دور الجيش السوري في تحقيق الوحدة مع مصر
في إثر إزاحة نظام الشيشكلي في 25/2/1954، واشتراك بعض الضباط من أصحاب الرتب الصغيرة في عملية الإطاحة به، بدأت هذه الفئة من الضباط بالوصول إلى مناصب القيادة على مستوى السرايا والكتائب، وهذا ما أعطى هؤلاء أهمية كبرى في توجهات الجيش، وفي تنامي هذه التوجهات بمنأى عن الأهواء السياسية لزعماء الأحزاب. وكان أغلب هؤلاء الضباط من أبناء الدورتين الأولى والثانية في الكلية العسكرية بعد الاستقلال (1945- 1947 و1946 - 1948) ولذا كانوا يعرفون بعضهم جيداً بشكل وثيق، وهذا ما سهَّل تعاونهم واندماجهم في كتلة واحدة ضمَّت 24 ضابطاً منهم أخذت اسم «مجموعة الضباط»، وقد لعبت هذه المجموعة دوراً في توجهات الجيش منذ أواسط عام 1955. (ضمت هذه المجموعة حسب رواية واحد من أعضائها:
العقيد عفيف البزري
والعقيد أمين النفوري
والمقدمين: عبد الحميد السراج،
مصطفى حمدون،
طعمة العودة الله،
أحمد عبد الكريم،
بشير صادق،
أكرم ديري،
جادو عز الدين،
إبراهيم فرهود،
أحمد حنيدي،
محمد أمين الحافظ،
محمد النسر،
عبد الغني قنوت،
لؤي الشطي،
زهير عقيل،
ياسين فرجاني،
جاسم علوان،
عبد الله جسومة،
حسين حدة،
غالب شقفة،
بكري الزوبري،
جمال الصوفي،
مصطفى رام حمداني).
وفي عام 1956، وبعد أحداث العدوان الثلاثي، اختير نصف هؤلاء ليشكلوا مجلس عُرف بـ «مجلس القيادة»، وكان أعضاء هذا المجلس هم :
العقيد عفيف البزري،
العقيد أمين النفوري،
المقدم أحمد عبد الكريم،
المقدم مصطفى حمدون،
المقدم محمد أمين الحافظ،
المقدم عبد الغني قنوت،
المقدم طعمة العودة الله،
المقدم أحمد جنيدي،
المقدم حسين حدة،
المقدم ياسين الفرجاني،
المقدم بشير صادق،
المقدم محمد النسر،
المقدم مصطفى رام حمداني.
وقد لعب هذا المجلس دوراً أساسياً في جميع الأحداث العسكرية والسياسية التي جرت في سورية عام 1957، وعلى سبيل المثال فإن اللواء توفيق نظام الدين حين اتخذ قراراً بنقل المقدم عبد الحميد السراج من رئاسة الشعبة الثانية إلى القاهرة كملحق عسكري، حرّك هذا الأخير مجلس القيادة فقام بعض أعضائه بأعمال عصيان في معسكرات قطنا، أضطر على أساسها اللواء نظام الدين إلى إلغاء أمر النقل، وإعادة عبد الحميد السراج إلى الشعبة الثانية، ثم إلى تقديم استقالتهمن منصبه ليخلفه العقيد عفيف البزري الذي رفع إلى رتبة لواء بعد ذلك.
ـ يضاف إلى ذلك أن بعض ضباط «مجلس القيادة» ومجموعة«الضباط كانوا يعودون في أصولهم إلى الطبقات الشعبية الفقيرة أو المتوسطة، وهذا ما جعلهم يتعاطفون مع مبادئ (حزب البعث العربي الاشتراكي)، لتوافق مبادئه على تطلعاتهم، ولهذا لم يكن غريباً أن «أظهر الجيش السوري تأييده الحاسم لمطلب الوحدة الكاملة، بسبب النضال النشيط الذي قام به حزب البعث داخل الجيش من جهة، والسعي الصادق للضباط الوطنيين وجماهير الجنود نحو الوحدة من جهة أخرى».
والحقيقة أن الوحدة مع مصر لم تكن غاية قومية لأفراد الجيش فقط بل كانت هدفاً من أهداف الشعب السوري بكامله: ففي 28 حزيران 1957 وقع أكثر من 3000 طالب جامعي على عريضة طالبت مجلس النواب بإقامة وحدة فورية مع مصر، وفي 5 تموز أعلن رئيس الوزراء صبري العسلي عن تشكيل لجنة وزارية مهمتها القيام بمفاوضات مع مصر من أجل الوحدة، وقد أيد (مجلس النواب) قرار الحكومة.
