مفاعل يوشهر ومفاعل ديمونة ايهما اخطر
بقلم : د. سعيد اللاوندي ا
لأهرام 9\3\2009
|
اقتباس |
|
|
|
|
|
|
|
|
مفاعل بوشهر ومفاعل ديمونة.. أيهما أخطر؟!
بقلم : د. سعيد اللاوندي
الأهرام 9\3\2009
بالفعل ليس هناك من داع لكل هذا الضجيج الذي يملأ الساحات الإعلامية العربية بشأن مفاعل بوشهر الإيراني, ليس فقط لأن هذا المفاعل يتم بناؤه منذ ما يقرب من34 عاما, وتحديدا في عام1985, وهو ما يعني أنه ليس في الأمر مفاجأة من أي نوع, ويتولي عملية الإنشاء خبراء من روسيا في إطار تعاون إيراني ـ روسي ليس خافيا علي أحد, لكن أيضا لأن هذا المفاعل يستهدف توليد الكهرباء عبر تكنولوجيا نووية, ويجري كل ذلك تحت إشراف وكالة الطاقة النووية التي لايزال مفتشوها يمارسون مهامهم داخل الأراضي الإيرانية.
معني ذلك كله أنه ليس هناك ما يدعو للقلق, علي الأقل بالصورة التي تعكسها وسائل الميديا العربية في هذه الأيام, وإذا علمنا أن إيران من الدول الموقعة علي اتفاقية حظر الانتشار النووي, وفي الافتتاح الذي جري قبل أيام في المفاعل تم استخدام الرصاص وليس اليورانيوم المخصب.
السؤال الآن هو: من يقف وراء هذا الضجيج الذي تصطك له الأسنان في أحايين كثيرة؟
الإجابة في الواقع تسير في اتجاهين, الأول هو إسرائيل التي تقيم الدنيا في هذه الأيام ولا تقعدها اعتراضا علي هذا الإنجاز العلمي الذي حققته إيران, بدعم روسي واضح وصريح, وتشيع جوا من عدم المصداقية حول إيران زاعمة أنها إنما تسعي إلي امتلاك سلاح نووي, وما هذا الحديث عن حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية إلا ستار تخفي وراءه مخططاتها ومؤامراتها التي تضمر فيها الشر( كل الشر) للمنطقة وأهلها, والثابت أن صرخات إسرائيل قد تجاوبت معها معظم وسائل الميديا العربية التي بدأت تشحذ همها وتتبني الخطاب السياسي الإسرائيلي المنزعج أساسا من إيران.
وهذا لعمري سم مدسوس في العسل, فلئن كان مقبولا أن تخاف إسرائيل من هذا الذي تتوقعه أو تزعمه بشأن إيران, فليس الأمر هكذا بالنسبة للمنطقة العربية, لأن الخوف( كل الخوف) الذي يجب أن ترتعد له فرائص العرب, فعلا لا قولا, هو مفاعل ديمونة والقنبلة النووية التي تمتلكها إسرائيل علي اعتبار أنها حقيقة اعترف بها أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية تؤكد أن إسرائيل تملك أكثر من قنبلة ومئات من الرءوس النووية.
وهو ما يعني أن إسرائيل تعيش حالة من الحزن في هذه الأيام لأنها كانت ولاتزال تخطط أن تكون( هي) الدولة الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا في المنطقة العربية والشرق أوسطية, ولطالما تمنت أن تبدأ الحقبة الإسرائيلية في المنطقة, التي تكون فيها إسرائيل هي السيد المطاع, ومن يعترض أو يتململ أو يمتعض فقنابل إسرائيل النووية قادرة علي أن تجبره علي القبول والابتسام!
إذن إسرائيل وحدها هي التي يجب أن تحزن أو تلطم الخدود, وليس العرب, لأن حلمها في تسيد المنطقة سوف يزول حتما مع ظهور دولة أخري نووية, لذلك تخطط وتبذل في سبيل ذلك جهدا جهيدا, لاستعداء المنطقة العربية والخليجية ضد إيران, وهو ذات المخطط الذي كان ينفذه حرفيا جورج دبليو بوش( الإدارة الأمريكية السابقة) عندما زار المنطقة مرتين في أخريات أيام حكمه, وتحدث عن ضرورة مواجهة إيران وإجهاض محاولاتها لامتلاك سلاح نووي.
