ثانيا: مصر مقطوعة جغرافيا عن القسم الرئيسى (الشرقى) من الشرق الأوسط. فالبحر الأحمر يحدها من الشرق والجنوب، والبحر المتوسط يحاصرها من الشمال.
ولكى يحدث الترابط البرى غير المتاح، ستسمح تل أبيب للقاهرة بشق نفق يربط بين مصر والأردن. ويبلغ طول هذا النفق حوالى ١٠ كم، ويقطع الطريق من الشرق للغرب (على بعد ٥ كم من إيلات)، ويخضع للسيادة المصرية الكاملة، والحركة من مصر إلى الأردن (وبعد ذلك شرقا وجنوبا للسعودية والعراق) ستتم بدون الحاجة للحصول على إذن من إسرائيل.
ثالثا: بين الميناء الجوى الجديد فى غزة الكبرى والميناء البحرى الجديد هناك، وكلاهما على ساحل المتوسط، وحتى هذا «النفق المصرى - الأردنى» فى الجنوب، سيتم مد خط سكك حديدية، وطريق سريع، وأنبوب نفط (وتسير هذه الخطوط داخل الأراضى المصرية بمحاذاة الحدود مع إسرائيل).
وتعبر هذه الخطوط الثلاثة النفق إلى الأردن، ثم تتشعب باتجاه الشمال الشرقى لتغذى كل من الأردن والعراق، وإلى الجنوب، باتجاه السعودية، ودول الخليج.
وهذا الربط كما سيتضح هنا فى البند السابع من الخطة، له فوائد اقتصادية هائلة. فالمكاسب المصرية واضحة وضوح الشمس، لأن القاهرة ستحصل على نصيبها من الجمارك والرسوم مقابل كل «حركة» تتم بين الأردن والعراق ودول الخليج فى اتجاه ميناء غزة. وذلك لأن الطريق التجارى كما أوضحنا يمر بالأراضى المصرية.
رابعا: تعانى مصر من مشكلة مياه تتفاقم يوما بعد يوم. وهناك زيادة مطردة فى أعداد السكان، ومصادر المياه العذبة فى تناقص مستمر. وبناء على ذلك فإن الدولة التى يعتمد ٥٠% من سكانها على النشاط الزراعى لن تتمكن من الحفاظ على بقائها واستمرارها بعد جيل أو جيلين بدون إيجاد حل مبدئى لأزمة المياه.
ويتطلب الأمر، ضخ استثمارات هائلة فى مجال تحلية وتنقية المياه. ويتطلب هذا المجال الحصول على خبرات تكنولوجية متقدمة جدا، وتوفير رؤوس أموال بالمليارات. وتفتقر مصر لهذين العنصرين. لذلك، فمقابل «الكرم» المصرى، سيقرر العالم ضخ استثمارات كبرى فى مصر فى مشروعات ضخمة لتحلية وتنقية المياه، وذلك عبر البنك الدولى ومؤسسات مشابهة.
خامسا: منح اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى الموقع سنة ١٩٧٩، لمصر ميزات كثيرة، لكنه اضطرها أيضا لقبول تقييدات قاسية فيما يتعلق بنشر قواتها العسكرية فى سيناء. وأحد المكاسب التى ستحققها مصر مقابل التنازل عن قطاع من أراضيها للفلسطينيين، هو موافقة إسرائيل على إجراء «تغييرات محددة» فى الملحق العسكرى من اتفاقية السلام.
وهذه خطوة لا غنى عنها لمساعدة القيادة السياسية المصرية فى مواجهة الرأى العام الداخلى بهذا التبرير: نحن تنازلنا، حقا، عن نسبة ١% من أراضى سيناء، لكن هذا التنازل سمح لنا، بعد ٣٠ عاما، أن نبسط سيادتنا على ٩٩% من مساحتها بصورة كاملة.
سادسا: مصر مثل دول كثيرة فى المنطقة، معنية بالحصول على القدرة النووية (لأغراض سلمية). وجزء من التعويضات التى ستحصل عليها مصر، سيتمثل فى موافقة الدول الأوروبية (خاصة فرنسا) على بناء مفاعلات نووية فى مصر لإنتاج الكهرباء.
سابعا: اتفاق السلام الذى تطرحه هذه الخطة سيضع نهاية لصراع استمر ١٠٠ عام بين إسرائيل والدول العربية. ولن يشك أحد فى أن هذا الاتفاق لم يكن ليحدث لولا مباركة الرئيس المصرى.
ومن هنا يصبح طريق الرئيس المصرى للحصول على جائزة نوبل للسلام مفروشاً بالورود، كما تحتفظ القاهرة بحقها فى الدعوة لمؤتمر سلام دولى فى مصر، وتستعيد، دفعة واحدة، مكانتها الدولية المهمة التى تمتعت بها قبل عام ١٩٦٧.
