قناة الجزيرة وأسرار الإطاحة بـ"وضاح خنفر"
الأربعاء: 21 سبتمبر 2011 , الساعة 2:09 صباحا
وضاح خنفر
محيط - جهان مصطفى
ما أن أعلن المدير العام لقناة "الجزيرة" القطرية وضاح خنفر استقالته من منصبه ، إلا وسارع كثيرون للتساؤل حول أسباب هذا القرار المفاجيء وهل له علاقة بالوثيقة التي نشرها موقع "ويكيليكس" مؤخرا حول علاقته بالمخابرات الأمريكية أم أن للأمر أبعاد أخرى ؟!.
وكان وضاح خنفر الفلسطيني الجنسية فاجأ الجميع في 20 سبتمبر بتقديم استقالته من منصبه في قناة الجزيرة في رسالة وجهها إلى العاملين في المحطة عبر الصفحة الخاصة به على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ، مبررا هذا الأمر بأنه آثر الرحيل بعد ثماني سنوات من العمل من أجل إفساح المجال لطاقات جديدة.
وكتب خنفر في رسالته "كنت قد تحدثت مع رئيس مجلس الإدارة منذ زمن عن رغبتي في أن أعتزل الإدارة عند انتهاء السنوات الثماني وقد تفهم مشكورا رغبتي هذه".
وأشاد خنفر الذي عمل مراسلا للقناة في جنوب أفريقيا وأفغانستان والعراق قبل أن يتم تعيينه مديرا عاما لها في 2003 بـ "الرعاية التي أولتها قطر شعبا وقيادة للجزيرة".
وتابع " الأنظمة خافت من هذا المخلوق الجديد وحاربته بكل صرامة، بالإشاعات أولا، ثم بالاحتجاج لدى الحكومة القطرية، ثم بالاستهداف المباشر لمراسلي القناة ومكاتبها، وصولا إلى الاعتقال وإغلاق المكاتب، ثم في حجب إشارتها والتشويش على بثها، كل ذلك والجزيرة ماضية في طريقها التحريري القويم".
وأضاف خنفر " المشاهدون منحوا الجزيرة ثقتهم بعدما انحازت لهم في شوقهم للتحرر والكرامة والانعتاق وأن شاشتها تنتمي إلى عالمهم هم، ليست وافدة مما وراء البحار، ولا حاملة لأية أجندة سياسية أو حزبية أو أيدولوجية، وأنها تؤمن بمنح الجميع صوتا، حتى أولئك الذين آذوها واعتقلوا أبناءها".
واستطرد "الثقة التي منحها الناس للجزيرة كانت عن سابق وعي وتمحيص ومع ذلك فلن يكون جمهورنا رفيقا بنا إن أخطأنا وهذا خير ضمان لاستمرار الجزيرة في طريقها ونهجها".
ولفت إلى أنه حرص خلال توليه إدارة القناة طوال ثمانية أعوام على أن يحافظ على "غرفة أخبار مستقلة تحترم عقول المشاهدين وتنحاز إلى وعيهم الجمعي بمهنية ومسئولية".
واختتم قائلا :" إن الجزيرة قوية بمنهجها وثابتة بانتماء أبنائها ولا تتغير بتغير موظف ولا مدير، ومصلحة المؤسسات كمصالح الدول تحتاج إلى تداول وتعاقب، فتحا لرؤى جديدة، واستجلابا لأفكار مبدعة".
وبالنظر إلى أن القناة اكتفت بالإعلان عن تعيين الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني مديرا عاما للشبكة خلفا لخنفر من دون أن توضح أسباب استقالة الأخير ، فقد ظهرت تفسيرات كثيرة حول أسباب هذا القرار المفاجيء .
وثيقة ويكيليكس
فهناك من ربط الأمر بالوثيقة التي نشرها موقع "ويكيليكس" في أغسطس الماضي وهي برقية دبلوماسية صادرة عن السفارة الأمريكية في قطر تشير إلى أن خنفر وافق على التخفيف من حدة بعض المواد التي نشرتها الجزيرة على موقعها على الإنترنت بعد قيام مسئولة العلاقات العامة في السفارة الأمريكية بانتقادها خلال لقاء معه في الدوحة.
وأضافت البرقية التي يعود تاريخها إلى 20 أكتوبر 2005 إلى وجود نوع من التفاهم بين الولايات المتحدة والجزيرة حول مضمون ما تبثه القناة ، كما كشفت عن تعاون وثيق بين خنفر ووكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية تم ترجمته في إزالة مواد تضر بصورة الجيش الأمريكي في العراق.
ورغم أن البعض أكد حينها أن المراجعة الموضوعية للوثيقة السابقة أظهر أن الصخب الذي رافقها لم يكن له أي مبرر وأن ما تم التراجع عن نشره جاء في إطار الالتزام بمعايير المهنية ، إلا أن هذا لا ينفي أنها سببت حرجا بالغا لقطر ، خاصة وأنه طالما وجهت لها اتهامات بتنفيذ أجندة صهيونية أمريكية في المنطقة على عكس ما هو ظاهر على السطح من انتقاد سياسات تل أبيب وواشنطن .
ورغم أن التفسير السابق ، الذي يرى أن قناة "الجزيرة" ضحت بخنفر من أجل الحفاظ على صورة قطر في العالم العربي ، يبدو منطقيا من وجهة نظر البعض ، إلا أن هناك من يرفضه ويربط الأمر بخلافات في إدارة المحطة .
خلافات بين خنفر وبشارة
فقد نشرت بعض المواقع الإلكترونية تقارير حول أنه تمت إقالة مدير عام شبكة الجزيرة وضاح خنفر من منصبه بعد ثماني سنوات أمضاها على رأس الشبكة، وصاحبها الكثير من الجدل بفعل السياسات التي انتهجها الرجل في إدارته للمحطة .
