الوثيقة الوطنية.. و(الخيبة) المصرية!!
بقلم محمد بغدادى ٢١/ ٣/ ٢٠١٠فى ستينيات القرن الماضى تفوق الاتحاد السوفيتى، على غريمته أمريكا، عندما أطلق مركبة تحمل أول رائد فضاء فى العالم (يورى جاجارين)، فانزعج الأمريكان على الفور لأنهم تخلفوا عن عدوهم التاريخى، فقامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد أن تشكلت لجنة علمية عليا وأصدرت نتائجها فى كتاب شهير أسمته (أمة فى خطر)، وجاء فى هذا التقرير: تشخيص العلة وأسبابها، ومعها الوصفة الطبية، والعلاج الأكيد، وكان أهم قرار هو النهوض بالتعليم والبحث العلمى، وما هى إلا سنوات قليلة حتى كان الأمريكى (آرم استرونج) يزرع علم أمريكا على سطح القمر.. وفى دبى أصدرت دولة الإمارات العربية هذا العام (وثيقة وطنية) وطرحتها على المواطنين للنقاش، وباختصار شديد كان أهم ما أشارت إليه الوثيقة الوطنية هو:
ــ التركيز بشكل أساسى على النهوض بالعنصر البشرى والنهوض بالتعليم ليس للوصول إلى العالمية، ولكن سعيا لأن تكون دولة الإمارات ضمن أفضل عشر دول فى العالم، وهذا هو الهدف المرحلى، وبعد ذلك يأتى الهدف الأساسى وهو أن تصبح الإمارات أفضل دولة فى العالم من خلال معايير الجودة والتفوق العالمية، وأوضحت الوثيقة أهم وسائل تحقيق هذه الأهداف على النحو التالى:
ــ تمكين أصحاب الخبرة والكفاءة من أن يقودوا المجتمع نحو العالمية.
ــ تمكين الشباب من الوصول إلى درجة عالية من الكفاءة لزيادة عدد الكوادر الفنية القادرة على إدارة المجتمع بكفاءة عالية تدعمها خبرات مبنية على العلم.
وبنظرة سريعة لما يحدث عندنا فى مصر وجدت أن هناك الكثير من أوجه الشبه بيننا وبين أمريكا ودولة الإمارات، وأننا نسير والحمد لله فى نفس الاتجاه من حيث (التمكين) على وجه التحديد، فحكومة الحزب لديها خطة طويلة المدى (للتمكين).. وجماعة الإخوان المحظورة لديها أيضا خطة استراتيجية رائعة (للتمكين)، وأحزاب المعارضة المصرية لديها خطة أكثر روعة (للتمكين)... والحقيقة كلهم متمكنون وعن جدارة، ولكن كل شيخ وله طريقته فى (التمكين):
فحكومة الحزب الوطنى تبذل قصار جهدها من أجل (تمكين) رجال أعمالها من (ثروات الشعب المصري)، وكثيرون منهم الحقيقة مهتمون بتجربة دبى بدرجة فائقة، فمنهم من يقوم بتهريب مئات الألوف من أقراص (الفياجرا) من دبى، وآخر يرسل أحد رجاله لقتل مطربة لبنانية مغمورة فى دبى أيضا، وأحدث المهتمين بالتجربية الإماراتية نائب القمار الشهير الذى ضبط متلبسا بتهريب ٥٥٠ تليفون محمول قادما بها من دبى.. وحكومة الحزب الوطنى على طريق التمكين أيضا قامت بتعيين (ركز معايا شويه فى الرقم الله يسترك) ٢٦ ألف مستشار لوزرائها الحاليين، وأحد الوزراء لديه ٦٠ مستشارا فقط وهذا هو أغلب وزير فيهم، واحسبها أنت بقى، اقسم ٢٦ ألفا على عدد الوزراء يطلع نصيب الوزير الواحد كام مستشار فى الشهر،