وكلنا يتذكر أن الحديث في هذه المرحلة كان متوترا عن استعداد أمريكا لتوجيه ضربة لإيران( عبر إسرائيل) أو بالتعاون معها, لكن جاءت الأزمة المالية الأمريكية فأجبرت أمريكا علي إعادة الحسابات, والتروي, وهو ما أشعل الغيظ في نفوس قادة إسرائيل, الذين وجدوا أنفسهم وحدهم, بعد إعلان الإدارة الجديدة في واشنطن رغبتها في اعتماد الحوار لا المواجهة في التعاطي مع المشكلات والقضايا الدولية.
وربما لهذا السبب تعمدت إسرائيل أن تدس السموم لتبتلعها( للأسف الشديد) الميديا العربية لكي تتحدث, وهو ما حدث بالفعل, عن خطر القنبلة النووية الإيرانية المرتقبة, وبذلك يتناسي الجميع خطرا أهم وأعظم هو خطر القنبلة النووية الإسرائيلية الموجودة فعلا( وليس افتراضا).
الاتجاه الآخر في الإجابة عن السؤال الذي طرحناه يتعلق بإيران نفسها, فالتصريحات المعادية التي صدرت من بعض مسئوليها مثل تصريح أحد المقربين من المرشد العام للثورة الإيرانية بأن مملكة البحرين هي المحافظة الرابعة عشرة في إيران, هو تصريح يدين طهران, ويكرس( عدم المصداقية) الذي تسعي إسرائيل إلي ترويجه بشأن إيران.
صحيح لقد اعتذرت السلطات الإيرانية رسميا عن هذا التصريح الذي صدر في وقت يؤذي كثيرا حالة الجوار الهادئ التي تحرص إيران علي تكريسها في منطقة الخليج في ضوء كمون مشكلات أخري مثل مشكلة احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث: طنب الصغري, طنب الكبري, وأبو موسي, وإصرار إيران علي تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي, وكان الأصوب هو أن تستمر إيران في انتهاج سياسة الهدوء, وإعلان رغبتها في حل أي مشكلة مع دول الجوار عن طريق الحوار لا الصدام أو الصراع, وكانت طهران فعلا قد اعتمدت هذه السياسة وأطلقت مبعوثيها في كل الاتجاهات لبناء جسور مع دول الجوار, وطمأنة الجميع, والإنصاف يقضي بأن نذكر أن الدول الخليجية كانت قد بادرت بأكثر من تحرك لتأكيد( حالة الصفاء) مع إيران, ولعل أهم هذه التحركات هو دعوة أحمدي نجاد لحضور أحد اجتماعات مجلس التعاون الخليجي, كما يمكن اعتبار حضور إيران مؤتمر الدوحة الأخير لبنة أخري في هذا البناء.
بكلمة أخيرة إن مفاعل بوشهر يجب ألا يثير كل هذا الضجيج لأن روسيا نفسها لا يمكن أن تقبل أن تمتلك إيران القنبلة النووية, فضلا عن أن إيران لاتزال تؤكد( مثني وثلاث ورباع) أنها لا تسعي لذلك, وإنما هي تري أن من حقها كدولة مستقلة ذات سيادة أن تسعي لامتلاك التكنولوجيا النووية, وأن تستخدمها استخداما سلميا.
ولكي تكتمل الصورة يجب أن نشير إلي نقطتين: الأولي هي أن مصر كانت قد طالبت بتبني فكرتها القاضية بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل, وهي دعوة لا تستثني أحدا( إسرائيل وإيران معا), وبالتالي فرفض محاولات إيران امتلاك سلاح نووي يجب أن ينصرف علي إسرائيل, ولئن كانت وكالة الطاقة النووية تتحمس لتفتيش مواقع بعينها داخل إيران, فعليها أن تفعل الشيء نفسه داخل إسرائيل.
النقطة الثانية تعكسها بعض التصريحات الأوروبية والأمريكية التي تروج فكرة أن تقبل دول المنطقة وجود دولتين نوويتين, اليوم أو غدا, هما إسرائيل وطهران, ولا داعي للانزعاج لأن المظلة الحمائية الأمريكية كفيلة بأن تحفظ التوازن في المنطقة.
يبقي أخيرا أن نلفت الانتباه إلي الأفكار الإسرائيلية المسمومة التي تحولنا إلي مدافعين عنها, ونسيان أنها هي الخطر الحقيقي, وهي المسمار الذي غرسه الغرب في خاصرة الأمة العربية. |
|
|
|
|
|