الضباط الأحرار وخلاياهم وعبدالناصر
|
اقتباس |
|
|
|
|
|
|
|
|
....
....
الخلية الأولى للضباط الأحرار: (لجنة القيادة أو اللجنة التأسيسية)
عُقد الاجتماع الأول للخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار، في بيت عبدالناصر، بكوبري القبة، في شهر يوليه عام 1949، وحضره جمال عبدالناصر، وعبدالمنعم عبدالرؤوف، وكمال الدين حسين، وحسن إبراهيم، وخالد محيي الدين، وبدأ جمال عبدالناصر بالحديث وقال: "أنا معايا عبدالحكيم وأنتم طبعاً عارفينه لكنه لم يستطع الحضور اليوم، وتحدث طويلاً عن مغزى مقابلته مع إبراهيم عبدالهادى، وكيف أنه أصبح من المحتم علينا، أن نفعل شيئاً وأن ننظم أنفسنا، وقال: كل واحد منا يشتغل، ويحاول يكون مجموعة في سلاحه، وهكذا يمكن أن نصبح قوة منظمة، وقادرة على فعل شيء.
يقول خالد محيي الدين:
"اتفقنا على أن نلتقي في اجتماعات متقاربة، واتفقنا على أن يعمل كل منا، في سلاحه، لتجميع عدد من الضباط. وكنا نحن الخمسة موزعين على أسلحة مختلفة: جمال: مشاة، عبدالمنعم عبدالرؤوف: مشاة، كمال الدين حسين: مدفعية، حسن إبراهيم: طيران، خالد محيي الدين: فرسان. وتحدثنا عن أهمية الحيطة، وتداولنا في بعض الإجراءات الأمنية البسيطة، والحقيقة أن جهاز أمن الجيش كان بسيطاً هو كذلك، ومن ثم فقد قمنا بنشاطنا، بكم من الحيطة يتلاءم مع بساطة أجهزة الأمن في الجيش.
وكانت اجتماعاتنا في الخلية الأولى، التي أصبحت تسمى "لجنة القيادة"، تتم أسبوعياً أو كل أسبوعين، وكان كل منا يتحدث، من دون إفصاح عن الأسماء، عن الاتصالات، التي قام بها، ومن تم تجنيده من الضباط، وأحياناً كنت أحكي لجمال عبدالناصر، بشكل منفرد، عن اتصالاتي، وعن الضباط الذين قمنا بتجنيدهم في السلاح.
وبعد عدة اجتماعات كان لدينا تنظيم، وأنا معي في الفرسان مجموعة لا بأس بها، وكمال الدين حسين في المدفعية، وجمال عبدالناصر في المشاة، وحسن إبراهيم في الطيران. الوحيد الذي لم يضم أحداً إلى التنظيم هو عبدالمنعم عبدالرؤوف، فقد كان معنا، لكنه مع الإخوان المسلمين بأكثر مما هو معنا، وكان مجهوده الأساسي مكرساً لهم، وليس لنا، وربما ظل معنا بأمل أن يعيدنا إلى حظيرة الإخوان، أو أن يبقى كرأس حربة داخلنا، لصالح الإخوان.
وبعد هذا الاجتماع مباشرة التقى خالد محيي الدين بثروت عكاشة وكان من الفرسان، كان منتدبا لإدارة التدريب الحربي، ووافق على الانضمام لتنظيم الضباط الأحرار، على الفور، وبعد ذلك اتصل خالد بعثمان فوزي، وكان في الخيالة، وهي تابعة لسلاح الفرسان، وكان شيوعياً، ووافق على الانضمام لتنظيم الضباط الأحرار، مع بعض التحفظات. وكان اتصال خالد بعثمان فوزي بداية للتوسع الحقيقي، فقد قام على الفور بتجنيد ثلاثة ضباط من سلاح الفرسان: فاروق توفيق، عفت عبدالحليم، وعثمان الكتبي وقد تصرف عثمان فوزي بذكاء وأمانة في آن واحد، فلم يحاول أن يدخل إلى التنظيم أياً من الضباط الشيوعيين، بل أتى بضباط وطنيين عاديين. وهكذا أصبح عدد الفرسان في تنظيم الضباط الأحرار ستة ضباط.
ثم اتصل خالد محيي الدين بجمال منصور من الفرسان، كان يعمل مع خالد، في إدارة التدريب الجامعي، ووافق على الانضمام، مع مجموعته وعندما عرض خالد محيي الدين موافقة جمال منصور على الانضمام، بمجموعته، على جمال عبدالناصر، رفض وقال: من يريد أن ينضم إلينا كفرد وإلا ستأتي إلينا المجموعات الأخرى، كالحرس الحديدي، ويطلبون الوحدة معنا، وتبدأ خلافات داخلية، ومشكلات وننتهي إلى الفشل. وتمكن خالد من إقناع جمال منصور بأن ينضم، مع من يشاء، لتنظيم الضباط الأحرار، ولكن على أساس فردي. وانضم جمال منصور إلى مجموعة خالد محيي الدين، (خلية خالد) وانضم معه نصير وكفافي، من مجموعته القديمة.
