كلما رأيت صورته ، أتذكر "منشية البكري" .. وسيارته المميزة ، التي كان يقضل قيادتها وحده دون سائق ...
كم أود نشر الكثير مما أعرفه عنه ، وعما قام به من أجل مصر .... سواء في أفريقيا أو الدول العربية .... ولكن توجد للنشر العلني حدود لا يمكن تخطيهم .... إنه الخط الأحمر الشهير ....
لقد كانت تتم في الدور الأول ، الكثير من مقابلاته الثنائية مع عدد من زملائه ، من أجل تقييم بعض من القضايا الهامة ، والتشاور والتخطيط قبل إتخاذ قرارات فيهم ... وكان يصل إلي سمعي في مكتبي في الدور الأرضي ، الكثير من الأسماء ، التي أصبحت رمزا للحرية .... لومومبا .... مانديلا .... جومو كينياتا .... نكروما .... ونيريري ...بل أيضا أحمد بن بيلا والكثير من رموز الكفاح العربي بما في ذلك ياسر عرفات وغيرهم ....
كانت تصل لسمعي أسماء دول ، كانت مصر تتمتع بأقوي الصلات بينهم ، نتيجة لمجهوداته الصادقة .... ليس فقط السودان أو كينيا ... وليس فقط نيجيريا وتنزانيا ولكن ايضا ، المغرب والصومال وإثيوبيا والجزائر ....
كان الكثير يصل إلي سمعي بل ومعرفتي ... ، وفعلا ، كم هناك الكثير ، فما خفي أكثر مما ينشر .....
ولكم أود أتشر ما أعرف ، لكن .... يبقي "الخط الأحمر" .... الذي لا يمكنني تخطيه
لنأخذ فكرة بسيطة عن محمد فــائق الـــرجل الذي كان "غامضا" والي إتسمت نشاطاته السرية بقيمة إستراتيجية هامة ....
محمد فائق ، الذي كانت له مكانة خاصة وكان يتمتع بإعتزاز واضح من جمال عبدالناصر ، وكان يستبشر برؤيته وخاصة في الصباح .... ولم يكن ذلك خافيا عن زملائه ، أو عنه
رغم ذلك ، بقي "محمد فائق" الذي كان ينتمي للمجموعة الخاصة التي تولت عدد من المهام الحساسة جدا ، بعيدا عن إطار التنظيمات التشكيلية المخابراتية التقليدية ، ولكن في حدود محيط آخر متوسع من النشاطات المتميزة للمخابرات العامة المصرية
كنت أتذكر زيارته لبورسعيد خلال أيام المقاومة السرية 1956 ، وإجتماعه المطول في مسكننا ، مع البكباشي عبدالفتاح أبوالفضل والمناقشات التي تمت مع الملازم أول فرج محمد فرج عثمان رحمه الله ، الذي كان مسئولا عن جهاز اللاسلكي المخبأ في مسكننا قبل مغادرتهما لبورسعيد ، والتقرير الحساس الملخص الذي أرسل لرئاسة الجمهورية وقيادة المخابرات العامة المصرية عما تم إتخاذه خلال زيارته من إجراءات تخطيطية مستقبلة
وأتذكر دائما ، كيفية وقوعهما في اليوم التالي ، بالصدفة في قبضة يد داورية بريطانية كانت تقوم بتفتيش القوارب التي تغادر بورسعيد عن طريق بحيرة المنزلة ، وكيف أفرجت عنه الداورية ، بعد إحتجاجه وإعتراضه بأن ما يفعلوه معه ، سيغير فكرته عن الأخلاق الإنجليزية فهو "كمدرس للغة الإنجليزية" تصدمه هذه المعاملة الجافة منهم .....
إعتذروا له وتركوه يواصل رحلة تسلله من بورسعيد إلي المطرية ، حيث كانت تنتظره أحد مجموعات المخابرات العامة ، لترافقه من هناك ، إلي مقر الرئيس جمال عبدالناصر ، ليضع أمامه التقرير الحي عن المقاومة السرية المسلحة
ولم يصدق البريطانيين أعينهم ، عندما قرأوا الصحف الصادرة بعد إنتهاء الحرب مغادرتهم للمدينة ، فقد إكتشفوا أن الداورية البريطانية كانت قد تركت أخطر رجلين في تشكيلات المقاومة المسلحة يفلتا من أيديهم بعدما ألقت القبض عليهما
ليس فقط تركوا البكباشي عبدالفتاح أبوالفضل "قائد المقاومة السرية المسلحة في منطقة القنال ، وفيما بعد نائب رئيس المخابرات العامة ، ولكنهم تركوا أيضا "محمد فائق" المسئول عن المجموعة الخاصة من رجال المخابرات العامة ، والتي كانت تخضع مباشرة للرئيس جمال عبدالناصر وتتبع رئاسة الجمهورية ، والمسئول عن "الشئون الأفريقية" ، ووزير الإعلام فيما بعد
حقا ، كانت زيارة محمد فائق قصيرة ، غير أن شخصيته تركت أثارها الإيجابية في نفسي ، ولم أنساه رغم إنقضاء السنوات الطويلة ...
ثم كان لقائنا المطول في مكتبه في العاصمة المصرية ، وكانت أحاديثنا ... ومناقشاتنا وذكرياتنا المشتركة .... وواصلنا الإتصال ... حتي اليوم
يسعدني أن أنشر الموضوع التالي عنه "رجل الثورة ... رجل المجموعة السرية في المخابرات العامة ، التي إنضم إليها أيضا رئيسي السابق محمد نسيم وغيرهما ، والتي تولت تنفيذ مهام مخابراتية سرية حساسة ...... !!!
د. يحي الشاعر
https://www.almatareed.org/vb/showth...E#.XaWYsX9CRe8