تدفع السلطة في الجزائر، بقوة نحو تنظيمالانتخابات الرئاسية، قبل نهاية السنة الجارية، لكنها تُواجه في ذلك مقاومة منالشارع وعدد من الأحزاب والتنظيمات الرافضة لهذا الخيار.
وتوحي كل المؤشرات، بحسم السلطة لخيارها فيالذهاب للانتخابات الرئاسية، بعد "اقتراح" رئيس أركان الجيش الفريق أحمدقايد صالح استدعاء الهيئة الناخبة يوم 15 أيلول الجاري ما يعني قانونا تنظيمالانتخابات في منتصف كانون الأول المقبل.
وأعلنت هيئة الحوار والوساطة التي يقودهاكريم يونس، أمس، عن تسليمها التقرير النهائي لنتائج مشاوراتها لرئيس الدولة عبدالقادر بن صالح الذي يحوي اقتراحاتها بخصوص التعديلات الواجب إدراجها على قانونالانتخابات وكيفية استحداث الهيئة الوطنية المستقلة لتنظيمها.
والاثنين وافقت الرئاسة الجزائرية على مقترحات هيئة الوساطةوالحوار في شكل مشروعي قانونين للانتخابات وإنشاء لجنة عليا لتنظيم الانتخابات والإشرافعليها، وأحالتهما إلى البرلمان لدراستهما.
وحسب بيان صدر بعد اجتماعلمجلس الوزراء ترأسه الرئيس المؤقت، عبد القادر بن صالح، "تمت المصادقة على مشروعتمهيدي لقانون عضوي يتعلق بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، ومشروع القانون المعدلللقانون المتعلق بنظام الانتخابات، قدمهما وزير العدل بلقاسم زغماتي".
وبدا من ناحية التوقيت أن هيئة الحوار أخضعت مسارمشاورتها للفاصل الزمني الذي رسمه رئيس أركان الجيش، فقد تم ضبط كل التفاصيل علىعجل من أجل اللحاق بموعد تنظيم الرئاسيات قبل نهاية السنة.
واللافت أن هيئة الحوار والوساطة أيضا، تخلّتعن صلاحية تحديد رزنامة الانتخابات التي منحتها إياها مبادرة رئيس الدولة عندالإعلان عنها في يوليو الماضي ورضخت إلى الأمر الواقع الذي فرضته قيادة الجيش.
وتتجه السلطة من أجل تحقيق مزيد من الإقناعبضرورة الذهاب للانتخابات، إلى التخلي عن الوزير الأول الحالي نور الدين بدوي،الذي ينتظر أن يقدم استقالته في الساعات القادمة، في استجابة جزئية لمطالب الحراك.
"الحراك يرفض"
لكن على مستوى الشارع يظهر تصميم كبير علىرفض الانتخابات، خلال مظاهرات الحراك الشعبي كل جمعة، ما يُهدد بمزيد من تعقيدالأزمة السياسية التي لم تجد لها حلا منذ نحو 6 أشهر من الانتفاضة الشعبية.
ورصدت "عربي21" خلال الجمعةالأخيرة، عدة شعارات رافضة لخيار الذهاب للانتخابات على طريقة النظام، مثل"رئاسيات تحت الإكراه تساوي فرعونا جديدا" و"نحن لسنا ضد الانتخابات ولكن ضد أن ينظمها منعاثوا في الأرض فسادا" و"نرفض استدعاء الهيئة الناخبة من الثكنة" و"انتخاباتبنفس النظام والأحزاب تساوي انتخابات بنفس النتائج".
ولخّص أحد المتظاهرينشروط الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية بلافتة كتب عليها: "لكي أنتخب، لابد من إعلامحرّ وعدالة حرّة ومراجعة قوانين الانتخابات ومراجعة صلاحيات الرئيس".
وعلى الجانب السياسي،ترفض قوى "البديل الديمقراطي" الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، لأنهاترى فيها "مناورة" من النظام السياسي الحالي للاستمرار وقطع الطريق أمامالتغيير الجذري الذي يُطالب به الحراك الشعبي.
