حرب أكتوبر 1973 من وجهة النظر الإسرائيلة
أعمال قتال يوم 12 أكتوبر 1973
خلال الليل فشلت محاولة الكوماندوز البحري للوصول عن طريق خليج السويس، إلى حصن اللسان (موقع لسان بورتوفيق) المحاصر من كل جانب، والذي يطل على بور توفيق ومدينة السويس، لقد ظل هذا الحصن يقاتل منذ بدء القتال يوم 6 أكتوبر 1973 تحت قيادة "شلومو أردي نست" وهو ملازم يبلغ من العمر 21 سنه، وكان معه 37 فرداً من بينهم كثير من الجرحى، وخمسة قتلى.
وخلال ليلة 11/12 أكتوبر 1973، تقرر القيام بجهد أخير لتخليص أفراد الحصن، بواسطة وحدة كوماندوز بحرية، باستخدام الزوارق، وبعد اقتراب رجال الكوماندوز من هدفهم، فتحت المدفعية المصرية نيران كثيفة عليهم من كل جانب، وأصابت الشظايا العديد من الزوارق. كان لاكتشاف العملية مبكراً، أثره في الخسائر العديدة التي لحقت بالكوماندوز البحرية ومن ثم صدرت الأوامر بالإسراع بالعودة وإلغاء العملية.
في المقابل، وفي نفس اليوم استسلم 25 فرداً من الكوماندوز المصريين، الذين كانوا قد أبروا بالقرب من الطاسة من عدة أيام، بعد انتهاء ذخائرهم ومؤنهم، فاستسلموا لأفراد الاستطلاع دون قتال. طار بارليف إلى هيئة الأركان العامة، ومعه خطة العبور المقترحة بخطوطها العامة، فقد كانت عملية عبور القناة إلى الغرب يحتاج إلى تصديق، ليس فقط من هيئة الأركان، ولكن أيضاً من وزير الدفاع ومن الحكومة، فهي العملية خطرة، وقد تؤثر على الموقف السياسي. واجتمع مجلس الحرب برئاسة رئيس الوزراء من أجل مناقشة خطة العبور كان هدف العبور ترجيح الكفة في الحرب، ودفع المصريين لطلب وقف إطلاق نار، وهو الطريق الوحيد للضغط على المصريين.
بدأ بارليف في شرح الخطة وتفاصيلها الأساسية واحتمالات النجاح فيها، وقد أيد كل من رئيس هيئة الأركان العامة وقائد السلاح الجوى الجنرال "بيليد" الخطة على الفور.
كان هناك رأي مضاد للخطة برفض العبور، على أساس أن عبور عائق مائي في منطقة يدور فيها قتال شرس يُعَدّ من أصعب المواقف وأكثرها مخاطرة، وأن العبء الأكبر سيقع على وحدات الاحتياط، كما أن لدى المصرين قوات مدرعة بحجم كبير على الجانب الآخر من القناة، ويمكنها مع بدأ عبور القوات الإسرائيلية، تدمير هذه الهجمات، وقد رصد تدريبها سابقاً على تلك المهمة. إضافة لذلك فإن القوات الإسرائيلية في الغرب ستحاصر بين القوات المصرية في الشرق والقوات الباقية في الغرب. وكان هذا الرأي يرى أنه لإنجاح خطة العبور إلى الغرب، في وجود الفرق المدرعة المصرية هناك، وإنما من الممكن التفكير في ذلك، إذا تحركت من أماكنها.
بدأ وزير الدفاع الإسرائيلي يؤيد عملية العبور، أما ايجال الون فهو مقتنع ولكنه لا يستطيع إبداء رأيه إلا بعد أن يرى عن كثب الموقف على الطبيعة، ويتحدث مع القادة المحليين، ورأى ألون الانتظار لحين قيام المصرين بهجومهم أولاً ليحركوا دباباتهم ثم يأتي الدور على القوات الإسرائيلية للمعركة الحاسمة.