وخد عندك المفاجأة الأكبر تعرف مرتبات المستشارين كام فى السنة يا فقير يا معدم (مليار و٢٠٠ مليون جنيه) بعضهم بيقبض ٢٠٠ ألف جنيه فى الشهر لكن الحقيقة المرتب الأساسى لكل مستشار ٦٠ ألف جنيه بس!! والباقى بدلات، وكل هذا يا محترم من أجل (تمكين) رجال الحكومة والحزب من السيطرة على الشعب الغلبان الذى يريد بطرس باشا غالى أن يجعله يدفع للحكومة ضريبة على سكنه الخاص الذى يمتلكه، أما (التمكين) فى التعليم فهو متقدم جدا، فمنذ أسبوع تشاجر طفلان فى مدرسة بالإسماعيلية، فقتل أحدهما الثانى بمطواة، فجاء أشقاء القتيل وأهله ودخلوا مدرسة الطالب القاتل ومزقوه بالخناجر والسيوف، وجاء أبوه لينقذه فمزقوه هو الآخر وأصابوا المدرسة كلها بالذعر، سوف يسأل البعض (أين التمكين هنا)،
سأقول لك:أولا لماذا لم تقبض الشرطة على القاتل وتحوله للنيابة لتحقق معاه، أقول لك لقد تركته يذهب لمدرسته حتى (تمكن) أهل القتيل من الأخذ بالثأر، وكيف دخل أهل القتيل إلى المدرسة، أقول لك: لقد تركت هيئة الأبنية التعليمية الجهة الخلفية للمدرسة بلا سور حتى (يتمكن) أهالى الأطفال المقتولين للدخول إلى المدرسة بسهولة للأخذ بالثأر بدون مشاكل، أما لماذا تأخرت الإسعاف والبوليس ساعة كاملة، فأقول لك: حتى (يتمكن) أهل القتيل من تصفية دم القاتل وتصفية الحسابات مع والده الذى لم يحسن تربيته...
أما على المستوى الاقتصادى فمازال مصنع الحديد والصلب يعانى من الإهمال حتى (يتمكن) أحد رجال الحزب الحاكم من تفطيس سعره ويشتريه بتراب الفلوس كما اشترى من قبل مصانع الإسكندرية حتى (يتمكن) من احتكار الأسواق بالكامل.. وهكذا تسير بنا الحكومة على طريق دبى من أجل (التمكين).
أما الجماعة المحظورة فهى أكثر تنظيما فقد أصدرت عام ١٩٩٥ وثيقة (التمكين) الخاصة بها بعد أن تعرضت للتصفية الجسدية من أجهزة الأمن أثناء الكفاح المسلح للجناح العسكرى للجماعات الإسلامية، وهى أيضا وثيقة مشابهة لوثيقة الحزب الوطنى على طريقة الإخوان وهى عبارة عن السيطرة على النقابات المهنية، والسيطرة على المراكز العليا فى كل الوظائف وداخل كل مؤسسات الدولة (تتمكن من السيطرة على البلاد والعباد) وإنشالله الشعب المصرى يولع بجاز.
أما أحزاب المعارضة فالحكومة تتجمل بها على طريق الديمقراطية الكاذبة، فقد أمضت ثلاثين عاما وهمها الأساسى هو (تمكين) النظام من الشرعية الزائفة (ليتمكن) من فرض هيمنته على مصر وشعبها، بحجة أن هناك أحزاباً، ولكن الأحزاب بدت فى كثير من مراحلها وكأن الحكومة استأجرتها من محل فراشة لكى تستكمل بها المشهد التعددى الزائف. وهكذا تتجلى لنا خيبة مصر القوية فى مواجهة الأمم التى أحست أنها فى خطر فتحركت على طريقة دبى أو على الطريقة الأمريكية، مع أننا أكثر دول العالم تعرضا للخطر الصهيونى وخطر الاندثار كأمة مصرية عريقة فى وجدان العالم كله.