وقالت زوبيدة عسول،رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي وعضو هذا التكتل، إن تجربة السنواتالسابقة تُبين بأنه لا يمكن الوثوق في النظام السياسي الذي يريد الذهاب لانتخاباتبنفس الآليات السابقة وفي ظل الدستور الحالي المرفوض.
وأوضحت عسول في حديثهامع "عربي21"، أنه لا بد من المرور على مرحلة انتقالية يتم فيها تعديلالدستور والقوانين الرئيسية الحالية، ثم الانطلاق بعد ذلك في مسار انتخابي.
وحذّرت القاضيةالسابقة، من أن الذهاب للانتخابات الرئاسية في ظل الدستور الحالي الذي يكرسصلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية، قد يؤدي إلى ظهور رئيس يحتكر السلطة كما فعلالرئيس السابق عبد العزيز بوتفيلقة، حسب قولها.
والاثنين، تبنت أحزابالبديل الديمقراطي، أرضية سياسية تدعو الجزائريين للانخراط في مسار تأسيسي سيديُتوّج بإعطاء الكلمة للشعب لكي يختار شكل ومضمون المؤسسات التي يريد وضعها لتلبيةكل مطالبه وتطلعاته في مجمل الميادين.
وتُطالب أرضية "البديلالديمقراطي" التي يجتمع حولها 11 حزبا بالإضافة إلى منظمات وجمعيات، بالدخولالفوري في مرحلة انتقالية ديمقراطية تُدار بها الدولة وفق منطق جديد عبر مسارتأسيسي سيد يُعبر عن المطامح الديمقراطية والاجتماعية للشعب الجزائري.
"آراء متباينة"
غير أن السؤال الذييُتداول اليوم هو عن مدى قدرة السلطة على تنظيم هذه الانتخابات التي أعلنت عنها،في ظل التجربة السابقة التي اضطرت على إثرها لإلغاء الرئاسيات في 4 تموز/ يوليوبعد الرفض الشعبي الذي أدى إلى عزوف السياسيين عن الترشح وقبل ذلك رئاسيات 18 نيسان/أبريل التي أسقطتها المظاهرات.
وبرأي سعيد صالحي نائب رئيس الرابطةالجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن الانتخابات المقبلة ستلقى دون شك مصيرسابقتها، لأن الرفض الشعبي المعبر في أيام التظاهر منقطع النظير.
وقال صالحي في حديثه مع "عربي21" إنالحراك الشعبي متفطن لكل "ألاعيب السلطة"، وهو يعلم بأن النظام السياسييراهن على تقسيم الحراك وإضعافه من أجل تمرير ورقة الانتخابات.
وأبرز المتحدث أن هيئة الحوار والوساطة ثبت "أنالنظام استعملها من أجل تبرير الذهاب للانتخابات، وهو ما أدى إلى فشلها في مهمتهاقياسا إلى الرفض الشعبي الواسع الذي واجهته".
لكن هذه القراءة لا يقاسمها عدة فلاحي النائبالسابق، الذي يرى أن الانتخابات لن يتم إلغاؤها مثل سابقتها، لأن الظروفوالمعطيات، حسبه، تغيّرت في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وأبرز فلاحي في تصريح لـ"عربي21"أن السلطة ستفرض الرئاسيات كأمر واقع بعد تفاهمات ستجريها مع بعض الشخصيات للمشاركة ومنهم علي بن فليسرئيس الحكومة سابقا وعبد العزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل وعبد الرزاق مقري رئيسحركة مجتمع السلم ومترشحين آخرين من الوزن الخفيف.
ويرى فلاحي أنالمواطنين في حال الذهاب للانتخابات، سينقسمون على أنفسهم و قد يتملكهم الخوف من انزلاقالأمور خاصة أن الكثيرين منهم يبدون صراحة قلقهم من المستقبل، في ظل الحديث عن الأزمةالاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي قد تزيد مع الوقت لو بقي هذا الوضع على حاله.
اقرأ أيضا: الرئاسة الجزائرية تعتمد مقترحات هيئة الوساطة بشأن الانتخابات
مزيد من التفاصيل