وفي هذه الأثناء، تصل الأنباء من الجبهة أن المصريين بدأو في نقل الفرقتين الثقيلتين إلى سيناء، عبر الكباري، وهذا يدل على أن المصريين في نيتهم الهجوم، وأنه خلال يوم من المنتظر أن ينتهي عبور المدرعات المصرية، وبذلك تكون القيادة المصرية قد حشدت نحو 1200 دبابة، لهذا الغرض، وتصبح المنطقة غربيّ القناة خالية من وحدات مدرعة مؤثرة، ومن ثم اتفق المجلس على تأجيل العبور، حتى يبدأ الهجوم المصري ويتم إحباطه وتدميره. أعمال قتال يوم 13 أكتوبر 1973
لم يهاجم المصريون كما كان متوقعاً، في هذا اليوم، ويبدو أن القوات المصرية لم تستكمل استعدادها بعد، ولكن استمرت القوات المصرية طوال اليوم في قصف القوات الإسرائيلية، بشدة وكثافة عالية.
واستطاعت القوات الإسرائيلية، خلال ذلك اليوم أن تستكمل الوحدات الأمامية وتستعوض الخسائر في الأفراد والأسلحة والمعدات والدبابات، كما استكملت الذخائر وأدخلت أسلحة جديدة إلى الخدمة، مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات من نوع تو TOW، وهو السلاح الذي عليه الاعتماد في المرحلة التالية لتدمير الهجوم المصري.
كذلك بدأ السلاح الجوى الإسرائيلي ينشط مرة ثانية، فقصف مدينة بور سعيد وضواحيها، وألقى آلاف القنابل على الجبهة المصرية.
وفي مركز القيادة بالجبهة الجنوبية، بدأت مراجعة الخطة الدفاعية، لصد هجوم المدرعات المصرية الذي أصبح وشيكا الآن. وبات الجميع ينتظر الهجوم المصري لاتخاذ قرار العبور، وتحديد توقيته ومداه.
لم تكن كل الأخبار سارة في ذلك اليوم فقد حدث أمران:
الأمر الأول، استسلام أفراد موقع الحصن، في لسان بورتوفيق (موقع ماسرك Masrek) إلى رجال الصليب الأحمر، وباستسلامهم، انتهت قصة خط بارليف، وأصبح تاريخاً إلى جانب ما سبقه من خطوط دفاعية حصينة، لم يصمد أيهم عندما هوجم.
الأمر الثاني، كان مقتل الجنرال ابراهام ماندلر "البرت" قائد مجموعة العمليات الرقم 252 في سيناء، بواسطة نيران المدفعية المصرية. لقد أصاب حادث مقتل البرت الروح المعنوية للقوات الإسرائيلية في الجبهة الجنوبية بصدمة خطيرة، فقد كان أحد القادة المحببين في سلاح المدرعات الإسرائيلية وقد تعين بدلاً منه، الجنرال "كلمان ماجن" الذي كان قائداً للقطاع الشمالي لسيناء.
تحددت مقابلة قادة المجموعات الثلاث، مع رئيس هيئة الأركان العامة في الطاسة، وبدأ يراجع معهم المعركة القادمة المنتظرة يوم 14 أكتوبر 1973، وكان مع رئيس الأركان الجنرال بارليف.
وعلى الجبهة السورية وفي اليوم الثامن من الحرب (13 أكتوبر 1973)، كان قد وصل هجوم الجيش الإسرائيلي إلى نهايته، وتوقف على خط جديد شرق الخط الذي بدأ منه الهجوم السوري في 6 أكتوبر 1973، بعد أن استطاع صد القوات العراقية والأردنية التي دخلت المعركة هناك. فشل الهجوم المصري للتطوير شرقاً (14 أكتوبر 1973)
مع الضغط الإسرائيلي على الجبهة السورية، ناشدت دمشق، القاهرة، الإسراع بشن هجوم على جبهة القناة، لتخفيف الضغط عليهم في الشمال، ولكن الموقف في الجبهة السورية كان قد انتهي، تماماً، وأصبحت المسافة إلى دمشق قصيرة. كانت القاهرة مقتنعة بأن الأوان قد حان، ولكنهم لا يعرفون أن الموقف في سورية قد هدأ، وأن السلاح الجوى الإسرائيلي لم يعد مشغولاً على الجبهة السورية.
