أحداث ثورة البراق… أغسطس 1929م
وافق يوم 15 أغسطس 1929م يوم احتفال الصهاينة بعيد الصيام وذكرى خراب الهيكل وقد نظم الصهاينة في ذلك اليوم مظاهرات في القدس شارك فيها الآلاف من شبانهم وشاباتهم حيث ساروا في شوارع القدس ثم اتجهوا إلى حائط البراق وهناك رفعوا العلم الصهيوني وأنشدوا أناشيدهم الدينية ونشيدهم الوطني (الهاتكافا) وأخذوا يهتفون الحائط حائطنا.. الويل لمن يدنس أماكننا المقدسة، لتسقط الحكومة وهناك شتم خطباء الصهاينة رسول الله (والإسلام والأمة الإسلامية مما استفز مشاعر المسلمين وهيج عواطفهم).
وقد وافق اليوم التالي ـ يوم الجمعة 16 أغسطس 1929م ـ ذكرى المولد النبوي وخرج المسلمون بعد صلاة الجمعة من المسجد الأقصى في مظاهرة اتجهت نحو حائط البراق حيث ألقى الشيخ حسن أبو السعود ـ أحد شيوخ المسجد الأقصى ومن أشد المقربين للحاج أمين ـ خطاباً حماسياً ألهب المشاعر، وسرعان ما حطم المتظاهرون منضدة للصهاينة وأخرجوا الاسترحامات التي وضعوها في خروق الحائط وأحرقوها.
ويذكر الغوري أنه ثبت للفلسطينيين بصورة قاطعة أن الحكومة جعلت توزع على الصهاينة بصورة سرية الأسلحة والعصي الغليظة، وانتقل الكثير من أفراد المنظمات العسكرية السرية بأسلحتهم من تل أبيب وغيرها إلى القدس، كما أخذت جماعات مسلحة من الصهاينة تنزل إلى شوارع القدس وكأنهم دوريات من المحتلين.
وفي يوم 19 أغسطس طعن عربي صهيونياً طعنة مات على إثرها يوم 20 أغسطس فعاد الصهاينة للتحرش بالفلسطينيين وحدثت اشتباكات أقرب إلى الفردية حتى كان يوم الجمعة 23 أغسطس حينما سرى خبر بأن الصهاينة قتلوا عربيين فهاجت نفوس الفلسطينيين وما لبثت جموع المسلمين الهائجة أن غادرت ساحة المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة، وقامت بهجوم على الصهاينة امتد إلى ضواحي المدينة وسرى هذا الهياج إلى القرى المجاورة وانتشرت أخبار الصدامات في كل فلسطين فعمتها المظاهرات والصدامات وتفجرت الثورة في أرجائها، ففي اليوم التالي قتل المسلمون أكثر من 60 صهيونياً في الخليل وجرحوا أكثر من 50 آخرين وهاجم المتظاهرون ثكنة البوليس في نابلس حيث سقط عد كبير من الجرحى، وامتدت الاضطرابات إلى بيسان وحيفا ويافا، وهناك في يافا اقتحم الصهاينة وعلى رأسهم شرطي صهيوني اسمه خانكيز بيت إمام مسجد من عائلة عون فقتلوه وبقروا بطنه وحطموا رؤوس ابن أخيه وزوجته وابنه، وبلغ مجموع شهداء أفراد عائلته ستة، كما هاجم الصهاينة مقام عكاشة في القدس فأتلفوه ودنسوا قبور الصحابة الكائنة فيه، ودمر الفلسطينيين من جهتهم ست مستعمرات صهيونية تدميراً تاماً.
