظرهم هي حرب على الوطنية الفلسطينية, وعلى الوعي الوطني الفلسطيني".
وللأسرى الفلسطينيين القدامى "قصص وحكايات طويلة, وإن خُطت على ورق ستملأ عشرات المجلدات, فلكل أسير منهم أم لها دموع ذُرفت لتكتب بها عشرات القصص, وأشقاء فرقتهم الأسلاك الشائكة ومزقت أوصالهم جدران السجون, وللأسرى أصدقاء وجيران اشتاقوا لرؤيتهم وعانوا من فراقهم, وللأسرى أطفال تُركوا من دون أن يستمتعوا بحنان آبائهم ودفء أحضانهم, وكبروا واعتقلوا ليلتقي الآباء الأسرى بأبنائهم خلف القضبان, كما هي حالة الأسير أحمد أبو السعود الذي ترك ابنه طفلاً ليلتقيه بعد عشرين عاماً في الأسر, كما يوثق عبدالناصر فروانه الباحث في شؤون الأسرى.
يجمع الفلسطينيون هناك على "أن سنوات الأسر الطوال لم ولن تكسر إرادة الأسرى ولن تفت من عزائمهم, فبعد كل هذه السنوات الطوال يظل الأسرى عنواناً للصمود والتحدي وتنتصر إرادتهم على سجانيهم".
تعقيب:
الأسيرة هناء شلبي والتي تخوض -بصمت- إضرابا عن الطعام في سجون الاحتلال ليس بسبب تحويلها للاعتقال الإداري كما يقال ..
بل أعلمن محاميها أنها تضرب انتصارا لكرامتها التي استلبت وعفافها الذي انتهك يوم ان اعتقلها الجنود الصهاينة حيث أصروا على تفتيشها عراية تماما ..
رفضوا أن تقوم بتفتيشها مجندة في الستر..
مذذاك امتنعت عن الطعام وتكتفي بالماء تبلل به شقتاها الطاهرتين ..
يا اخت هناء .. نحن -خصيان العرب- من تعرى ..
نحن من فقدنا عفافنا ونحن نسمع ونرى ثم ...... لا فعل لنا ..
نحن من اعتدنا ان نكون المفعول بنا على الدوام ... ونسكت ..
يا أخت الرجال ..
صومي ..
لعل وعسى ..