وبعد انتهاء المهرجان نجد أن حماس استفادت من تجربة المهرجانات السابقة وابتدعت قضايا جديدة، وتمثل ذلك في التالي:
1- من الناحية الإعلامية سمحت الحركة للفضائيات التي تريد النقل المباشر، نقل الصورة التي تريدها هي وليس التي تريدها تلك الفضائيات، فلم تدع لأحد من وسائل الإعلام المشككة التلاعب في حجم الجمهور.
2- اختارت المكان المناسب للصحفيين لوقوفهم دون تأثيرهم على مشاهدة الشخصيات الاعتبارية للمهرجان والتي تتواجد في الصفوف الأولى.
3- النظام خلال المهرجان كان أفضل كثيرا من العام الماضي، هذا بما تحلى به أفراد النظام على أرض المهرجان رجالا أو نساء من أخلاق وآداب رفيعة تركت أثرا طيبا لدى الجمهور.
4- الاحتكاك المباشر ما بين رئيس الوزراء والجمهور، فهو مشهد قلما يتكرر في العالم في مثل هذا الحشد، فأي زعيم لا يجازف بالمرور من هذا الزحام ومن ذات المكان الذي مر به هنية إلا إن كان واثقا بأنه محبوب من الجمهور ولا خشية على حياته منه، ليس هكذا فقط، بل إن الجمهور تدافع لمصافحته، وهي معادلة أتحدى أن يحدث مثلها في مكان آخر من الوطن "فلسطين"، وبخاصة في الضفة.
5- ومن النقطة السابقة نتأكد جيدا أن حماس حافظت على أمن غزة جيدا، وهذا ما دفعها للسماح لقائدها باختراق آلاف الجماهير ليكون قريبا منهم كثيرا.
ولأن هذا المهرجان من أعمال البشر، وعمل البشر يعتريه الخطأ، خاصة إن كان بهذا الحجم من الإعداد والتجهيز، فأعتقد أن المهرجان اعتراه الخلل والسلبية في النقاط التالية:
1- لا يزال تعامل أجهزة الأمن بالشكل غير المطلوب مع الإعلاميين في ساحة المهرجان، وهذا نابع من تعدد الصلاحيات في المكان، فهناك أمن داخلي وأمن وحماية وغيرها من الأجهزة، وهذا يُحدث تضاربا غير مقصود في تخصص كل جهاز من الأجهزة، وأنا أرى أن يكون جهازا واحدا مسيطرا على الساحة في الأعوام القادمة ويكون العناصر الموجودين في هذا المكان من المشهود لهم بالأدب والأخلاق الرفيعة أكثر من أولئك الذين كانوا موجودين في مهرجان الانطلاقة 23 لحماس.
2- على صعيد عمل الإعلاميين كان ينبغي السماح للمصورين وبخاصة الفوتو والذين يعنيهم الأمر صعود المباني المحيطة لالتقاط صور معبرة عن هذه الجماهيرية لحماس، أقصد السماح لهم ولو لوقت قليل، فهم يعملون في وكالات عالمية، وتأكيدا أن حماس يعنيها أن تصل هذه الصورة للعالم.
3- إعلان قدوم إحدى الفرق الإنشادية لغزة، وهنا أخطأت حماس بهذا الإعلان، ويبدو أنها غاب عنها وضع قطاع غزة ومحيطه وآلية التعامل معه من مختلف الأطراف، وأجد أنه كان الأجدر بها عدم الإعلان، وبعد وصول الفرقة لغزة تعلن أن هناك مفاجأة من العيار الثقيل دون أن تحددها، وهذا.. حتى تبقى الحركة محافظة على مصداقيتها التي تسعى أطراف داخلية وخارجية لإثبات عكسها.
أخيرا، لقد كانت حماس من خلال انطلاقتها "كبيرة" تجاه أبناءها ومؤيديها وعناصرها على اختلاف أماكن تواجدهم، وأكدت هذا الأمر من خلال عدة خطوات قامت بها، فخلال المهرجان وكلمة رئيس الوزراء إسماعيل هنية لم تغفل تقديم الشكر الجزيل على صمود ليس أبناء حماس بل كل الشعب وصبره واحتضانه لحماس، وفور انتهاء المهرجان وزعت بيانا تشيد من خلاله بالجمهور الفلسطيني الذي يناصرها ويقف إلى جانبها، وخلال المهرجان أكدت أنها هنأت الشعب الفلسطيني في الضفة بانطلاقتها من خلال رسالة جوال وزعتها على نصف مليون رقم جوال في الضفة.
