حرب أكتوبر 1973 من وجهة النظر الإسرائيلة
أعمال قتال يوم 9 أكتوبر 1973
أعمال قتال يوم 9 أكتوبر 1973
في صباح يوم 9 أكتوبر 1973، كان شارون يسعى لإحراز نصراً لم يحققه زملاؤه الجنرالات مندلر وآدن، ويبعد الصورة السيئة التي ظهر عليها بالأمس لعدم الإسراع بمعاونة آدن.
اختار شارون ميدان المعركة بنفسه حيث تتدرج ارتفاعات الأرض من الغرب إلى الشرق، ويسهل على المهاجم من الشرق الاندفاع بشدة في اتجاه المدافع في الغرب. واختار هدف هجومه ليكون في اتجاه الدفرزوار وهي الأرض التي تسمح له بتحقيق نجاح، حيث سبق له أن درب قواته على مثل هذا الهجوم والعبور من قطاع الدفرزوار عندما كان قائداً للجبهة الجنوبية.
وعلى المستوى السياسي داخل إسرائيل، كان هذا اليوم يوماً صعباً لموشي ديان، الذي انتابته أزمة تشاؤم لم يفق منها، كان ديان يتحدث إلى مرؤوسيه، وإلى القيادة السياسية طالباً الانسحاب إلى الخط الثاني، و"كان يقصد الانسحاب إلى خط المضايق".
ويقول ديان للصحفيين المذهولين، "ليس لدينا الآن قوة لإلقاء المصريين وراء القناة، بدون أن نستنزف قواتنا تماما تقريباً، إذا حاولنا ذلك، فسوف نفقد قوتنا ونظل في دولة إسرائيل بدون قوة، ما يجب علينا أن نفعله هو الاستعداد في خطوط أخرى. وهكذا أيضا في الجزء الجنوبي من سيناء، فهناك الطريق مفتوح، علينا أن نقيم خطا دفاعيا في مكان ما بين القناة وسلسلة الجبال بحيث لا يستطيعون اجتيازه، وهم لن يستطيعوا اجتياز هذا الخط إذا استعددنا جيداً، وسيظهر أمام العالم كله أننا لسنا أقوياء أكثر من المصريين".
قررت رئيسه الوزراء، تعيين حاييم بارليف مساعداً لقائد الجبهة الجنوبية الجنرال جونين. ولم يكن جونين راضياً على الإطلاق عن هذا القرار .
من وجهه أخرى فقد استطاع المصريون أن يدعموا قواتهم، على طول القناة، بنحو 700 دبابة، وتمكنوا من إصلاح الجسور التي أصيبت، وتدفقت عليهم الإمدادات الكثيرة من الدول العربية والسوفيت، واستطاعوا أن يمدوا خطوط المياه والوقود وكوابل الاتصال تحت سطح الماء في القناة.
لقد أصبحت المشكلة الرئيسية لجيش الدفاع الإسرائيلي، هي عدد الدبابات الصالحة للعمل، فلقد أصبح عدد كبير غير صالح للاستعمال إما لأسباب فنية، أو من الإصابات المباشرة، رغم نجاح الأطقم الفنية في إعادة الكثير منها إلى المعركة، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الدبابات في فرقة آدن نسبياً.
حرب أكتوبر 1973 من وجهة النظر الإسرائيلة أعمال قتال في قطاع الدفرزوار يوم 9 أكتوبر 1973
القتال في قطاع الدفرزوار يوم 9 أكتوبر 1973
صباح يوم 9 أكتوبر 1973 وبعد عودة مجموعة العمليات الرقم 143 المدرعة إلى مكان تمركزها جنوب الطريق الأوسط ليلة 8/9 أكتوبر 1973، أصدر شارون أوامره إلى قادة الألوية الثلاث، (آمنون ريشيف، حاييم اريز، وتوفيا رفيف) بالاستعداد لخوض معركة حاسمة من أجل احتواء الهجوم المصري. وحدد لكل واحد منهم قطاع هجومه، فكان على حاييم الهجوم على منطقة هاموتال Hamutal "جنوب الطريق الأوسط"، أما توفيا فيهاجم منطقة ماكشير Machshir، بين الطريق الأوسط ووصلة الدفرسوار، وعلى آمنون تحقيق الاتصال مع النقطة القوية بوركان شمال الإسماعيلية شرق.
في الصباح الباكر استطاع عدد من الدبابات والمركبات المدرعة من لواء آمنون، أن تخترق غرباً على طريق تاليسمان Talissman، (الطريق الأوسط)، في المنطقة شمال "هاموتال" أي في الشمال الشرقي لبحيرة التمساح"، ولكن الصواريخ المصرية تمكنت من تدمير 3 مركبات مدرعة منها.
