لم يتوقف الجدل منذ أن أعلن الأستاذ في جامعةشينجن بمقاطعة غوانغدونغ الصينية، هي جيانكوي، ولادة طفلتين تم تعديل حمضهماالنووي لإعطائهما مناعة ضد فيروس الإيدز.
وكان أول الرافضين لما قام به جيانكوي، الباحثون فيجامعة الجنوب للعلوم والتكنولوجيا التي ينتمي لها إذ أبدت"عميق الصدمة" إزاء ذلك، وفتحت السلطات الصينية تحقيقا بالموضوع، علّقعلى إثره الطبيب الصيني أبحاثه في هذا الصدد رغم اقتناعه بها.
وقال جيانكوي: "سأوقف التجارب السريرية موقتانظرا إلى الوضع الحالي. لكني فخور بهذه الحالة بالذات".
وليست تجربة الطبيب الصيني الأولى من نوعها،فيما يتعلق بتقنية المقص الجيني التي استخدمها، إذا أعلن علماء أمريكيون سابقا فيتعديل جينات جنين بشري بهدف تصحيح طفرة مسببة للأمراض ما يسمح بالحيلولة دونانتقال الخلل لأجيال مقبلة.
اقرأ أيضا: عالم أمريكي يعدل حمضه النووي ليصبح خارقا
ونشر هذا الحدث في دورية نيتشر بعدما أكدته جامعةأوريغون للصحة والعلم التي تعاونت مع معهد سالك ومعهد العلوم الأساسية في كوريالاستخدام تكنولوجيا "المقص الجيني" لتصحيح طفرة جينية مسببة لأحد أمراضالقلب.
لكن على خلاف التجربة السابقة، تلقى الطبيبالصيني هجوما كبيرا في بلده وخارجه، ووصل الأمر إلى أن منظمة الصحة العالمية علقتعلى الحدث.
مستشار علم الأمراض، الدكتور حسام أبو فرسخ،قال لـ"عربي21" إن الموضوع يمس الجانبين، الأخلاقي والعلمي، فهنالك أمورعلمية لا يمكن إغفالها، فعلم التعديل على الجينات يمكن أن يحل أمراضا كثير منتشرةكأمراض العضلات وبعض الأمراض المزمنة.
ولفت إلى أن هنالك عدة طروحات عن علاج أمراضمثل السرطان مثلا عن طريق إخفاء الجين المسؤول عن المرض.
اقرأ أيضا: هل الاكتئاب مرتبط بالجينات؟
وعن فكرة قص الجين المسبب للمرض، ولصق آخر سليممكانه، قال أبو فرسخ إن هذه الفكرة غيرت الكثير من المفاهيم، وتبشر بعلاجات واعدة،لكنها حتى الآن غير واضحة الآثار، وما يمكن أن يترتب عليها.
وأشار إلى أن الإنسان ما زال في الخطوات الأولىلهذا العلم، لكنه أشار إلى أن التخوف من الموضوع أخلاقيا يأتي بسبب عدم معرفة إلىأين يمكن أن تصل الأمور.
وأشار إلى أن لا أحد يريد أن يتحول هذا الإنجازالعلمي الواعد إلى طريقة لصنع "إنسان سوبر" يتمتع بصفات "الذكاءوالجمال والقوة"، مذكرا بما حدث في عمليات التجميل التي بدأت لإصلاح أمور مثلالحروق والشفة الأرنبية مثلا، تم تحولت إلى أمر مختلف تماما بحثا عن مزيد منالجمال.
ولم يخفِ مستشار الأمراض أن الهجوم على الطبيبالصيني ربما يكون بسبب دوافع من شركات الأدوية التي ربما تخسر الكثير من الملايينإذا ما وجد علاج لأمراض تدر عليها أموالا طائلة.
وقال المدير العام لمنظمة الصحّة العالمية،تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إن أي عملية تعديل وراثي "لا يمكن أن تجري من دونقواعد واضحة".وأضاف في حديث للصحافيين في جنيف "ستجمع منظمة الصحةالعالمية خبراء وستعمل مع الدول الأعضاء لمناقشة المعايير والإجراءات التي تضمنمراعاة الجوانب الأخلاقية والسلامة الاجتماعية".
وهاجم بعض العلماء التجربة، ليس لأنها أجرتتعديلا جينيا على طفلتين، بل للظروف التي جرت فيها، ومن ذلك أنها لم تجر ضمنمراقبة علمية بل قام بها الباحث مع بعض مساعديه بمعزل عن أي إشراف أو تحقّق.
الاستاذ في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية،الدكتور شرف القضاة، أشار إلى أن المشكلة الأخلاقية تنبع من كون أن هذا الأمر غيرمنضبط النتائج، مثل بعض الأدوية التي استخدمت في الأسواق لسنوات، وجربت كثير، ثمسحبت بسبب أضرار جانبية، فكيف بشيء لم يجرب بعد ولا تعرف نتائجه.
ولفت في حديث لـ"عربي21" إلى أن التجارب على الإنسان مباشرة، مثلما قام به الطبيب الصيني، قد يأتي بنتائج مفاجئة على البشر.
وتساءل القضاة: "ما هو احتمال حماية هذهالأجنة من المرض، دون إصابتهم بأمور أخرى سيئة؟".
ولفت إلى أنه في هذه الحالة غير معروفة النتائج،فإن "درء المفاسد أولى" شرعا.
لكنه استدرك بأن لا أحد يملك الآن إصدار فتوىشرعية في الأمر، قبل أن يجلس مع كثير من المتخصيين، ويعقد ندوات علمية طويلة، معمختلف الآراء، وليس مع المتحمسين لهذه التجارب فقط.
مزيد من التفاصيل