الكعكة الفاسدة

[إكرام يوسف]

الكعكة الفاسدة

بقلم زياد العليمى ١٢/ ٨/ ٢٠١١

فجأة، وأثناء إحدى مناقشات المكتب التنفيذى لائتلاف شباب الثورة، انتفضت زميلتنا سالى توما، عضو المكتب التنفيذى للائتلاف قائلة: «قاطعوا الثورة فى بدايتها، والآن يسعون لاقتسام الكعكة، ولأنهم لم يهتموا لأمر ثورة المصريين منذ بدايتها فلا يهمهم أن الكعكة التى يقتسمونها الآن فاسدة».
قالتها، ولم نعر هذه الملاحظة اهتماماً آنذاك، ظناً منا أن كل من انضموا لقطار الثورة المصرية، حتى ولو عارضوها فى البداية، سوف يتوحدون وينحازون للوطن ويستكملون مسيرة الثورة لتحقق باقى مكاسبها، بعدها يمكن لكل تيار أن يثبت تمايزه، ليكسب ثقة المصريين.
تذكرت هذا الحديث الجمعة قبل الماضى، والتى دعا فيها الإخوان المسلمون والسلفيون والجماعة الإسلامية إلى «جمعة هوية الدولة الإسلامية»، كما سماها الداعون لها، أو «جمعة قندهار»، كما سماها معارضوها، والتى ساهمت فى شق الصف الوطنى بين مؤيد ومعارض لبرنامج فصيل بعينه، وتناسينا جميعاً ما يجمعنا وهو استكمال مطالب الثورة. وهى الجمعة الوحيدة التى لم تحقق أى مكاسب ولم تواكبها الحكومة بإصدار أى قرارات استجابة لمطالب الثوار.
كما تذكرته أيضاً مع دخول شهر رمضان المبارك، حينما تسابق عدد من الأحزاب والجماعات فى توزيع الحقائب الرمضانية على المحتاجين باسم أحزابهم وجماعاتهم، وما صاحب ذلك من إعلان فى الدوائر الانتخابية عن هذا الفعل الخير، فلم أستطع تفسير ذلك إلا أن هذا الفعل لاجتذاب الجماهير واستغلال حاجتهم لا ابتغاء مرضاة الله، فعلى حد علمى من يستهدف مرضاة الله لا تعلم يده اليمنى ما أخرجته يسراه من خير.
وإضافة لما سبق، كثير من الأحداث التى أكدت أن هناك بعض القوى لا تعبأ بأمر الثورة ومئات الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء لحريتنا جميعًا ولا يرون فى مصر إلا كعكة يجب نيل أكبر قدر ممكن منها والسعى لعمل تحالفات لا تستهدف سوى اقتسام هذه الكعكة.
والحقيقة يا سادة أن هذه الكعكة فاسدة، أو إذا أردنا الدقة غير كاملة النضج، فثورتنا لم تنته بعد، ولم تحقق جميع مطالبها، وهناك ما يزيد على أحد عشر مواطناً مصرياً حوكموا أمام المحاكم العسكرية خلال الأشهر الماضية، وآلاف من أهالى المفقودين لم يعرفوا طريق أبنائهم المفقودين أثناء الثورة، والملايين من أبناء الشعب المصرى يفتقدون الإحساس بالأمان، لأن الشرطة لم تعد لمباشرة أعمالها حتى الآن، والملايين غيرهم الذين خرجوا مطالبين بالعدالة الاجتماعية ولم يشعروا بها حتى الآن إلا فى وعود الحكومة، وغيرها الكثير من مطالب الثورة، التى لم تتحقق حتى الآن.
كل هذه المطالب تتطلب منا جميعًا التوحد والعمل سويا حتى نحققها، وهى الحد الأدنى الذى يمكن الاتفاق عليه ويستفيد من جهدنا فيه كل المصريين، والثورة الآن تحتاج تكاتف كل القوى الوطنية لإنجاز مهامها، ومصر لا تحتمل تمزيقًا أكثر من ذلك، والمصريون لم يعودوا يحتملون التشتت بين هذا التيار وذاك، يترقب كل منهم أخطاء وهفوات الآخر كى ينال منه ويثبت أنه الأحق بالكعكة.
مصر ملكنا جميعًا، والآلاف الذين ضحوا بحياتهم لم يفعلوا ذلك ليدعموا أياً من تلك التيارات والجماعات، فمن فقد حياته ومن أصيب بإعاقة مدى حياته كانوا يدفعون ثمن حريتنا جميعًا على اختلافاتنا السياسية والدينية والعرقية والاجتماعية، فلنتجمع لتحقيق ما آمنوا وآمنا به آنذاك، بدلاً من أن نفقد أمل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فى جولات عراككم، ولنتحد لنبن وطنًا يليق بنا جميعًا، بدلاً من أن يسعى كل تيار لأن يجعل مصر له وحده ويستبعد الآخرين فيتمزق وطننا ولا يبق منه شىء ننتفع به ولنبن لأبنائنا وطناً حراً عادلاً فتذكرنا الأجيال، بدلاً من أن تلعن كل الأجيال القادمة أنانيتنا وانعدام إحساسنا بالمسؤولية.
علينا أن نضع نصب أعيننا دائماً الشعار الذى جمعنا باختلافاتنا خلال ثمانية عشر يومًا: «تغيير، حرية، عدالة اجتماعية»، ولنتذكر أن الشهداء فقدوا حياتهم ليمنحونا هذه المكاسب، التى لم تتحقق بعد، وأننا بتفتتنا وسعى البعض منا لتحقيق أهداف ضيقة وصغيرة نضيع الفرصة على وطننا فى التقدم.
علينا جميعاً ألا ننسى الحكمة الصوفية «المتلفت لا يصل» ولا نتلفت لقضايا خلافية تنهكنا وتسهل لأعداء الثورة مهمتهم فى النيل منها وتجعل الملايين الذين تحمسوا للثورة وشاركوا فيها وتعطشوا للفعل السياسى بعد سنوات الجفاف ينفضون مرة أخرى ويكفرون بإمكانية التغيير، وهذه المرة لن تكون بسبب بطش حاكم أو تضليل إعلام، ولكن سيكون السبب تلك القوى التى رأت مصر كعكة وليست وطناً يحيا فيه ثمانون مليوناً، ويمكن أن يضم اختلافاتهم، ويوحدهم كما وحدهم من قبل حول مطالب مجمعة «تغيير، حرية، عدالة اجتماعية».

المصدر:
https://www.almasry-alyoum.com/articl...6&IssueID=2225