ثق في الله
تأتي للانسان لحظات ييأس فيها ولا يجد حلاً لمشكلاته ولا يرى النور في ظلماته ، ولا يجد مؤنساً لمواساته ، ولا فكراً لمساندته ، انها اللحظات التي تشتد على المرء فتنهك قواه وتثقل كاهله ولا تسد رمقه ،
هنا تتدخل العناية الإلهية فتساعد من اضناه كثرة الدعاء واتعبه كثرة العمل حتى استسلم فخضع لربه وناداه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين ،
والذي ذل له فقال واذا مرضت فهو يشفين ،
رغم تأخر نصره إلاّ أنه لم يؤخره إلاَّ ليربيه ويجتبيه ، كالطفل يتركه أبوه ليسقط لاقسوة منه ولكن رحمة وتعليم ، انها الحكمة الإلهية التي تساعد من يساعد نفسه فإن عجز كانت المعجزة ، وان بكى كانت اليد المساعدة ، فقط متى ساعد الإنسان نفسه وسعى للنجاح وللشفاء وسعى لله بكل ما أوتي من قوة فإن خارت قواه كان الاله له مؤيداً وناصراً وهو من قبل له ناظراً كما قال لموسى (( واصطنعتك لنفسي ولتصنع على عيني (( ، وليكون الفضل له والحمد له ، واذا ابتعد الأخلاء فانه معك ولك لتحبه وحده ، وتعتمد عليه وحده ، وتطلب منه أن ينير لك الطريق ويسعد لك حياتك ، ويبعد عنك الشرور والآثام ويوفقك لكل خير ، فهو العلي الكبير القدير ولانقول لله الا انك انت الأعلى .
وسؤال الله تعالى وحسن الالتجاء إليه مع الاستعفاف عن سؤال الناس أصل عظيم من أصول الدين شواهده كثرة من الكتاب والسنة ، قال تعالى { لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ } البقرة 273
قال صلى الله عليه وسلم ( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة ولا اللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف واقرءوا إن شئتم يعني قوله { لا يسألون الناس إلحافا }
من سأل شيئا وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم قالوا : وما يغنيه؟ قال : قدر ما يغديه ويعشيه
يقول ابن الجوزي : لما تلمحت تدبير الصانع في سوق رزقي بتسخير السحاب وإنزال المطر برفق والبذر دفين تحت الأرض كالموتى قد عفن ينتظر نفخة من صور الحياة فإذا أصابته اهتز خضرا ، وإذا انقطع عنه الماء مد يد الطلب يستعطي وأمال رأسه خاضعا ولبس حلل التغير ، فهو محتاج إلى ما أنا محتاج إليه من حرارة الشمس وبرودة الماء ولطف النسيم وتربية الأرض ، فسبحان من أراني كيف تربيتي في الأصل
فيا أيتها النفس التي قد اطلعت على بعض حكمه قبيح بك والله الإقبال على غيره ، ثم العجب كيف تقبلين على فقير مثلك ، يناديني لسان حاله [ بي مثل ما بك ] ، فارجعي إلى الأصل الأول واطلبي من المسبب ، ويا طوبى لك إن عرفتيه ، فإن عرفانه ملك الدنيا والآخرة