مكاسب الأردن
الأردن هى الرابح الأكبر من هذه التسوية، كما أنها غير مطالبة بدفع أى ثمن لقاء ذلك، على الرغم من أنها قد تتذمر من إزالة الحاجز الجغرافى والسياسى الذى تمثله إسرائيل، اليوم، بوجودها الجغرافى والسياسى بين عمان والقاهرة. لكن يمكن الإشارة لمكسبين كبيرين تحققهما الأردن فى إطار هذه الخطة:
أولا: منظومة الطرق، والسكك الحديدية، وأنبوب النفط، ستربط الميناء الدولى فى غزة الكبرى عبر النفق المصرى الأردنى بدول الخليج. وهكذا تحصل الأردن، مجانا، على إطلالة مثمرة على البحر المتوسط (ميناء غزة) ومن ثم تحقق تواصلاً مازال مقطوعا مع أوروبا.
أضف إلى ذلك أن الجزء الشرقى من النفق هو «عنق الزجاجة» الذى تتجمع فيه حركة البضائع القادمة من أوروبا ومتجهة إلى العراق والخليج. الأمر الذى يمنح الأردن ميزات اقتصادية واستراتيجية عظيمة.
ثانيا: الأردن منزعجة جدا من المشكلة الديموغرافية داخل أراضيها، فأغلبية سكان المملكة من أصول فلسطينية، وأعدادهم فى تزايد مستمر. وهذه الظاهرة تستفحل طالما أن حياة الفلسطينيين فى الأردن أكثر راحة وسهولة من حياتهم فى الضفة وغزة.
لكن فى اللحظة التى ستقام فيها مدينة «غزة الكبرى»، والميناء والمطار الجديدان، ستنشأ فرص عمل وفيرة، وتنقلب الآية، ويفضل الفلسطينيون من أصول غزاوية (أعدادهم فى الأردن تصل لحوالى ٧٠ ألف نسمة) العودة إلى «بيتهم»، شأنهم شأن عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فى الضفة والأردن نفسها.
المكاسب الإسرائيلية
عندما نقارن هذه التسوية بالحل «العادى» القائم على فكرة «دولتين لشعبين داخل الأراضى الفلسطينية» نكتشف أربع مميزات للتسوية الجديدة، يمكن عرضها كالتالى:
أولا: الأراضى التى ستحتفظ بها إسرائيل فى الضفة (حوالى ١٢%) أكبر بكثير من المساحة التى يمكن أن تحصل عليها فى الحل «العادى». والـ ١٢% هى المساحة التى وصفها ايهود باراك عندما سافر لمؤتمر كامب ديفيد ٢٠٠٠، بالمساحة الحيوية للحفاظ على المصالح الإسرائيلية.
كما أن الخطة الرئيسية لبناء الجدار العازل احتفظت لإسرائيل بـ ١٢% من أراضى الضفة. غير أن ضغوط المحكمة العليا فى إسرائيل حركت الجدار غربا، واحتفظت إسرائيل داخل الجدار بـ٨% فقط من المساحة التى تحتاجها.
والواقع أن مساحة الـ ١٢% ستسمح لإسرائيل بتقليص دراماتيكى فى أعداد المستوطنين الواجب إخلاؤهم من الضفة، فيتقلص العدد من ١٠٠ ألف مستوطن إلى ٣٠ ألفا فقط.
بالإضافة إلى أن هذه المساحة ستسمح لإسرائيل بالاحتفاظ داخل حدودها بأماكن دينية ذات أهمية تاريخية وروحانية مثل مستوطنتى عوفرا، وكريات أربع. وتضمن الاحتفاظ بمستوطنة أريئيل داخل إسرائيل، وتوفير الأمن لسكانها.
ثانيا: هذا التقسيم المتوازن للأراضى بين غزة والضفة يمنح الدولة الفلسطينية فرصاً كبيرة جدا للاستمرار والنمو، وبهذا يمكن الوصول إلى تسوية سلمية مستقرة وغير معرضة للانهيار.
ثالثا: مشاركة الدول العربية، خاصة مصر والأردن، فى الحل يمثل دلالة إيجابية، ويخلق ثقة أكبر فى الحفاظ على الاتفاقية وعدم نقضها.
رابعا: هذه التسوية الإقليمية لا تنفى ضرورة توفير «معبر آمن» بين غزة والضفة، لكنها تقلل من أهميته، وتقلص حجم الحركة فيه. فيبقى «المعبر الآمن» سبيلا للتنقل بين الضفة والقطاع، لكن غالبية حركة البشر والبضائع بين غزة والعالم العربى ستنطلق عبر منظومة الطرق ووسائل المواصلات الجديدة التى تربط غزة الكبرى بالعالم.
يتبع ..........................