وفي صفد وصلت إشاعات للمسلمين أن الصهاينة قد اعتدوا على الحرم وهدموه وأحرقوه فأسرع الناس إلى الجامع الكبير في السوق ليستمعوا إلى أقوال الخطباء فباغتهم مدير البوليس البريطاني الميجر فردي وصعد درجات المنبر وقال بالعربية : أيها الإخوان لا تصدقوا كل ما قيل، إن الصهاينة لم يهدموا الحرم وإنما هاجموه واستولوا على البراق وإن حكومتنا لا يمكن أن تصبر على هذا.. ولم تمكنه الجماهير المسلمة من إكمال كلامه وصاح صائحهم : إلى متى نصبر على ذبح إخواننا في القدس؟.. الانتقام.. الانتقام، وصاح قادم من الخارج أن المجاهد أحمد طافش قد استشهد.. فخرج المسلمون من المسجد وهاجموا الحارة الصهيونية في صفد، ووصل عدد القتلى الصهاينة إلى 20 وجرح حوالي 25 وأحرق أو دمر حوالي مائة بيت.
ولم تستطع حكومة الانتداب إعادة النظام والهدوء إلا بعد أن جاءت نجدة عسكرية بريطانية من مصر وبعد ان دام القتال حتى نهاية شهر أغسطس.
وقد تفاعلت أحداث البراق خارج فلسطين فقامت المظاهرات الاحتجاجية والتضامنية في سورية والعراق والأردن، وأخذ عدد كبير من أهل شرقي نهر الأردن يتهيؤون للزحف نحو فلسطين والاشتراك في واجب الجهاد.
أوقفت السلطات البريطانية المئات من الشباب العربي المسلم واعتقلتهم إثر ثورة البراق وأصدرت بحقهم أحكاماً قاسية فصدر 20 حكماً بالإعدام نفذ في ثلاثة منهم وهم: (فؤاد حجازي، عطا الزير، محمد جمجوم) أما الباقون فخفف الحكم عنهم إلى المؤبد كما صدر 23 حكماً بالمؤبد، وحكم على 87 شخصاً أحكاماً مختلفة تتراوح بين 3 ـ 15 سنة وبلغ عدد من حكم عليهم من الفلسطينيين ما مجموعه 792 رجلاً، وحكم على قرى عربية كثيرة بدفع الغرامات ووضع أكثر الزعماء الفلسطينيين تحت الإقامة الجبرية، أما الأحكام على الصهاينة فقد تميزت باللين وبلغ عدد المحكوم عليهم من الصهاينة 92 شخصاً حكم على صهيوني واحد فقط من بينهم بالإعدام هو الشرطي خانكيز قاتل العائلة العربية ثم خفف الحكم إلى المؤبد ثم خفض إلى 15 عاماً ثم عفي عنه.
و كانت حصيلة الاشتباكات، التي امتدت من الخليل و بئر السبع جنوبا حتى صفد شمالا كالتالي:
116 شهيدا فلسطينيا و133 قتيلا صهيونيا
232 جريحا فلسطينيا و339 جريحا صهيونيا
(لجنة شو )
شكلت الحكومة البريطانية لجنة للتحقيق في أحداث البراق، عرفت باسم رئيسها (شو) وقد وصلت إلى فلسطين في 24 أكتوبر 1929م واستمعت إلى 110 شهود في جلسات علنية و20 شاهداً في جلسات سرية وكان من بين الشهود الحاج أمين الحسيني ولم يثبت للجنة أن للمفتي أو للجنة التنفيذية دوراً في تدبير وتنظيم الاضطرابات واعتبرت أن الفرقاء الثلاثة : الحكومة والفلسطينيين والصهاينة مسؤولون عن الأحداث وأوصت بتعيين لجنة تحقيق دولية كما أوصت بإيجاد تعليمات أكثر وضوحاً تسترشد بها حكومة فلسطين بشأن المسائل الحيوية كالهجرة والأراضي.
بناء على توصية لجنة شو تقدمت بريطانيا إلى عصبة الأمم المتحدة طالبة الموافقة على تأليف لجنة لهذا الغرض وقد وافقت العصبة على ذلك على أن تؤلف اللجنة من ثلاثة أشخاص غير بريطانيين وأن يكون أحدهم متضلعاً في القانون وخبيراً في القضاء، وتم اختيار لجنة من: اليل لوفغرن، شارلس بارد، وس.فان كمبن، ووصلت إلى القدس في 19يونيو 1930م وأقامت شهراً وعقدت خلال إقامتها 23 جلسة واستمعت إلى 52 شاهداً 21 منهم من الصهاينة و30 عن المسلمين وموظف بريطاني واحد، وأبرز المسلمون خلال الجلسات 26 وثيقة وأبرز الصهاينة 35 وثيقة وقد انتهت اللجنة من تقريرها في ديسمبر 1930م ووافقت بريطانيا وعصبة الأمم على استنتاجاتها فأصبحت بالتالي وثيقة دولية مهمة.