بدأ الهجوم المصري:
بدأت القوات المصرية تنفيذ المرحلة الثانية، من معارك القناة في الساعة السادسة صباحاً، بعد أن حشد في سيناء حوالي 1200 دبابة و14 وحدة صواريخ مضادة للطائرات لتأمينها ضد الهجمات الجوية الإسرائيلية المتوقعة. بدأ الهجوم بقصف مدفعية مركز، بمئات المدافع والهاونات، لمدة ثلاثين دقيقة. واشترك السلاح الجوى المصري بجهد متواضع في التمهيد النيراني، وكان من بين الطائرات المهاجمة طائرات ميراج أرسلتها ليبيا إلى مصر. وقد تسبب ذلك في إحجام رجال الدفاع الجوى الإسرائيلي عن التعامل معها، مقتنعين بأنها طائرات إسرائيلية .
بعد انتهاء التمهيد النيراني، بدأت المدرعات في التحرك، ويهاجم المصريون على طول الجبهة، ويستخدمون نحو "800 أو 1000 دبابة" دفعة واحدة، ومن ناحية أخرى،وبمقارنة عدد الدبابات، وقوة النيران، فأن هذه المعركة، كانت من أكبر معارك الدبابات منذ الحرب العالمية الثانية . والواقع أن المصريين لم ينجحوا في تركيز قوتهم الكبيرة في نقطة واحدة أو نقطتين، فالجهد كان مشتتاً على طول عشرات الكيلومترات، حيث توزعت الهجمات على خمسة محاور، الأمر الذي أضعف من تأثيرها.
في القطاع الجنوبي من الجبهة، (قطاع عمليات مجموعة ماجن)، حاولت الفرقة الرابعة المدرعة المصرية القيام باختراق عميق، ولكن ـ في الواقع ـ لم يركز المصريون في هذا الاتجاه سوى لواء مدرع واحد، استطاع أن يتقدم صوب ممر متلا، وكان هو المكان الوحيد الذي استطاع فيه المصريون أن يتوغلوا لعمق أكثر من 20 كيلو متراً على الطريق المؤدى إلى متلا، واستعدت دبابات ماجن لمواجهة الهجوم، ونجحت بالفعل في تثبيته وتدمير العديد من دباباته، واستطاع السلاح الجوى أن يركز هجماته ضد اللواء المدرع المصري الذي يقاتل وحده على هذا العمق. وانتهت المعركة بتدمير وإصابة 51 دبابة مصرية، ولم يعد إلى رأس الكوبري الذي بدأت منه الهجوم سوى 30 دبابة فقط، ولم يصب من دبابات الجيش الإسرائيلي سوى دبابتين فقط.
وفي قطاعات أخرى على مواجهة الجبهة، فَقَد المصريون دبابات عديدة، حيث قام المظليون بصد الوحدات المصرية الآلية التي حاولت الهجوم في اتجاه رأس سدر، كما تمكن السلاح الجوى الإسرائيلي من تدمير معظم مركباتها.
وفي القطاع الشمالي،عند القنطرة تم تدمير عدة دبابات من اللواء 15مدرع المصري. وفي القطاع الأوسط من الجبهة كانت المعركة الكبرى، ولم تستطع الفرقة 21 المدرعة، التي تهاجم بكامل قوتها، أن تتقدم أكثر من عدة كيلومترات خارج رأس الكوبري، حيث دُمِّر لها العشرات من الدبابات.
بدأ الهجوم المصري في التراخي الساعة الثانية ظهراً. وفي الساعة الثالثة، فقد الهجوم قوته الدافعة ووصل إلى نهايته، وتبين من التقارير، على طول مواجهة الجبهة، أن الجيش الإسرائيلي حقق مكسباً كبيراً، بتدمير أعداد كبيرة من الدبابات المصرية، ووفقاً للإحصاءات الدقيقة، فقد أصيبت 264 دبابة مصرية، وهو ما لم يحدث في أيام القتال السابقة كلها منذ بداية الحرب، أما القوات الإسرائيلية فأصيب لها عشر دبابات فقط.