كما اصطدمت عناصر لواء توفيا بهجوم لللواء 14 مدرع المصري، ومن ثم قرر شارون دفع عناصر مدرعة للهجوم في مناطق تليفزيا Televizia وماكشير على الطريق العرضي الرقم (2) جنوب الطريق الأوسط "طريق تليسمان" من أجْل السيطرة على تقاطع الطريق الأوسط مع الطرق العرض الرقم (2).
وفي الساعة السابعة صباحاً هاجم لواء (حاييم) منطقة هاموتال، وبدأت المصاعب تواجهه، إذ اصطدم بعناصر المشاة المخندقة، المدعمة بالصواريخ المضادة للدبابات، وأصبح في موقف معقد للغاية، لقد قاتل الرجال بشجاعة، ولكن القوات المصرية لم تترك له فرصة وتصاعدت خسائره بسرعة، فكل قادة السرايا الثلاث من إحدى الكتائب وكذلك قادة الفصائل وقادة أطقم الدبابات أصيبوا، حتى دبابة قائد الكتيبة أصيبت. ووافق قائد اللواء على الانسحاب بينما يتم إخلاء الخسائر، لم يكن باقي سوى 7 دبابات فقط سليمة، من إجمالي 24 دبابة.
بينما القتال دائر بين الجانبين، تمكنت قوة صغيرة من لواء آمنون من دبابتين وأربع مركبات مدرعة التقدم على طريق "تاليسمان" بالقرب من منطقة هاموتال، كان عليهم إخلاء الأفراد المحاصرين في الموقع رقم 6 (Purkan)، واتجهوا نحو الغرب لمقابله الأفراد المنسحبين من الموقع، حيث استطاعوا بالفعل أن يقابلوهم، إلا أن النيران المصرية لاحقتهم، وأصيبت 3 مركبات مدرعة دفعة واحدة، واضطروا إلى حمل الأفراد المنسحبين، والبالغ عددهم نحو ثلاثين فرداً، بالمركبة الرابعة وفي الدبابتين.
بينما القتال يدور في منطقة هاموتال، قرر الجنرال شارون، أن يستولى على الهدف، ماكشير "Machshir" وكلف لواء "توفيا" Tovia بهذه المهمة، الذي قرر الهجوم من اتجاه الشرق، ولكن الاقتراب من هذا الطريق كان صعبا، خاصة أن هذه المنطقة تقع تحت تأثير نيران المدفعية المصرية. قتل قائد الكتيبة المكلف بالهجوم، بل أن نائب قائد اللواء الذي تولى قيادة هذه الكتيبة قتل هو الآخر وفشل الهجوم وتوقف لواء "توفيا" إلى الشرق من "ماكشير". بعد ساعتين تقريباً (الساعة التاسعة والنصف صباحاً).
تقدم اللواء 14 مدرع المصري (60 دبابة) في اتجاه هاماديا Hamadia، وهـي المنطقـة الواقعـة بين وصلة الدفرزوار مع الطريق العرض الرقم 2، فوجهت نيران وحدات المدفعية الإسرائيلية ضده، واشتبكت معه الدبابات في معركة استمرت نحو الساعة، تمكنت القوات الإسرائيلية خلالها تدمير 35 دبابة في مقابل دبابتين إسرائيليتين، وفي الساعة العاشرة والنصف بدأت الوحدات المدرعة المصرية في التراجع.
قرر شارون استغلال النجاح والهجوم بلواءين في اتجاه منطقتي، تليفزيا وميسوري شرق طوسون، واستمر القتال لمدة أربعة ساعات تكرر خلالها الهجوم أربع مرات، واستطاعت دبابات شارون تدمير الدبابات المصرية، وفي المقابل خسرت مجموعة شارون 40 دبابة. قرر شارون دفع لواء توفيا للقتال من الشرق إلى الغرب على ثلاثة محاور لمهاجمة منطقة ماكشير من الشمال ومنطقة تليفزيا من اتجاه "هاموتال" والاتجاه الثالث من كيشوف Kishuf في الجنوب في اتجاه ميسوري وهي مناورة صعبة. وقعت القوات المهاجمة بين هاموتال وماكشير تحت تأثير الصواريخ الساجر، ودُمر منها 13 دبابة وتركت 7 دبابات منهم لم يتم إخلاءها، وتم إخلاء بعض الجرحى وفقد 12 فرد لم يتم العثور عليهم. أمّا القوة المهاجمة تجاه "تليفزيا" فقد وقعت هي الأخرى تحت تأثير نيران الصواريخ المضادة للدبابات وقتل قائد الكتيبة، ودمر عدد من دباباته، فاضطر شارون لإصدار أوامره بالتوقف عن الهجوم. كانت خسائر لواء توفيا خلال هذا القتال، تدمير 25 دبابة.