وتلخصت استنتاجاتها في أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم وحدهم يعود الحق العيني فيه لكونه جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة لأنه وقف أيضاً وذكرت أن للصهاينة حرية السلوك للحائط الغربي لإقامة التضرعات في جميع الأوقات مع مراعاة الشروط في عدم جلب أي أدوات عبادة إلى جوار الحائط.. كما لا يسمح للصهاينة بنفخ البوق (الشوفار) بالقرب من الحائط ولا أن يسببوا أي إزعاج للمسلمين يمكن تحاشيه.
وبعد هذه الحقائق يأتي من الرؤساء العرب من يسمي حائط البراق بحائط المبكى وليسمح للصهاينة أن يصلوا فيه!!.
من أشهر أبطال ثورة البراق:
قصة هؤلاء الأبطال الثلاثة بدأت بثورة ولم تنته حتى اليوم, بدأت عندما اعتقلت قوات الشرطة البريطانية مجموعة من الشبان الفلسطينيين إثر ثورة البراق ، هذه الثورة التي بدأت عندما نظم قطعان المستوطنين مظاهرة ضخمة بتاريخ 14 آب 1929 بمناسبة " ذكرى تدمير هيكل سليمان" أتبعوها في اليوم التالي 15/آب بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل حتى وصلوا إلى حائط البراق " مايسمى بحائط المبكى اليوم" وهناك رفعوا العلم الصهيوني وراحوا ينشدون " النشيد القومي الصهيوني" وشتموا المسلمين … وكان اليوم التالي هو يوم الجمعة 16/آب والذي صادف ذكرى المولد النبوي الشريف, فتوافد المسلمين للدفاع عن حائط البراق الذي كان في نية اليهود الاستيلاء علية.. فكان لا بد من الصدام بين العرب والصهاينة في مختلف المناطق الفلسطينية.
كان الاعتقال يحمل معناً واضحاً بالدعم التام والمطلق للصهاينة, وهذا ما لم يرضى به أهالي كل من صفد والخليل وباقي المدن والقرى الفلسطينية ، ولهذا قامت قوات الشرطة باعتقال 26 فلسطينياً ممن شاركوا في الدفاع عن حائط البراق وحكمت عليهم بالإعدام وقد تم تخفيف هذه العقوبة إلى السجن المؤبد عن 23 منهم مع الحفاظ على عقوبة الإعدام بحق الشهداء الثلاثة , محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير. ونبذة من حياة الشهداء تبين مدى دعم القوات البريطانية للصهاينة ورفضها لأي شكل من أشكال المقاومة ضدهم.
فؤاد حسن حجازي
(1904-1930)
أول الشهداء الثلاثة الذين أعدمتهم سلطات الانتداب البريطاني في سجن عكا عقب ثورة البراق وأصغرهم سنا.
ولد في مدينة صفد -شمال فلسطين عام 1904، وتلقى فيها دراسته الابتدائية ثم الثانوية في الكلية الاسكتلندية، وأتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية ببيروت. عرف منذ صغره بشجاعته وجرأته وحبه لوطنه واندفاعه من أجل درء الخطر الصهيوني عنه. وشارك مشاركة فعالة في مدينته في الثورة التي أعقبت أحداث البراق سنة 1929 وقتل وجرح فيها مئات الأشخاص، أصدرت حكومة الانتداب حكما بإعدام 26 شخصا عربيا من المشاركين فيها ثم استبدلت به حكم السجن المؤبد على 23 شخصا وأكدت الحكم بإعدام الثلاثة الآخرين وهم فؤاد حسن حجازي، وعطا الزير، ومحمد جمجوم.
