11 يوليه 2017 - 06:11 م
في إطار البحث في قضية مقتل الباحث الإيطالي المغدور "جوليو ريجيني" والذي تم اختطافه من جهة مجهولة قبل أشهر طويلة ، قبل أن يتم العثور على جثته في أول الطريق الصحراوي للاسكندرية ، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي وفدا من مجلس الشيوخ الإيطالي ، حيث أكد لهم أن الدولة المصرية تعمل بكل جد واهتمام للكشف عن قتلة ريجيني وتقديمهم للعدالة ، وأن هذا الموضوع يحظى باهتمام الدولة والرئاسة ، وبطبيعة الحال فإن هذا الكلام لا يحظى بأي ثقة في الجانب الإيطالي الذي ألمح إعلامه أكثر من مرة إلى شكوكه في تورط جهات رسمية مصرية في تعذيب وقتل الباحث الإيطالي ، وزادت الأمور سوءا بعد إعلان الشرطة قتل خمسة من المتهمين بالتورط في اغتيال ريجيني ، وإبادتهم بالكامل في ميكروباص كانوا يستقلونه بضواحي القاهرة ، وأن الشرطة عثرت على متعلقات الباحث الإيطالي في بيوت بعضهم بما في ذلك جواز سفره ، قبل أن يعلن النائب العام المصري بعد ذلك عدم صحة التهمة ، وأن المجموعة التي تم قتلها لا صلة لهم بقضية ريجيني من قريب أو بعيد ، وأصبح السؤال البديهي بعدها : فمن الذي وضع عندهم أوراق ريجيني وجواز سفره الذي تم تصويره ونشره في مختلف الصحف المصرية ، كما كان السؤال المتكرر في وقائع مشابهة متكررة : ألم يكن ممكنا أن يبقى متهم واحد منهم حيا أو مصابا حتى يكون شاهدا على ما جرى ، هل لا بد أن يموتوا جميعا ؟.
إيطاليا تهتم بمصير مواطنها ، وهذا يضاف إلى قيمة الدولة هناك وفكرة المواطنة وقدسيتها ، ويزداد احترام العالم لهذا البلد ، لكن المشكلة ـ في المقابل ـ أن هناك خمسة مواطنين مصريين أبرياء قامت الشرطة بتصفيتهم فعليا ، واعترفت بالفعل بأنها قتلتهم عمدا بتهمة خطفهم ريجيني وتعذيبه وقتله ، ثم ظهر بعد ذلك أنهم أبرياء ، بشهادة النائب العام المصري نفسه ، جهة التحقيق الرسمية في مصر ، وبينما يظل ملف ريجيني حيا ، والسيسي يهتم به ، إلا أن أحدا في مصر ، لا السيسي ولا الجهات المعنية في الدولة ، تهتم بالمواطنين المصريين الخمسة الذين تم تصفيتهم من قبل جهة رسمية ، واعترفت الشرطة المصرية بأنها قتلتهم ، فما الذي تم في هذه "الجريمة" ؟ وهل وقع التحقيق فيها وسماع شهادات الشهود ، وما مصير القضية الآن ، هذا ما لا يمكنك أن تسمع عنه شيئا ، لا من الرئيس ولا من غيره ، رغم أنهم مواطنوه ، ولو من باب "الغيرة" الوطنية ، كان يفترض أن يهتم بشأنهم كما يهتم الإيطاليون بمواطنيهم ، على الأقل كان الرئيس يحاول أن يبرهن على صدقية الهتاف "تحيا مصر" ، وأن المصريين نور عينيه ، أما أن يذهب خمسة مواطنين مصريين أبرياء "فطيس" عيني عينك ، فهذا ما يجعل كل تلك الهتافات واللافتات بلا قيمة ولا أي صدقية .
مسألة التصفيات الجسدية أصبحت علامة واضحة لسلوكيات أمنية في المرحلة الحالية ، فهناك كل أسبوع تقريبا نسمع عن قيام الشرطة بتصفية عدد من الأشخاص ، اليوم كان واحدا ، وأول أمس كانوا خمسة عشر شخصا في الإسماعيلية ، وقبلهم اثنا عشر شخصا في القاهرة ومجموعة أخرى في الصعيد ، والحقيقة أن الأرقام كثيرة والوقائع أكثر من القدرة على إحصائها الآن ، فقد أصبحت ظاهرة خطيرة ، ويتم الإعلان الرسمي عن أن هؤلاء مجرمون أو قتلة أو إرهابيون أو أعضاء في تنظيمات متشددة ، والملاحظ أن الجميع يقتلون ، لا يتم القبض على شخص واحد فقط حي أو مصاب في المجموعة بحيث يكون شاهدا على ما جرى أمام أي جهة تحقيق ، الجميع ماتوا ، ودفن سرهم معهم ، من الذي قضى بأنهم قتلة ؟ من الذي حكم بأنهم إرهابيون ؟ من الذي أثبت أنهم أعضاء في منظمات متشددة خطيرة ؟ من الذي أثبت أنهم متورطون في أعمال خارجة عن نطاق القانون ؟ لم يعد أحد يهتم بهذه الأسئلة تقريبا ، كما أن أحدا لم يعد يعبأ بتقصي أي تحقيقات قضائية ، أو معرفة نتائجها ، أو سماع شهادة الشهود أو التحقيق مع القوة التي ينسب إليها تلك العملية ، ومن الممكن أن يكون بعضهم مجرما بالفعل ، ومن الممكن أن يكون بعضهم أبرياء مثل المواطنين الخمسة الذين أعلن أنهم متورطون في مقتل الباحث الإيطالي ، لكن التحقيقات اكتشفت كذب تلك الرواية وأنهم ذهبوا "فطيس" .
تجارب الشعوب علمتنا أن الحلول الأمنية إذا ابتعدت عن الحلول السياسية أو انفلتت من عقالها القانوني ، بحكم أنها جزء من دولة ، فإن نتائجها تأتي عكسية وتعقد الأمور أكثر وتغرق الوطن في المزيد من الدم ، كما أنها تبعث برسائل شديدة السلبية في كل اتجاه ، فهل نأمل في صحوة سياسية رسمية توقف مسلسل التصفيات الخطير هذا ، وتبحث في آليات أخرى أكثر نجاعة في عزل عناصر التطرف أو استيعابهم أو تجفيف منابعهم أو تقديمهم للعدالة ؟.
[email protected]
https://www.facebook.com/gamalsoultan1/
twitter: @GamalSultan1
https://goo.gl/GGsSGN