وتمكن خالد محيي الدين من ضم آمال المرصفي، وسامي ترك. وعن طريق الأخير، تعرف خالد على اثنين من أهم الضباط، الذين لعبوا دوراً كبيراً في بناء تنظيم الضباط الأحرار، في سلاح الفرسان، وهما توفيق عبده إسماعيل، وأحمد إبراهيم حموده. وفي ليلة 23 يوليه تمكنت الثورة، عن طريقهم، من السيطرة على الآلاي الأول مدرع، في سلاح الفرسان. وفي فترة وجيزة، تمكن خالد محيي الدين، ورفاقه، من إقامة تنظيم جيد في سلاح الفرسان، على الرغم من عدم وجود لجنة قيادية في السلاح، وإنما كان خالد محيي الدين يتصل بالضباط بشكل فردي.
ويقول خالد محيي الدين: "وبدأ تنظيم الضباط الأحرار يفتح أبوابه للشيوعيين، من أعضاء حدتو، وانضم إلينا عدد لا بأس به، منهم: محمود المناسترلي، والدكتور القويسني، وصلاح السحرتي، وجمال علام، وأمال المرصفي، وأحمد قدري (رئيس هيئة الآثار فيما بعد) وغيرهم، أما عثمان فوزي فقد كان أحد مؤسسي "مجموعة الضباط الأحرار" في سلاح الفرسان، واندمج هؤلاء الضباط في مجموعات التنظيم، وأسهموا إسهاما كبيرا في عملنا، وخاصة في توزيع المنشورات بالبريد، كذلك أسهمت "حدتو"، فيما بعد، في طباعة منشورات "الضباط الأحرار" كما أسهم ضباطها، إسهاماً نشيطاً وفاعلاً، معنا ليلة 23 يوليه عام 1952
واستمرت علاقتي مع أحمد فؤاد، وكان جمال عبدالناصر يلتقي معنا لنتناقش طويلا في التطورات السياسية وموقفنا منها. وازداد إعجاب جمال عبدالناصر بأحمد فؤاد، لكنه لم يفكر أبدا في الانضمام "لحدتو"، ليس بسبب أية حساسية سياسية، وإنما لأنه لم يكن يريد لمنظمته أن تخضع لأي تأثير من خارجها.
وقد أطلق على الخلية الأولى للضباط الأحرار اسم "اللجنة التأسيسية"، وتشكلت، كما سبق الإشارة، من خمسة ضباط، ذوي ميول سياسية مختلفة، مع أنهم بدأوا جميعاً في ساحة الإخوان المسلمين. ولم يكن قد أُطلق على هذه اللجنة اسم "الضباط الأحرار" بعد، كما أنه لم يكتمل الشكل التنظيمي إلا مع مطلع عام 1951، عندما زاد عدد أعضاء اللجنة التأسيسية.
اتساع التنظيم
في أوائل عام 1951، اتسع التنظيم، بصورة غير متوقعة، الأمر الذي دفع جمال عبدالناصر إلى المطالبة بتوسيع "لجنة القيادة أو اللجنة التأسيسية"، فقد زادت الأعباء، واتسع النشاط، وأصبح التنظيم بحاجة إلى متابعة نشاط مجموعات متعددة، في مناطق كثيرة، وأسلحة مختلفة، واقترح جمال عبدالناصر أن ينضم للجنة القيادة عبدالحكيم عامر، صديقه القديم، وأبلغ الخلية الأولى، منذ اجتماعها الأول، أنه معها، وأنه لا يخفي عنه شيئاً.
وكان عبدالحكيم عامر، في هذه الفترة، أركان حرب فرقة مشاة، وكان هذا الموقع مغرياً لأهميته في أي تحرك كذلك، فقد كانت اللجنة تعرفه، وتعرف فيه إخلاصه، وذكاءه ودهاءه في آن واحد. ووافقت اللجنة على ضم عبدالحكيم عامر. وبعد ذلك، بأسبوعين، أو أكثر قليلاً، نُقل كمال الدين حسين إلى العريش، واقترح جمال عبدالناصر ضم صلاح سالم إلى "لجنة القيادة"، ليواصل العمل، بين ضباط المدفعية، ولو أنه كان، في ذلك الحين، يعمل بالكلية الحربية، وقبلت اللجنة ضمه.
وفي الوقت نفسه، طلب حسن إبراهيم ضم عبداللطيف البغدادي إلى القيادة، خاصة وأنه أقدم منه، وله نفوذ سياسي واسع، داخل سلاح الطيران، وهو من أوائل الضباط، الذين لعبوا دوراً أساسياً، ووطنياً، في صفوف الطيران، ووافقت اللجنة.
وبهذا أصبحت "لجنة القيادة" مكونة من: جمال عبدالناصر حسين، عبدالحكيم عامر، حسن إبراهيم، عبدالمنعم عبدالرؤوف، صلاح سالم، عبداللطيف البغدادي، كمال الدين حسين، خالد محيي الدين.
