ألأمن القومى المصرى ليس خيارا
بقلم : سامي شرف
يشير مفهوم الأمن القومى فى أحد تعريفاته إلى «القدرة التى تتمكن بها الدولة من تأمين منظومة قوتها الشاملة فى الداخل والخارج فى شتى المجالات فى السلم والحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمن لتلك القدرات فى الحاضر والمستقبل تحقيقا للأهداف المخططة، والدولة كلما اقتربت من تكامل عناصر القوة الشاملة أو كانت ذات نفوذ أو ثقل سياسى أو عسكرى أو اقتصادى اتسع نطاق أمنها القومي.
وفى هذا الاطار، يحدثنا تاريخ مصر، بأنه كلما كان على رأس السلطة فى مصر قائد ذو رؤية استراتيجية، ومدرك لحجم المصالح القومية المصرية ولطبيعة دور مصر فى محيطها، اتسع نطاق الأمن القومى المصري.. فى التاريخ الحديث حين أراد محمد على اقامة دولة وطنية قوية فى مصر، أدرك بوعيه الفطرى الاستراتيجى أن الأمن القومى لهذه الدولة وبقاءها يبدأ من جبال طوروس فى الشمال، وينتهى فى منابع النيل فى الجنوب، مع بقاء المحيط العربى محيطا آمنا غير تابع لأى قوة معادية للدولة المصرية، وهكذا كانت رؤية الرئيس جمال عبد الناصر، وهو ما برز جليا فى كتابه فلسفة الثورة حين حدد دوائر الأمن القومى المصرى والسياسة الخارجية فى الدائرة العربية، والافريقية والدائرة الاسلامية، ثم دائرة دول عدم الانحياز فيما بعد.
وقد بلغت الخطورة على الأمن القومى ذروتها، عقب ثورة 25 يناير 2011 حين حاول تنظيم الاخوان المسلمين السطو عليها فى اطار مؤامرة عالمية كبرى للهيمنة على المنطقة، واعادة هندستها سياسيا وجغرافيا ـ سايكس بيكو جديدة ـ تلك المؤامرة التى كان مخططا لها منذ عقود، وكانت شرارة البدء فيها فوضى تعم المنطقة ـ فوضى خلاقة حسب وصف الحيزبون كونداليزا رايس ـ ولأن هؤلاء تعلموا من التاريخ ومن درس العراق، أن مشروع الهيمنة على المنطقة لابد أن يبدأ من مصر وليس من غيرها، وإلا سوف يكون المصير الفشل، كان هدفهم الرئيسى سقوط مصر فى قبضة أعوانهم
وأدواتهم من تنظيم الاخوان المسلمين الذى طالما كانت له صلات وثيقة وعلاقات مشبوهة بالقوى العالمية الرامية للسيطرة على المنطقة.
وبالفعل، وفى غفلة من الزمن، سقطت السلطة فى مصر فى يد أذناب هذا التنظيم الفاشي، وتوهم الجميع أن المنطقة دانت لهم، وبأن حلم الهيمنة بات حقيقة، فانتعشت أحلام الخلافة العثمانية ـ الأردوغانية، وعاد الحديث عن انهاء القضية الفلسطينية بترحيل الفلسطينيين خارج بلادهم، بإعلان الدولة اليهودية، وتفكيك الدولة الوطنية العربية فى ليبيا، وسوريا، واليمن، والمملكة العربية السعودية، والعراق، وتغيير الخريطة السياسية للمنطقة على أساس دينى ومذهبى وطائفي.
وفى خضم كل هذا، استرد المارد ـ الشعب المصرى وعيه من جديد، وسرعان ما كشف بخبرة آلاف السنين، ووعى حضارى دفين فى جيناته ـ لا يظهر إلا أوقات المحن ـ حجم المؤامرة، والخطر الذى يتهدد بقاء دولته وهويته الوطنية، فانتفض ضد عصابة الإخوان الفاشية، ونزع عن عينيه وعقله ضلالتهم التى روجوها باسم الدين، وقرر أن يسترد إرادته ودولته وهويته، وخرج فى 30 يونيو محتميا بجيشه ـ درعه وسيفه ـ فسطر ملحمة وطنية جديدة فى التاريخ المصري، وألقى بنظام حكم الإخوان فى مزبلة التاريخ للأبد، وأجهض المؤامرة الاستراتيجية الكبرى للهيمنة على المنطقة، بعد أن ظن أصحابها أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من التحقق.
وليس بعيدا عما يحاك ضد مصر وشعبها تأتى محاولة تفكيك الدولة السورية، فالأمن القومى المصرى يمر عبر دمشق، ويستند إلى دولة وجيش قوى فى سوريا، ومرة أخرى يتحدث التاريخ، فمنذ التصدى للمغول والصليبيين، انتهاء بانتصار أكتوبر 1973 على الدولة الصهيونية كان الجيشان المصرى والسورى متحدين.. «فلا حرب دون مصر ولا سلام دون سوريا»
ومن هنا، يمكن لنا أن ندرك الفارق والمغزى بين موقف مندوب تنظيم الإخوان فى الاتحادية محمد مرسي، وبين الرئيس السيسى من الأزمة السورية، الأول أراد أن يفكك الدولة السورية، لإضعاف مصر لمصلحة مخطط تفكيكى أكبر، والثانى يبذل قصارى جهده للحفاظ على بقاء الدولة السورية متماسكة موحدة، حماية للأمن القومى المصرى بالأساس، لأنه يعى أهمية سوريا للأمن القومى المصري، وأنه إذا ما خرجت مصر من سوريا، وفقدت التأثير على الوضع هناك، تصبح الأمة العربية ممزقة الأوصال.
وهكذا، يجب أن يدرك المصريون جميعا، أن لمصر مصلحة أصيلة فى الحفاظ على وحدة وبقاء الدولة السورية، كما لها ذات المصلحة فى ليبيا، واليمن، وكل قطر عربى يتعرض لمؤامرة التقسيم وتهديد بقاء الدولة، فأى حاكم وطنى مخلص لمصر لا يملك أن يتجاوز حدود أمنها القومي، لأنه محدد بالجغرافيا والتاريخ أو بالممارسات المتبعة، والتى لا يملك فرد أو نظام حتى أن يغيّر فيها.
......"
إنتهي ألنقل من موقع ألوعي ألعربي
د .يحي ألشاعر