في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، أصدر شارون أوامره إلى آمنون بالهجوم على جانبي وصلة الدفرزوار، طريق أكافيش Akavish Road، وهي الوصلة القادمة من الطاسة على الطريق الأوسط إلى موقع الدفرزوار شمال البحيرات المرة والثاني على الطريق الممهد جنوبه وقعت الكتيبة المتقدمة على طريق أكافيش (وصلة الدفرسوار) في ستارة مضادة للدبابات دمرت الدبابات الأربع الأمامية منها، فتراجعت الكتيبة المهاجمة على هذا المحور إلى "كيشوف Kishuf"، على الاتجاه الآخر قتل قائد الكتيبة المهاجم في اتجاه "تليفزيا"، واستمرت الكتيبة في القتال تحت قيادة نائبه حتى استطاعت الاستيلاء على "تليفزيا".
تكرر الهجوم مرة ثانية بعد ساعة، وقبل حلول الظلام، بمساعدة لواء من قوات آدن واستمر الهجوم حتى الساعة السادسة والنصف مساءً ولم يحقق هو الآخر أي نجاح يُذكر.
وجنوباً من طريق "اكافيش"، حدث أمر ملفت للنظر، فقد تمكنت عناصر الاستطلاع المدرعة، بقيادة المقدم " يوآف " من الوصول إلى أقصى الغرب على طريق ليكسيكون، شمال البحيرات المرة، دون أن يواجه بأي مقاومة من المصريين، واكتشفت منطقة غير مغطاة بالنيران، ولا يراقبها المصريون تسمح ببدء أي هجوم دون أي مواجهة، كانت تلك نقطة حاسمة في تاريخ المعارك بعد ذلك.
على الفور اتصل شارون، بالجنرال جونين، واقترح عليه أن يترك وحدة الاستطلاع في هذه المنطقة، لكي تقوم بالأعداد للعبور من هذا القطاع في الصباح التالي. لم يوافق رئيس الأركان على هذه الفكرة، وأمر بعودة وحدة الاستطلاع إلى منطقة " كيشوف "، ولكن شارون لم ينفذ ذلك، ومرة ثانية، حاول إقناع جونين بأن فرصة ذهبية يمكن استغلالها، ولكن رئيس الأركان لم يقتنع بالفكرة وأمر بعودة الوحدة مرة أخرى، واضطر شارون لإصدار الأوامر بعودة وحدته، إلا أنها لم تعُد إلا في صباح اليوم التالي.
كان على المصريين في ذلك اليوم أن يستمروا في تطوير هجومهم، حتى الوصول برأس الكوبري إلى طريق عرضي " المدفعية "، والتقدم على طريق الخليج صوب رأس سدر، ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق تقدم يذكر على محور الطريق الأوسط وجنوباً في الوقت الذي حققوا فيه عدة نجاحات بالقطاع الجنوبي.
أمّا قوات ماندلر فقد أصبحت وبعد إمدادها ببعض الدبابات، مكونة من 145 دبابة، موزعة على محوري متلا والجدي على الطريق العرضي وعلى مدخل الممرين كنسق ثاني للجبهة. وقد صدت كل محاولات المصريين للهجوم تجاه ممر الجدي، ولكنهم حققوا نجاحاً في قطاع متلا، فلقد وقع لواء "دان" تحت تأثير هجوم ثقيل من الفرقة السابعة المشاة المصرية وبالرغم من قيام "دان" بتدمير 20 دبابة مصرية، إلا أن المصريين تمكنوا من الاستيلاء على الأرض المرتفعة في منطقة الكثيبات الجنوبية والاستيلاء على الطريق العرضي الرقم 3 (Lateral Road) بالقرب من موقع (نوتسا) Notsa على محور متلا.
وفي الساعة الثانية ظهراً، تمكنت القوة الإسرائيلية المدافعة عن رأس سدر، وهي قوة من المظلات، من إيقاف تقدم القوة المصرية التي دفعتها القيادة المصرية تجاه رأس سدر محدثة فيها العديد من الخسائر، في الوقت الذي قام فيه الطيران الإسرائيلي بمهاجمة هذه القوة مما زاد من حجم خسائرها، فتوقفت وفقد قائدها السيطرة على قواته التي تبعثرت في كافة الاتجاهات.
نتائج قتال يوم 9 أكتوبر 1973:
نجحت القوات الإسرائيلية في إيقاف هجوم القوات المصرية، وصدها، حيث لم تنجح في كسب أرض جديدة، حتى نهاية الحرب، رغم هجمات المصريين اليومية، وتمكنت القوات الإسرائيلية من التعامل مع المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، باستخدام ستائر الدخان، والنيران الكثيفة للمدفعية، وبذلك استطاعت تقليل تأثير الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.
د. يحي الشاعر