ويذكر خالد محيي الدين: "لكن العلاقات بدأت تتعثر مع عبدالمنعم عبدالرؤوف؛ فقد أخذ يلح علينا بضرورة الالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين، وكانت حجته، في ذلك، أن حركتنا بحاجة إلى قوة دفع من جماعة سياسية قوية، تساندها، وتحمي ضباطها، في حالة وقوع أية عمليات قبض، أو فصل من الخدمة، أو ما إلى ذلك، ورفضنا طلبه بالإجماع؛ فبدأت علاقته بنا في التعثر، وانقطع تقريباً عن حضور اجتماعات "لجنة القيادة"، وساعد على ذلك أنه نقل إلى غزة.
ثم طلب جمال عبدالناصر ضم أنور السادات للحركة، لما له من خبرة سابقة، في الأنشطة السياسية، ربما نحتاج إليها، وفعلاً تم ضمه إلى الحركة، وإلى "لجنة القيادة". والغريب في الأمر أن جمال أسر لي، بعد فترة وجيزة، أنه يشك في السادات، وأنه كسول، ولا يقدم للحركة شيئاً، فسألته: لماذا ضممته إذن؟ فأجاب: لأنه مصدر مهم للمعلومات، فهو على علاقة بيوسف رشاد، وبمستر سمسون، السكرتير بالسفارة البريطانية، وكان سمسون هذا ممثل المخابرات البريطانية، في مصر، في زمن الحرب العالمية الثانية، وكان أنور السادات يعرفه منذ حادث القبض عليه هو وحسن عزت عام 1942، وسألت عبدالناصر: ألا تخشى من السادات؟. فقال ربنا يستر، بس لازم نبقى صاحيين.
ومع اتساع نشاط الضباط الأحرار كان من الضروري أن يعيد تنظيم الضباط الأحرار أنفسهم، وشكلوا لجان لمناطق القاهرة، رفح، الإسكندرية، وكل لجنة تمثل فيها الأسلحة المختلفة، وفي الوقت نفسه، كانت هناك لجنة قيادية، في كل سلاح. أي كان هناك محوران للقيادة: لجنة للمنطقة، ولجنة للسلاح.
ويروي خالد محيي الدين قصة انضمام حسين الشافعي إلى الضباط الأحرار، فيقول: "أثناء زيارة لإدارة الجيش قابلت حسين الشافعي، وكان يعمل بها، وكنت قد تعرفت عليه، أثناء عملنا مع الإخوان المسلمين، وفتح حسين معي موضوع منشورات "الضباط الأحرار"، وأبدى إعجابه الشديد بها، وبشجاعة الذين يصدرونها، ولم أقل له شيئاً خاصة أنه كان من الضباط، الذين يهتمون كثيراً بالانضباط العسكري، وكان أعلى رتبة منى (كنت يوزباشياً، بينما كان بكباشياً)، وطلبت من جمال أن يفاتحه هو، أو ثروت عكاشة، خاصة وإن ثروت، كان صديقاً لحسين الشافعي، وكان جاراً له في السكن، وقبل حسين الشافعي الانضمام إلينا، وأبلغه جمال عبدالناصر أنني مسؤول مجموعة سلاح الفرسان، ولكنني حرصت طوال علاقتي به على منحه إحساساً بأنه ذو مكانة خاصة.
وهكذا تـكونت قيادة سلاح الفرسان من: حسين الشافعي، ثروت عكاشة، عثمان فوزي، وخالد محيي الدين.
ثم اختير حسين الشافعي ليمثل سلاح الفرسان، في لجنة منطقة القاهرة، التي كانت تضم جمال عبدالناصر، زكريا محيي الدين (وكان عبدالناصر قد ضمه إلى الحركة، قبل حوالي ثلاثة أشهر)، والطحاوي، ومجدي حسنين، وأمين شاكر، وعلي مطاوع، وحسين الشافعي، وخالد محيي الدين.
وفي بعض الأحيان، كان حسن إبراهيم يحضر اجتماعات هذه اللجنة. ثم انضم رشاد مهنا إلى لجنة القاهرة، بعد إلغاء معاهدة عام 1936، وكان رشاد قد اتصل بعبدالناصر، الذي أحس أنه يمتلك تطلعات قيادية، فلم يخبره بوجود "لجنة القيادة"، واكتفى بضمه إلى لجنة القاهرة، ولعل رشاد تصور لفترة أن هذه اللجنة هي قيادة الحركة. وكان رشاد مهنا شخصية لها احترام واسع في الجيش، وله علاقات واسعة، ومن ثم فقد كان هو، وعبدالناصر، كل منهما ينظر إلى الآخر، في حذر بالغ، وكان لرشاد مهنا نفوذ في سلاح المدفعية، ولهذا كان عبدالناصر حريصاً على ضمه إلينا، والتعاون معه، دون أن يطلعه على مجمل نشاطنا.
....
....
- يتبع - |
|
|
|
|
|
د. يحي الشاعر