قصص قصيرة - منتديات المطاريد
بسم الله الرحمن الرحيم
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) "الزخرف"

منتديات المطاريد | الهجرة الى كندا | الهجرة الى استراليا

 


DeenOnDemand


BBC NEWS

    آخر 10 مشاركات

    Arabic Discussion Forum with a Special Interest in Travel and Immigration

    Immigration to Canada, Australia, and New Zealand

    Egypt and Middle East Politics, History and Economy

    Jobs in Saudi Arabia, USA, Canada, Australia, and New Zealand

    العودة   منتديات المطاريد > إعلام وثقافة وفنون > أدب وشعر وقراءات متنوعة

    أدب وشعر وقراءات متنوعة

    قصص قصيرة


    الهجرة إلى كندا والولايات المتحدة واستراليا

    مواقع هامة وإعلانات نصية

    إضافة رد
     
    أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
    قديم 6th July 2010, 09:27 AM تاتا غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 1
    Member





    تاتا is on a distinguished road

    new قصص قصيرة

    أنا : تاتا




    الشبح قصة قصيرة بقلم تامر عز الدين

    :d الشبح فيما كانت الحافلة تعبر الطريق صباح أول أيام رمضان لاحظتحركة مريبة بالشارع........الكناسون يدعون أدواتهم ..ويلقون مكانسهم ويهرعون خلفالسيارة الشبح السوداء التي وقفت علي جانب الطريق، بينما كان المحصل الجالس علىكرسيه المجاور لباب الحافلة الخلفي يتبادل عبارات ملغزة مع سائق الحافلة الذي كانيختلس إليه نظرات خاطفه متسائلة...كان يبدو إن كليهما يدرك بشكل ما تلك المظاهرالمريبة التي احتار لها جميع الركاب...كان الكمسري يهتف للسائق بعبارات اشاريهترتفع لها حواجب الركاب دهشة .....شفرات غريبة كمثل ...قشطه يا طاقة القدر...فيخطفالسائق نظرة مستهزئة إلي محدثه ويرد مندهشا هينوبنا من الحب جانب ...يوقف الحافلةفيهبط المحصل قبل إن تتوقف تماما وهو يركض جوار الحافلة كمحترف لينخرط وسطالمتسابقين تجاه العربة الشبح التي بدأت تسير علي مهل تراوغ... تتوقف لحظات حتييبلغها أسرع المتسابقين ولا تلبث إن تنطلق في بطئ وقور وتصدح في الأجواء قهقهةقبيحة .أخذت أتابع المشهد الغريب بينما كنت أسير في طريقي وتبينت بين المسابقينعسكري المرور والكناسين وموزعي الجرائد وطائفة من عمال المعمار العاطلين الذينتجدهم يفترشون أرصفة الشوارع عند طلعة النهار في انتظار مقاول أو احد البهوات ليسندإليهم أي من الأعمال الشاقة آملين إن يعودوا إلى جحورهم آخر النهار وجيوبهم دافئةباليومية ... فيغتسلوا ويتناولون إفطارهم مع المرأة والعيال....تلهيت بالفرجة علىهذا السباق فتعثرت أكثر من مره بالأدوات التي هجرها أصحابها على الرصيف والتي ميزتبعضها واحترت في أمر البعض الآخر.....مكانس، أكوام من الصحف ،كوريك ،فئوس،قصعات،خوازيق حديدية مضمومة في حزم ، شواكيش،ومطارق ثقيلة متعددة الإحجام ،وعصى شرطيالمرور البيضاء ،وصناديق ماسحي الأحذية ،وعكازي الشحاذ الذي لا يفارق زاوية الرصيف .كان الزحام يشتد والوجوه الصائمة تبدو وقد تخلصت من القرف الذي كان ينبع منالاطعمه الفقيرة في معييهم .