تترنح الخطط التيتطلقها الحكومة بهدف إحداث إصلاح اقتصادي يلامس اشتراطات مؤتمر سيدر الدولي الداعمللبنان بقرابة 11 مليار دولار، ويبدو أنّ"الخيارات الصعبة"بحسب توصيفاتأركان الحكومة ستطال مخصصات ورواتب موظفين في القطاع الخاص والقطاع العسكري الذييحظى بعدد كبير من الامتيازات المتنوعة على نفقة الدولة اللبنانية.
و يبدو نبض الشارعاللبناني مترقبا لمآلات الأوضاع، مع بروز دعوات تدعو إلى التحرك في الشارع بشكلواسع لمنع تمرير حلول حكومية على حساب المواطنين.
تخفيضات ولكن؟
اعتبرت الكاتبةوالمحللة السياسية الدكتورة هدى رزق أنّ "تخفيض الرواتب التي أشار إليها وزيرالمالية علي حسن خليل ترتكز على العسكريين الذين يتمتعون بامتيازات كبيرة وخاصةعلى الصعيد المالي"، مشيرة في تصريحات لـ"عربي21" إلى أنّالتخفيضات في حال أقرت لن تؤثر على "العسكريين لأنهم سيحتفظون بكثير منالمكتسبات الأخرى".
ورأت رزق أنتصريحات وزير المالية تهدف إلى تهدئة الرأي العام بخصوص سياسة التقشف التي تنوي الحكومةالمضي بها، ولفتت إلى أن إيقاف الهدر يأتي من خلال تطبيق معايير الشفافية، قائلة:"ندرك عدد الموظفين الجدد الذين انضموا إلى القطاع العام من دون الخضوع إلىمجلس الخدمة المدنية وفق معايير استنسابية لا تخضع لاعتبارات مهنية تؤشر إلى أنّالدولة تحتاج فعلا إلى توظيفهم".
وأضافت:"التوظيف الجديد أقرته الحكومة لأهداف سياسية وهذا يدخل في إطار الهدر النابعمن الطبقة السياسية عموما"، متسائلة: "لماذا يريدون تحميل الموظفينمسؤولية الهدر عبر الاقتطاع من رواتبهم في حين أنهم يمارسونه بطريقة فاضحة؟".
وطالبت رزق بإلغاءالكثير من المكتسبات المخصصة لبعض موظفي القطاع الرسمي، ومن أبرز تلك المكتسباتمنح التعليم في المدارس والجامعات الخاصة لأبناء الموظفين، متسائلة: "لماذايخوّل لأستاذ في الجامعة اللبنانية بأنّ يعلم أبناءه في الجامعات الخارجية أوالجامعة الأمريكية في بيروت على حساب خزينة الدولة، بينما لو سحبت هذه الميزةلاضطر الأساتذة أن يسهموا بجدية في تطوير التعليم وأساليبه في الجامعة اللبنانيةالتابعة للدولة".
ورأت رزق أنّالحكومة لا تلجأ إلى اتخاذ خطوات عملية سواء على صعيد تخفيض مخصصات العسكريينوامتيازاتهم والموظفين في القطاع الرسمي، أو حتى على صعيد تبديل قانون الضرائبالمعمول به حاليا بآخر عصري يطال جميع شرائح المجتمع اللبناني"، وانتقدت "وضعالحكومة جميع اللبنانيين أمام خيارين، إمّا القبول بالتخفيضات على الرواتب أو قبولرفع الضريبة على القيمة المضافة ”TVA” لتبلغ 15 أو ربما 17 بالمئة".
واعتبرت أن"الحلول التي تنسجها الحكومة تستهدف الشعب، في حين أن من يتحمل مسؤولية الهدرطوال السنوات الماضية هي الطبقة السياسية نفسها، مشددة أنّ "ما يمارس ضدالمواطن يدخل في إطارالتهويل والتخويف بهدف فرض الأمر الواقع عليه".
واستبعدت رزق أنيكون ملف التوطين جزءا مما يحاك على المستوى المالي اللبناني، وقالت: "أعدادالفلسطينيين المتواجدين في لبنان مبالغ فيها في ظل الهجرة المستمرة لهم خلالالسنوات الماضية، عدا أن الإدارة الأمريكية الحالية تبدو مقتنعة بمسألة عدم ضربالتوازن الطائفي اللبناني".
بين الإصلاحين؟
من جهته، أوضح الخبيرو السياسي شارل شرتوني أنّه "لا يمكن إحداث إصلاح اقتصادي من دون إصلاحسياسي، فالمساران متلازمان" على حد قوله، مضيفا في تصريحاتلـ"عربي21": "نوايا المسؤولين غير إيجابية تجاه دعم الاستقرارالسياسي والاقتصادي وتحديدا من قبل حزب الله الذي يعتبر لبنان ساحة حرب مفتوحة يواجهخلالها أطرافا عدّة و يفتح انطلاقا منه جبهات كثيرة نكاد لا نحصيها"، و بيّنأنّ "الوضع الراهن يتطلب الانطلاق في خطة شاملة محكمة لاحتواء الأوضاعالاقتصادية وطمانة المواطنين القلقين من المسار الانحداري للدولة اللبنانية".
واعتبر أن الحديثعن المعالجات والوصفات التي تطلقها الحكومة للإصلاحات لا يعدو كونه للاستهلاكالسياسي، لأنّ "التحسينات تبدأ من خلال تطوير بنيوي في إدارات الدولةالسياسية والمالية، بينما يبدو جليا استمرار الفساد و المحسوبيات والفوضى فيمؤسسات الدولة إلى جانب التوظيفات العشوائية في القطاع العام لأهداف وغاياتسياسية".
وتطرّق إلى انعدام ثقة المؤسسات الدولية في الوضع اللبناني، فقال: "أبدت مؤسساتأمريكية إنسانية خلال تواصلي معها استعدادها العمل في لبنان، غير أنّها أفصحت فيالوقت عينه عن عدم رضاها وقلقها من الوضع الداخلي بمستوياته كافة، وبالتاليإمكانية انعكاساته على أي مشاريع تقوم بها على الأراضي اللبنانية"، متابعا:"على المستوى الإنساني هناك حذروقلق، والوضع أعمق وأصعب على صعيد المستثمرينأو الطامحين في العمل بالمجال الاقتصادي في لبنان".
وختم حديثهبالإشارة إلى أن "لبنان يعاني من حالات متنوعة من الفساد التي يصعب معالجتهافي ظل استمرار الطبقة الحاكمة في لبنان في الإمساك بزمام الأمور وامتصاص المكاسبالخاصة على حساب خزينة الدولة والمواطن، في ظل فساد يكابده أيضا القضاء وغيابالمحاسبة والمراقبة والشفافية".
اقرأ أيضا: هل تنقذ الحكومة اللبنانية أموال مؤتمر سيدر؟
مزيد من التفاصيل