وحددت يوم 17/ 6/ 1930 موعداً لتنفيذ الأحكام على الرغم من الاستنكارات والاحتجاجات العربية. وقد خلد الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان في قصيدته الشهداء الثلاثة (الثلاثاء الحمراء)
شارك فؤاد حسن حجازي مشاركة فعالة في مدينته في ثورة البراق التي عمت انحاء فلسطين عقب احداث البراق سنة 1929 وقتل وجرح فيها مئات الأشخاص وقد اقرت حكومة الإنتداب حكم الإعدام على كل من: فؤاد حسن حجازي و محمد خليل جمجوم وعطا الزير
وكان فؤاد حسن حجازي الأول من بين المحكومين الثلاثة الذين اعدمتهم سلطات الإنتداب البريطاني في في يوم 17-6-1930، بسجن القلعة بمدينة عكا، واصغرهم سناً. وقد قدم الشاعر الشعبي نوح ابراهيم مرثية للمحكومين الثلاثة وقد غنتها فرقة العاشقين ما زالت مشهورة لدى الفلسطينيين.
في اليوم السابق لموعد الإعدام كتب وصيته وبعث بها إلى صحيفة اليرموك فنشرتها يوم 18-06-1930 بخط يده وتوقيعه وقد قال في ختامها: ان يوم شنقي يجب ان يكون يوم سرور وابتهاج وكذلك يجب اقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كل سنة، ان هذا اليوم يجب ان يكون يوما تاريخياً تلقى فيها الخطب وتنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية.
محمد خليل جمجوم
(1902-1930)
هو واحد من الشهداء الثلاثة الاوائل الذين أعدمتهم سلطات الانتداب البريطانية سنة 1929 عقب ثورة البراق.
ولد في مدينة الخليل وتلقى دراسته الابتدائية فيها. وعندما خرج للحياة عرف بمقاومته للصهيونيون فكان يتقدم المظاهرات التي تقوم في أرجاء مدينة الخليل احتجاجا على شراء أراضي العرب أو اغتصابها.
وبعد أن شملت ثورة البراق (1929) عددا كبيرا من المدن والقرى في مقدمتها يافا وحيفا وصفد بالإضافة إلى القدس، كان لا بد من الصدام بين عرب مدينة الخليل والصهاينة، حيث قاد المظاهرات هناك.
قبضت السلطات البريطانية على عدد من العرب في مقدمتهم محمد خليل جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي وأصدرت أحكاما بإعدام 26عربيا ثم استبدلت بالإعدام السجن المؤبد لثلاثة وعشرين منهم وأبقت حكم الإعدام على هؤلاء الأبطال الثلاثة وحددت يوم الثلاثاء 1930/6/17 موعدا لتنفيذه في سجن عكا، ولم تستجب هذه السلطات للمطالية بتخفيض حكم الإعدام عليهم إلى السجن المؤبد.
وعندما أبلغهم الجلاد موعد تنفيذ الحكم بدأ محمد جمجوم ورفيقاه بإنشاد نشيد: "يا ظلام السجن خيم"، ثم استقبلوا زائريهم قبل إعدامهم بساعة وأخذوا بتعزيتهم وتشجيعهم وهم وقوف بملابس السجن الحمراء. وفي الساعة التاسعة من يوم الثلاثاء 1930/6/17 نفذ حكم الإعدام شنقا بالشهيد محمد جمجوم، وكان ثاني القافلة الثلاثية رغم أنه كان مقررا أن يكون ثالثهما فقد حطم قيده وزاحم رفيقه عطا الزير على الدور الثاني حتى فاز ببغيته.
ولد بمدينة الخليل عام 1902م وتلقى دراسته الابتدائية فيها. أكمل دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية ببيروت وشارك في الأحداث الدامية التي تلت ثورة البراق ضد مواطنين صهاينة في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين.
عرف محمد خليل جمجوم بمعارضته للصهيونية وللانتداب البريطاني. جعلت مشاركته في مذبحة 67 صهيونيا خليليا القوات البريطانية تقدم على اعتقاله في 1929م مع 25 من الفلسطينيين وقد حوكموا جميعاً بالإعدام الإ ان الأحكام تم تخفيفها إلى مؤبد الا عنه وعن فؤاد حجازي وعطا الزير
وفي يوم الثلاثاء 17/6/1930 تقرر إعدام الثلاثة، وكان تطبيق حكم الإعدام شنقاً في محمد خليل جموم الساعة التاسعة صباحاً.