لقد بحثت عن نص الرسالة التي وجهتها حماس في الضفة من منطلق عملي الإعلامي، وكان نص إحدى الرسائل وصل إلى عدد كبير من هواتف المواطنين وبخاصة النساء منهم وكان نص تلك الرسالة "إلى الأخوات الحبيبات وبدون خيارات، وللحمساويات بالذات، أرق العبارات وأجمل التحيات، وكل عام مرفوعة الرايات" التوقيع: Hamas، وكانت هناك رسالة أخرى وصلت للجوالات وكان نصها "أهلنا بالضفة المحتلة، في ذكرى انطلاقتكم الـ23 أنتم في سويداء قلوبنا. حماس"، وحملت الرسالة الثانية أيضا توقيع: Hamas.
هي رسائل جوال بالفعل، ولكن وقعها على النفس كبير، فحماس اختارت أرقاما عشوائية، وكانت معنية بذلك، فالرسالة ينبغي أن تصل للجميع الحمساوي والفتحاوي والجبهاوي والمتعاون مع الاحتلال، بالفعل تلقاها الحمساويين وعامة المواطنين كمن ارتوى بعد ظمأ وأدركو أن حركتهم تصل إليهم بكل السبل وتحاول ذلك ولن تتخلى عنهم كلما سنحت لها الفرصة وهي لن تعدم الوسيلة.
أما المتعاونين فصعقوا وبهتوا وتسائلوا: هل بعد كل هذه الملاحقة والتعذيب والقتل والترهيب يبقى أمل لحماس في الضفة لتواصل محاولاتها؟!! بكل تأكيد لها أمل، وما يصرح به قادة الاحتلال من أنهم لو رفعوا أيديهم عن الضفة لسيطرت عليها حماس في ساعات، العدو مخطئ في هذه التوقعات، وأنا أقول: لو رفع الاحتلال يده عن الضفة وأهلها لما صمد المتعاونون دقائق في وجه الشعب وليس فقط حماس، فقد بانت السوءة هناك لأمن دايتون ومولر ولن يوقف البركان إذا ثار لا مولر ولا غيره، أو حتى الاحتلال الذي لم يقوَ على إخماد حريق في كيانه المزعوم واستغاث بدول العالم بعد ساعات من وقوعه.
ختاما، قبل أيام من المهرجان كنت في سيارة والمنخفض الجوي يضرب غزة، فكان يرافقني في السيارة أحد المواطنين، رآني وعرفني بأني أعمل في إعلام حماس، فأخذ يدعو الله: "يا رب تكبس يوم الانطلاقة مطر"، "يا رب تغرق الدنيا"، تفاجأ وأنا أقول له: آمين!!.
كان يدعو الله لحقد دفين في داخله، فقلت له: منذ فترة وحماس تدعو الله أن يبعث الغيث، وتابعت: يا أخي المشكلة أنكم لا تتعلمون من دروس التاريخ، فقال: كيف؟ قلت له: هل تتذكر انطلاقة حماس السادسة عشر؟ قال: نعم، قلت: حينها لم يمنع مناصروا حماس أشد الأمطار التي أصابت غزة في ذلك الوقت، فهل سيمنعهم الأمطار إن نزلت على الكتيبة هذه المرة، سكت ولم ينطق بكلمة وهو ينفث بشفتيه دخان سيجارته من أعماق صدره.
وأنا الآن وبعد المهرجان، أقول: لقد دعا البعض الله أن يسقط الغيث وأنا كذلك، هم دعوا الله لشئ وأنا لشئ، وأنا دعوته كإعلامي لأتعرف جيدا على شعبية حماس، فمثل تلك الظروف تُظهر هل الجمهور يتحدى الأحوال الجوية ويخرج مناصرة لحركته؟ أم أن تلك الأحوال ستحول بينه وبين تلك المشاركة؟.
انتهى المهرجان، وشاء الله أن يكون الجو مشمسا من وسط المنخفض الضارب للمنطقة بالكامل، ومن ناحية أخرى، فقد تواجد آلاف المواطنين في ساحة المهرجان منذ ساعات مبكرة من الصباح، وهو ما دفع حماس للخروج ببرنامج إضافي يسلي الجمهور وقبل موعد المهرجان المركزي بنحو ساعتين.