وزارة «الخالدية»
بقلم بلال فضل ٤/ ٧/ ٢٠١٠
فى أيام السيد المسيح كان الإنسان «يفتح ذراعيه للعالم فيُصلَب»، واليوم يفتح الإنسان فمه للمخبر فيضع به باكتة بانجو ليختنق.
لانريد أن نكون سلبيين، اليوم وبفضل وزارة الداخلية صارت مهمتك فى إقناع المقربين منك بنبذ البانجو أسهل بكثير، اعرض لهم فقط صورة الشاب السكندرى المغدور خالد سعيد قبل وبعد قتله، ثم قل لهم بصوت جهير دافئ «هذا مايفعله البانجو بشباب مصر»، هل أنا لا سمح الله أتهم مخبرى الداخلية بأنهم وضعوا البانجو فى فم خالد عنوة، أرجوك لا تفهمنى بسرعة أو ببطء، فأنا رجل يمشى طبقا للأصول برغم بيعها، فضلا عن أننى رجل يعرف مخاطر الإدمان،
ولذلك أصدق أن خالد وضع البانجو فى فمه من تلقاء نفسه، أصلا القاصى والدانى يعرف أن البانجو يلحس المخ، ويجعل الإنسان ذاهلا حتى عن مقاس قصبته الهوائية. لستَ محتاجا إلى تقارير طب شرعى تتفوق سرعة تسليمها على سرعة خدمة ماكدونالد للديليفرى، لتعرف أن مصر مليئة بضاربى البانجو الذين يموتون كل يوم بعد أن يندفعوا بفعل النشوة المفرطة إلى ضرب أرجل المخبرين بأجسامهم.
الآن إذا لم تكن راغبا فى تبطيل البانجو، عليك كلما داهمك مخبر راغب فى تفقد الحالة الأمنية، أن تسلم له الباكتة فورا، ولاتبادر إلى ابتلاعها، لأن ذلك سيقتلك. هل يمكن أن يصدر قرار وزارى بوضع تحذير على كل دفتر ورق بفرة يقول «احذر: الابتلاع يؤدى إلى الوفاة»؟، حتى لو لم يحدث ذلك فقد صرنا ندرك الآن أن البانجو لا يغرق شاربه فى عالم من الخيالات اللذيذة كما تقول الأسطورة التى يروج لها «الديلرات» فى أنحاء فى العالم، بل هو يتسبب لحامله المصرى- فضلا عن شاربه- بجروح قطعية حادة وكسور فى الجمجمة وتورم فى الجسد، لذلك عزيزى الشاب الضائع: البانجو لايفيد، والقطنة ماتكدبش، والداخلية أيضا، واسألوا مدام نظيفة التى لاعلاقة لها بحكومة الدكتور نظيف بتاتا، مجرد تشابه إعلانات.
طَب والله العظيم تلاته، ليست لدىّ مشكلة فى تصديق بيان الداخلية، بل المشكلة أننى أرتعد خوفا من العواقب الوخيمة التى يمكن أن يحدثها تصديقه، خاصة بعد حرصهاعلى تصدير صحيفة سوابق خالد للناس بوصفه صاحب جنحة سرقة وهارب من الجيش قبل أن يظهر أهله شهادة خدمته العسكرية، ثم تصدر طبعة جديدة من بيان الداخلية تتحدث عن أدائه للخدمة بشكل «ردىء». للأسف لم يفكر أحد من الذين نتعوا هذا البيان أن شعبنا الطماع يمكن أن يفتح عينه فى وش الداخلية ليسألها لماذا لم تسلط مخبريها مثلا على نواب الحزب الوطنى الهاربين من التجنيد لينهالوا عليهم سفعا بالبوانى والأقدام، وإذا كانت خدمة الركل الوطنى قد بدأت بخالد صاحب جنحة السرقة فمتى ستمتد إلى الذين ينهبون قوت الشعب ويسرقونه آناء الليل وأطراف النهار،
وكيف سيكون رد فعل الداخلية لو امتدت أيادى وأقدام أبناء الشعب يوما ما إلى زمارة رقبة صاحب عبارة غارقة أو فَكّ حرامى قطاع عام أو سلسلة ضهر مرتشى تأسياً بمبدأ العقاب الفورى الذى يكرسه بيانها، والذى يمكن ترجمته بالبلدى إلى عبارة واحدة «إنتو قالبين الدنيا على إيه.. ده حتى واحد هربان من الجيش وصاحب سوابق وكمان شايل بانجو»، مع أن فى بلادنا من ارتكب جرائم مريعة فى حق البلاد دون أن تمتد إليه أقدام مخبرى الداخلية، بل هى على العكس مستعدة لركل من يقول له تلت التلاتة كام.
إذا كنت تعيش معنا فى مصر، فأنت تعلم حجم التدليل الذى تحظى به وزارة الداخلية ماليا وسياسيا ونفسيا، ولذلك ستندهش لما جاء فى بيانها من حديث حافل بالبارانويا عن أولئك الأعداء الغامضين الذين يريدون توريطها فيما هى بريئة منه. فى رأيى إذا كان للداخلية عدو، فهو الذى شار عليها مثلا تلك الشورة المهببة بأن تلغى شعار الشرطة فى خدمة الشعب لتعلن بداية عهد من الاستعلاء على المواطنين، وأن تصدر قرارات مثل منع إدخال المحمول إلى أقسام الشرطة مباشرة بعد ظهور كليبات التعذيب فى الأقسام، أو اعتقال نساء بدو سيناء وأطفالهم حتى يسلم الأزواج أنفسهم للداخلية، أو تجاهل الاختلال فى الأجور بين كبار الضباط وصغارهم، وتطنيش الدور التخريبى الذى يلعبه بعض الأمناء والمساعدين والمخبرين فى الشارع المصرى بحملهم لصلاحيات غير قانونية تسىء إلى صورة جهاز الأمن وتخرب عمله وتُعَمق مابينه وبين الناس من هوة،
وأخيرا المكابرة فى الدفاع عن قتلة خالد سعيد دون حتى إصدار بيان حصيف يمتص غضب الرأى العام، وكلها سياسات هوجاء تهيل التراب على الجهود المخلصة التى يبذلها الآلاف من رجال الشرطة على طول البلاد وعرضها، وهى جهود لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل لايدرك مدى احتياج مصر، فى هذه الفترة التى مايعلم بيها إلا ربنا، إلى جهاز أمنى قوى وعادل يثق فيه الناس ويأتمنونه على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم.
أنا لا أطوّل، ومع ذلك، لو كنت وزيرا للداخلية لافتتحت كل اجتماعاتى بهذا الدعاء «اللهم احم وزارة الداخلية من نفسها، أما الناشطون السياسيون فبيادات الأمن المركزى كفيلة بهم».
[email protected]