استقرت الشبح في منتصف الطريق وكان المحصل هو أسرعالمتسابقين مد يده اليمنى داخل نافذة العربة الأمامية فانطلق قائد الشبح بسيارتهعامدا ليطير الكمسري في الهواء كريشة في مهب الريح قبل إن يسقط لنسمع كاكاة عظامهعلى قارعة الطريق بينما صاحب الشبح يقهقه بصوت مجلجل طروب .ومن مكاني على الطواراستطعت إن أشاهد ذلك الرجل الذي كان يرتدي ملابس بابا نويل المميزة ...الطرطورالأحمر ذي الزر الأبيض المستدير والعباءة الحمراء ذات الحواف البيض .وفيما كنتمندهشا لهيئته الغريبة فوجئت به يسدد إلى نظرات فاحصه ... مبتدآ بالنظر إلى حذائيالبالي المتسخ ثم حلتي التي اشتريتها يوم شاهدت العرض الأول لفيلم حمى ليلة السبتبسينيما مترو ومنتهيا بتفحص ألصوره المزرية التي بدي عليها وجهي والتي ضاعف منبؤسها السنتين الأماميتين المكسورتين واللتان فقدتهما أثناء إخلائي للجرحى في حرباكتوبر ...جمدتني نظراته الوقحة وتملكني الحرج والارتباك ....خرج من السيارة واتجهصوبي ...تراجعت ...أسرع تجاهي ... استدرت وأخذت اركض محاولا الفرار ...سمعت خطواتهيجري خلفي ويقترب ...أدركت أني واقع في قبضته لا محالة ..توقفت وواجهته ..توقف عنالجري وتقدم في بطء وثبات ناظرا إلى كتابي وسماعتي الطبية اللتين احتضنتهما وصنعتمنهما سدا ليحول بينه وبيني ....أزاح الكتاب والسماعة واخذ يحشو جيوبي بأوراق نقديةكثيرة ... بنكنوت جديد يطقطق وأنا أحاول إزاحته ..أجاهد بكل طاقتي بيد انه كان قوياكالثور ...كنت اختنق تحت وطأة السحر والاهانه ...اصرخ في وجهه إن يذهب عني فانا لستمتسولا واشتد بي الغضب حين سمعت الكمسري يقول وهو يغمز بعينه ويزوي جانب فمه ويعضعلي شفته السفلى بوقاحة ..خذ....خذ......منه ثم أعطني مااعطاك ...كان الصراع محتدمابيني وبينه ...أزحت وجهه بيدي بقوة فسقط طرطوره الأحمر فبدا لي وجهه وصلعته التيتحاكي ألشمامه في طولها ولونها وداخلني شعور أني عرفت هذا الوجه من قبل ......ولماانتهى من حشو كل جيوبى بالمال دون ارادتى تركني انتفض من قسوة المهانةوالتدني........................................... .................................................ص باح يوم لاحق كنت استقلسيارتىالجديدة فى طريقي إلى المستشفي وكانت هيئتي وهندامي قد تبدلا تماما بعد إنوضعت أسنان صناعية ومنظار طبيا ثمينا وارتديت حلة فرنسية رائعة وزوج من الأحذيةالجميلة......وحين ظهر الشبح فى نفس التوقيت لم يكن المهرج وحدة هذه المرة بل كانتمعه فتاة تجلس بجواره.....وتكرر المشهد السابق وانضم متسابقين جدد....أوقفت السيارةوأخذت أعدو صوب الشبح وعندما اقتربت ورئيت الرجل والفتاة قفزت إلى راسي ذكرياتبعيدة.......أيمكن إن يكون هذاالرجل هو برهام المكوجي وهذه الفتاة هي ابنته بيسهواللذان كانا يستأجران المحل الصغير في بيت جدي القديم ... هو هو برهام الذي يعلمكل أهل الحي الشعبي ألحادثه الشهيرة عندما كوى مؤخره ابنته بيسه بالمكواة الحديديةبعد إن ضبطها راقدة تحت سمارة ألعجلاتي في ظلمة مدخل بيت جدي ..انتابتني موجة منالضحك وأنا أعدو مع الجموع المحتشدة وطاحت سماعتي أرضا لتختلط بالأدوات الأخرى ...أخذت اجري واضحك عندما أيقنت حقيقة انه لا سبيل إلى التأكد من هوية الرجل وكونهفعلا برهام المكوجي إلا بعد إجراء الكشف عن مؤخرة الفتاة .........وسقط كتابي أيضافي هذه الإثناء وسط أكوام المكانس والفئوس وصناديق مسح الأحذية وعكازي شحاذ . انتهتتأليف تامر عز الدين سعيد