عطا الزير
واحد من الشهداء الثلاثة الأوائل الذين أعدمتهم سلطات الانتداب البريطاني في سجن عكا عقب ثورة البراق.
ولد في مدينة الخليل- فلسطين عام 1895 م، وألم بالقراءة والكتابة إلماما قليلا، وكان يقرض الشعر أحيانا.
عمل في عدة مهن يدوية، واشتغل في الزراعة، وعرف عنه منذ الصغر جرأته وقوته الجسمانية، واشترك في المظاهرات التي شهدتها مدينة الخليل احتجاجا على هجرة الصهيونيين إلى فلسطين، ولا سيما إلى مدينة الخليل. وفي ثورة البراق عام 1929 هب عطا الزير مع غيره من سكان الخليل مدافعا عن أهله ووطنه ، بكل ما لديه من قوة. وشهدت مدن فلسطين صداما داميا بين العرب والصهاينة وفي الخليل نفسها قتل ستون صهيونيا وجرح أكثر من خمسين.
تم إعدامه في يوم 17-6-1930 في سجن القلعة بمدينة عكا على الرغم من الاستنكارات الاحتجاجات العربية. كان الزير أكبر المحكومين الثلاثة سنا.
وقد سمح له ولرفيقيه أن يكتب رسالة في اليوم السابق لموعد الأعدام وقد جاء في رسالتهم:
“الآن ونحن على أبواب الأبدية، مقدمين أرواحنا فداء للوطن المقدس، لفلسطين العزيزة، نتوجه بالرجاء إلى جميع الفلسطينيين، الا تنسى دماؤنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة وان نتذكر اننا قدمنا عن طيبة خاطر، أنفسنا وجماجمنا لتكون أساسا لبناء استقلال امتنا وحريتها وان تبقى الأمة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الأعداء وان تحتفظ بأراضيها فلا تبيع للأعداء منها شبرا واحدا، وألا تهون عزيمتها وان لا يضعفها التهديد والوعيد، وان تكافح حتى تنال الظفر. ولنا في آخر حياتنا رجاء إلى ملوك وأمراء العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة، ألا يثقوا بالأجانب وسياستهم وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: ويروغ منك كما يروغ الثعلب. وعلى العرب في كل البلدان العربية والمسلمين ان ينقذوا فلسطين مما هي فيه الآن من الآلام وان يساعدوها بكل قواهم. واما رجالنا فلهم منا الامتنان العظيم على ما قاموا به نحونا ونحو امتنا وبلادهم فنرجوهم الثبات والمتابعة حتى تنال غايتنا الوطنية الكبرى. واما عائلاتنا فقد أودعناها إلى الله والأمة التي نعتقد أنها لن تنساها، والآن بعد ان رأينا من امتنا وبلادنا وبني قومنا هذه الروح الوطنية وهذا الحماس القومي، فاننا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين ونضع حبلة الأرجوحة مرجوحة الأبطال بأعناقنا عن طيب خاطر فداء لك يا فلسطين، وختاما نرجو أن تكتبوا على قبورنا: إلى الأمة العربية الاستقلال التام أو الموت الزؤام وباسم العرب نحيا وباسم العرب نموت”.
ألقت سلطات الانتداب القبض على عدد كبير من العرب، وحكمت على 26 منهم بالإعدام، ثم أبدلت الإعدام سجنا مؤبدا لثلاثة وعشرين منهم، بينما أبقته على عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي الذين نقلوا إلى سجن عكا.
وفي يوم الثلاثاء 17/ 6/ 1930 اليوم الذي حدد لتنفيذ حكم الإعدام استقبل الشهداء زائريهم بملابس الإعدام الحمراء قبل التنفيذ بساعة، ثم طلب عطا الزير حناء ليخضب بها يديه على عادة أهل الخليل في أعراسهم وأفراحهم، وقد طلب زميله ورفيقه محمد جمجوم أن يشنق قبله، وفاز بأمنيته. وعندما قاده جلاده إلى منصة الإعدام طلب أن تفك قيوده لأنه لا يخشى الموت، فرفض طلبه، وعندها حطم عطا الزير السلاسل بقوة عضلاته، وتقدم نحو المشنقة رافع رأسه مبتسم المحيا.