كانت نتائج الهجوم المصري للتطوير شرقاً، مشجعة لاتخاذ قرار العبور غرباً، إذ كانت خسائر المصريين كبيرة وإن توزعت على محاور الهجوم كالآتي:
- في القطاع الشمالي، صد الجنرال آدن القوات المصرية بعد أن كبدهم تدمير نحو 50 دبابة مصرية.
- في القطاع الأوسط، لم تحقق القوات المصرية أية نجاح أمام قوات شارون، حيث تمكن لواء ريشيف من اتخاذ أوضاع جيدة لدباباته على المرتفعات، وسمح للمصريين بالتقدم، إلى مسافة 100 ياردة، قبل أن تفتح الدبابات والصواريخ المضادة للدبابات الإسرائيلية نيرانها عليهم، وعندما انتهت المعركة كان قد تم تدمير حوالي 93 دبابة مصرية، بينما تكبد لواء ريشيف ثلاثة دبابات فقط. كذلك استطاع لواء حاييم (جنوب ريشيف) صد الهجوم المصري في مواجهته. وبنهاية اليوم فقدت الفرقة 21 المدرعة ما مجموعة مائة وعشرة دبابات.
- وفي القطاع الجنوبي صدت قوات ماجن الهجوم المصري، على محوري الجدي ومتلا. كانت الوحدات المدرعة الإسرائيلية من لواء شمرون في انتظارها على ممر متلا واستطاعت أن تدير معركة شرسة استمرت عدة ساعات، دمرت خلالها ما يقرب من 50 دبابة من اللواء الثالث المدرع من الفرقة الرابعة المدرعة، إضافة إلى أعداد كبيرة من المركبات المدرعة والمدافع.
- واستطاع الطيران الإسرائيلي أن يركز هجماته على الوحدات المدرعة المصرية التي أصبحت خارج مدى صواريخ الدفاع الجوي، على كل المحاور، بعد أن فقدت الجبهة السورية خطورتها.
- بدا واضحاً أمام وزير الحربية المصري، أن قواته أصبحت معرضة بدون الحماية الرئيسية من الدفاع الجوى، فأمر بانسحابها والعودة مرة أخرى إلى داخل رؤوس الكباري. لقد كانت تكتيكات القيادة المصرية ضعيفة، وكان اليوم كله لمصلحة القوات الإسرائيلية، وكانت هذه المعركة نقطة تحول في حرب سيناء.
في مساء يوم 14 أكتوبر 1973، اتصل بارليف برئيسة الوزراء تليفونياً، ليخبرها بنتائج القتال بنفسه ويوصي بالتصديق على العبور غرباً.في نفس مساء ذلك اليوم، كانت إسرائيل كلها حزينة فللمرة الأولى يذكر عدد القتلى والذي بلغ على الجبهتين 656 فرد، ولكن الواقع كان هناك كثيرون قد قتلوا، ولكن الإحصاء الدقيق لم يكن انتهى بعد صدرت التعليمات في وقت لاحق إلى قيادة الجبهة الجنوبية للاستعداد بالعبور في الليلة التالية، ولم يعد أحد يعترض على الخطة.
الجسر الجوى الأمريكي:
خلال يوم 14 أكتوبر 1973، وبعد أن وضح انكسار الهجوم المصري، استمرت طائرات النقل العملاقة الأمريكية من النوع C - 141 Star Lifter في رحلاتها وهي طائرة قادرة على حمل حمولة 120 طن، وشاركت طائرات شركة العال الإسرائيلية في نقل العتاد كذلك، وقد هبطت 12 طائرة محملة بالعتاد في اللد، وتواصل طائرات العال عملها ولكن العبء الأكبر على عاتق الطائرات الأمريكية، إذ هبط 25 طائرة منها خلال 24 ساعة في عدة مطارات. والواقع أن جزءاً من العتاد الذي يصل بالطائرات الأمريكية كان مطلوباً على وجه السرعة لنقله إلى الجبهة قبل الهجوم، فالجيش الإسرائيلي يستهلك كميات كبيرة من الذخائر، واحتياطي الذخيرة لمواصلة الحرب، كان أحد الموضوعات الهامة في مناقشات هيئة الأركان العامة، خاصة وأنه لا توجد أي دلالات على وقف إطلاق نيران قريباً، فالعرب لا يتحدثون عن ذلك
|