وكانت الرغبة نفسها موجودة لدى أعضاء (مجلس الأمة) في مصر، وقد عبر عنها المجلسان على لسان ممثليها في الجلسة التاريخية المنعقدة في 18 تشرين الثاني 1957، والتي انتهت إلى وضع مذكرة تحدد شكل الوحدة بأنها «اندماجية لها دستور واحد، ورئيس واحد، وسلطتان تشريعيتان وتنفيذيتان موحدتان، وقائد أعلى للقوات المسلحة ومجلس دفاع أعلى».
ويبدو أن الضباط أعضاء «مجلس القيادة» لم تقنعهم طروحات السياسيين بإقامة «اتحاد فيدرالي» بين القطرين يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل قطر، فلقد كانوا يتطلعون إلى وحدة اندماجية فورية لها رئيس واحد هو الرئيس جمال عبد الناصر، بعد أن «ألفت بين قلوبهم فكرة واحدة، وهم الذين أبهرتهم انتصارات عبد الناصر واحتكوا أكثر من غيرهم بالجيش المصري من خلال القيادة المشتركة، وهي التوجه إلى القائد الأعلى عبد الناصر لرجائة إعلان الوحدة مع سورية فوراً».
وهكذا قرر أعضاء مجلس القيادة أن يتخذوا المبادرة بأنفسهم بأن يسافر وفد منهم إلى مصر ويعرض إقامة وحدة اندماجية فورية بين الجيشين وبين الشعبين وبالشروط التي يرضى عنها الرئيس عبد الناصر، وكان قرارهم هذا بتاريخ 11/1/1958، وفي الساعة الواحدة من صباح 12/1/1958 توجهت طائرة من مطار المزة العسكري بدمشق، وهي تحمل أربعة عشر ضابطاً أغلبهم من أعضاء (مجلس القيادة)، (وهم: عفيف البزري، مصطفى حمدون، عبد الحميد السراج، أكرم ديري، حسين حدة، جمال الصوفي، بشير صادق، محمد النسر، محمد أمين الحافظ، أحمد حنيدي، طعمة العودة الله، نور الله الحاج إبراهيم، ياسين فرجاني، عبد الغني قنوت). وقد قابل الوفد الرئيس عبد الناصر، الذي قبل طلباتهم وشكل لجنة مصرية - سورية للاتفاق على الخطوط العامة لدولة الوحدة(ضمت هذه اللجنة عشرة أشخاص هم: عفيف البزري، بشير صادق، مصطفى حمدون، أكرم ديري، حسين حدة، عبد الغني قنوت من الجانب السوري والمشير عبد الحكيم عامر، عبد اللطيف البغدادي، أنور السادات، خالد محي الدين من الجانب المصري).
وفي دمشق قابل العقيد أمين نفوري معاون رئيس الأركان كلاً من أكرم الحوراني رئيس مجلس النواب، وصبري العسلي رئيس مجلس الوزراء، وخالد العظم وزير الدفاع، وقدم لهم مذكرة عن الأسباب التي دفعت (مجلس القيادة) لتجاوز الحكومة وطلب تحقيق الوحدة مع عبد الناصر شخصياً(72)، ولم يجد مجلس الوزراء حلاً أفضل من قبول الواقع، وإرسال وزير الخارجية الأستاذ صلاح الدين البيطار لكي يلحق بالوفد إلى القاهرة. نص المذكرة الموجهة من قيادة الجيش إلى الحكومة السورية
وفي 20 كانون الثاني 1958 أعلنت صحيفة الأهرام القاهرية «أن قراراً تاريخياً قد اتخذ بعد اجتماع طويل تم بين عبد الناصر وكل من البيطار وعفيف البزري»، ونقلت الأهرام عن البيطار قوله: «تم الاتفاق على شكل ومحتوى الاتحاد العضوي بين مصر وسورية».
وفي 30 كانون الثاني من العام نفسه بدأت الخطوات التنفيذية الأولى لقيام الوحدة حيث انتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي ومجلس الوزراء ومجموعة من الضباط إلى القاهرة تمهيداً لإعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة، وفي اليوم نفسه صدرت مجلة «الجندي» التي تعبر عن الرأي الرسمي لقيادة الجيش، لتقول وبالحرف الواحد: «رئيس واحد، سلطة تشريعية واحدة، جيش واحد، أي دولة تضم مصر وسورية اليوم والشعب العربي كله غداً».
وفي 22 شباط 1958 جرى الاستفتاء في سورية ومصر على انتخاب رئيس الجمهورية ومنحه صلاحية إصدار الدستور المؤقت، وجاءت نتيجة الاستفتاء بفوز الرئيس جمال عبد الناصر بأغلبية مطلقة، وفي 5 آذار أعلن رئيس الجمهورية الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة، وأصدر في اليوم التالي مراسيم تشكيل أول وزارة لها، وبدأت صفحة جديدة في تاريخ سورية الحديث.
د. يحي ألشاعر