وعندما أبلغوا بموعد الإعدام أنشد ثلاثتهم:
يا ظلام السجن
يا ظلام السجن خيّم إننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل إلا فجرَ مجدٍ يتسامى
إيه يا أرضَ الفخارِ يا مقّر المخلصينا
قد هبطناكِ شبابًا لا يهابون المنونا
وتعاهدنا جميعًا يومَ اقسمنا اليمينا
لن نخون العهدَ يومًا واتخذنا الصدقَ دينًا
ايّها الحُراس عفوًا
واسمعوا منّا الكلاما
متعونا بهواءٍ منعه كانَ حرا مًا
لستُ والله نسّيًا ما تقاسيه بلادي
فاشهد يا نجم أنّي ذو وفاءٍ وودادِ
يا رنينَ القيدِ زدني نعمةً تُشجي فؤادي
إن في صوتك معنىً للأسى والاضطهادِ
لم أكن يومًا اثيمًا لم أخن يومًا نظاما
انما حب بلادي في فؤادي قد اقاما
وفي الساعة التاسعة من نفس اليوم نفذ حكم الإعدام بمحمد جمجوم الذي كان ثاني قافلة الشهداء وقبل ساعة من موعد تنفيذ الحكم, استقبل محمد جمجوم وفؤاد حجازي زائرين أخذو هم بتعزيتهم وتشجيعهم فقال محمد جمجوم "الحمد لله أننا الذين لا أهمية لنا نذهب فداء الوطن لا أولئك الرجال الذين يستفيد الوطن من جهودهم وخدماتهم" وطلب مع رفيقه فؤاد حجازي "الحنَّاء" ليخضبا ايديهما كعادة أهل الخليل في أعراسهم..
أما فؤاد حجازي وهو أول القافلة يقول لزائريه: " إذا كان إعدامنا نحن الثلاثة يزعزع شيئاً من كابوس الانكليز على الأمة العربية الكريمة فليحل الإعدام في عشرات الألوف مثلنا لكي يزول هذا الكابوس عنا تماماً "..
وقد كتب فؤاد وصيته وبعث بها إلى صحيفة اليرموك فنشرتها في اليوم التالي وقد قال في ختامها: "إن يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج, وكذلك يجب إقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كل سنة. إن هذا اليوم يجب أن يكون يوماً تاريخياً تلقى فيه الخطب وتنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية"..
وهكذا أعدم الثلاثة, وتركوا الدنيا لأهل الدنيا, ومضوا يحملون جهادهم في سبيل مقدساتهم عملاً صالحاً يقابلون به وجه ربهم, تركوا دماءهم تقبل وجه هذه الأرض فتزهر ورداً أحمر, شجراً واقفاً أخضر وشهيداً تلو شهيد…
ومن أروع ما قيل في وكانه على لسان عطا الزير:
ياليـل خلّي الأسير تــ يكمّـل نواحه
رايح يفيق الفجر ويرفرف جناحـه
تـ يمرجح المشنوق من هبّـة رياحه
وعيون بالزنازين بالسر ماباحـوا ..
ياليـل وقّف أفضّي كل حسراتي
يمكن نسيت مين أنا ونسيت آهاتي
ياحيف كيف انقضت بإيديك ساعاتي
شمل الحبايب ضاع وتكسروا قداحـه ..
لاتظن دمعي نزف دمعي عــ أوطاني
عــ كمشـة زغاليل بالبيتجوعانه
مين رح يطعمها من بعدي واخوانـي
ثنين من قبلي شباب عالمشنقـة راحـوا ..
وأم ولادي كيف رح تقضي نهارهـا
ويلها عليي أو ويلها عـ صغارها
ياريت خليت في إيدهـا اسوارهـا
يومـن دعاني الحرب تـ اشتري سلاحـه.