وأضافت التقارير السابقة أن خلافات عميقة نشبت طيلة الأشهر الماضية بين وضاح خنفر والمفكر العربي الدكتور عزمي بشارة المقيم في الدوحة منذ سنوات والذي يرتبط بعلاقات خاصة ومتينة مع العائلة الحاكمة في دولة قطر ، موضحة أن تلك الخلافات أدت في نهاية المطاف إلى التضحية بخنفر.
وتابعت " استحكمت الخلافات بين خنفر وبشارة مؤخرا خصوصا مع تدخل بشارة المستمر في سياسات وتوجهات الجزيرة فيما يتعلق بتغطية الثورات العربية، وهو أمر لم يقبله خنفر واشتكى أكثر من مرة لدى المسئولين في دولة قطر دون أن يجد أية ردود إيجابية" .
واستطردت التقارير السابقة " كان لزاما أمام استمرار الخلافات، أن يحسم المسئولون في دولة قطر هذه المسألة بالتضحية بأحد الرجلين، ويبدو أن أسهم بشارة كانت الأقوى بحكم علاقاته المتشعبة مع دوائر صنع القرار في الدوحة، وهو ما أدى لاتخاذ قرار بتنحية خنفر".
واختتمت قائلة :" حرصت إدارة الجزيرة على عدم الإعلان عن نبأ الإقالة، وسمحت لخنفر بإعلان الخبر بنفسه والتأكيد على أنه هو من استقال من منصبه، وبالفعل تم ذلك عبر الصفحة الخاصة به على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) إذ أعلن أنه آثر الرحيل بعد ثماني سنوات من العمل من أجل إفساح المجال لطاقات جديدة".
تغييرات في سياسة القناة
ورغم أن التفسير السابق يبدو منطقيا أيضا ، إلا أن مصادر في "الجزيرة" نفت صحته وربطت استقالة خنفر بإحداث تغيير واضح في سياسة القناة خصوصا فيما يتعلق بالتعاطي مع ملف الثورات العربية.
وأشارت المصادر السابقة إلى أن المدير العام الجديد للجزيرة أحمد بن جاسم آل ثان كان يشغل قبل تعيينه خلفا لخنفر منصب مدير الهندسة والمشاريع في شركة قطر للغاز وهو يعتبر لدى كثير من القطريين مثالا مهماً لنجاحات الشباب القطري في تحقيق إنجازات مهمة على المستوى العملي .
وأشارت المصادر ذاتها أيضا إلى أن ما يؤكد وجود تغيير في سياسات الجزيرة مستقبلاً هو أن المدير العام الجديد رافق قبل أسبوع من استقالة خنفر أمير قطر حمد بن خليفة في زيارة قصيرة للسعودية التقى فيها الأمير بالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وبصفة عامة ، وإلى حين اتضاح مدى صحة أي من التفسيرات السابقة ، فإن الأمر الذي يجمع عليه كثيرون أن استقالة خنفر لن تمر مرور الكرام وستجدد التساؤلات حول حقيقة توجهات السياسة القطرية والتي أثارت جدلا واسعا منذ تأسيس "الجزيرة" .
وكانت قطر الغنية بالغاز والنفط أنشأت في نوفمبر 1996 قناة الجزيرة التي أحدثت انقلابا في وسائل الإعلام المرئي في العالم العربي الذي كان خاضعا كليا آنذاك للسلطات الرسمية.
وقد التحق وضاح خنفر بقناة الجزيرة عام 1997، ثم عين مراسلا لها في جنوب إفريقيا وغطى عددا من الأحداث في مختلف أنحاء إفريقيا.
وانتقل خنفر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلي الهند لتغطية تداعيات الحرب على أفغانستان وبعد سقوط طالبان وقصف مكتب الجزيرة بكابول ذهب إلى أفغانستان وواصل تغطية الأحداث في مختلف أنحاء أفغانستان لمدة خمسة أشهر.
وبعدها انتقل إلي العمل في العراق، حيث تتبع مجريات الأحداث قبيل الحرب على العراق من السليمانية شمالي العراق، ثم غطى الحرب من خلال إقامته في شمال العراق، وبعد أن سقطت بغداد انتقل إليها وعين مديرا لمكتب الجزيرة في العراق، حيث أعاد تجهيز المكتب وتفعيله بعد أن قصف من قبل الطائرات الأمريكية،وأدى حينها إلى مقتل مراسل الجزيرة طارق أيوب.
وقدم وضاح خنفر برنامج المشهد العراقي والذي كان يذاع على الهواء مباشرة من بغداد، وواصل عمله في العراق إلى أن عين مديرا لقناة الجزيرة في 26 أكتوبر 2003 خلفا لمديرها السابق محمد جاسم العلي، فانتقل إلى الدوحة وفي فبراير عام 2006 عين مديرا عاما لشبكة الجزيرة التي تضم مختلف القنوات والمؤسسات التابعة للجزيرة بما فيها القناتان الإخباريتان العربية والإنجليزية والجزيرة الوثائقية والرياضية.
وفيما أثارت "الجزيرة" جدلا واسعا تحت قيادة خنفر ، فإن كثيرين يترقبون سياسة المدير الجديد أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني والذي يحمل بكالوريوس في هندسة البترول ودراسات عليا "ماجستير" في الإدارة المتكاملة للمشاريع البترولية من لندن وفرنسا وتدرج منذ العام 1991 في عدة مناصب في شركة قطر للغاز ولديه خبرة خارج الدوحة في بعض الشركات العالمية.