     

    الموضوع الأصلي : قصص قصيرة     -||-     المصدر : منتديات المطاريد     -||-     الكاتب : تاتا

     

     


     
    رد مع اقتباس


    Latest Threads By This Member
    Thread Forum Last Poster Replies Views Last Post
    رحلتى الى كندا ................ وامريكا!!!!!!!!! الهجرة إلى كندا Dalil hijra 244 57250 22nd October 2010 08:45 PM
    وباء النسيان قصة قصيرة أدب وشعر وقراءات متنوعة تاتا 0 953 2nd October 2010 07:27 PM
    قصص قصيرة أدب وشعر وقراءات متنوعة مدى 1 1154 6th July 2010 09:27 AM

    قديم 29th October 2010, 06:55 AM مدى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 2
    مدى
    Brigadier General
     






    مدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond reputeمدى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : مدى





    يكفــــي
    أن يحبك قلب واحد لتعيش


    يكفي أن يحبك قلبٌ واحدٌ، هذا ماكانت تردده في غرف روحها العميقة جداً، لصغيرها الأبله ذي السنوات الأربع، وهي تحتضنه في عيادة طبيب الأسنان، وتمسح لعابه الذي يسيل من فمه المشتور. كانت لاتستطيع مواجهة نظرات الناس الوقحة والصريحة المحدقة إلى صغيرها المعتوه، الذي يثير الدهشة والسخرية والتعليقات الهامسة وأحياناً المسموعة. تتحولُ النظرات لطعنةٍ عميقة في قلبها المتضخم بحب هذا الصغير المسكين البريء من جنونه وتخلفه.
    أفلت صغيرها من ذراعيها المتصالبين أمام صدره، واتجه بخطوات متعثرة، لكأن مفاصله متخلعة صوب طفل صغير يماثله في العمر، وقف أمامه وهمهم بصوتٍ اجتهد أن يجعله كلمات لكنه كان أشبه بالجعير، أجفل الطفل السوي والتجأ إلى حضن أمه صارخاً بجزع: ماما، ماما أبعدي هذا الطفل البشع عني.
    طمأنت أم الطفل السوي صغيرها قائلة وهي تربت على كتفه: لاتخف، لاتخف، لن يؤذيك.
    قامت الأم ذات القلب المطعون بحربة منذ أربع سنوات، تعيد صغيرها المجنون إلى أسر ذراعيها، تبتلع دموعاً تعوّدت طعمها المر وتتساءل في سرها: لماذا تأخر الطبيب؟ أما كان قد حدد لها موعداً تمام الساعة الخامسة والنصف؟
    ركنَ المجنون الصغير بين ذراعي أمه، لكنه أخذ يصدر همهمات وحركات عشوائية لا إرادية من أطرافه، فيما أمه تدفن وجهها في شعره الأسود الكثيف هاربة من حصار النظرات.
    لم يخطر لها يوماً أن تكون أماً لطفل مشوهٍ، متخلف ومجنون كما شخص له الأطباء. اللعنة على الأطباء. كم تكرههم، ما ابنها إلا ضحية لأخطائهم وللظروف، هذا ماتؤمن به. ولدته طبيعياً، سمعت صراخه الأليم وهم يفصلونه عنها، ضمته بحنان إلى صدرها وشعرت كيف تفجّر الحب فجأة من صدرها كانفجار خزان كبير.
    لسوء حظه كان اليرقان الذي أصابه بعد أيام من ولادته شديداً صبغه بالبرتقالي الداكن، كان يجب نقله فوراً إلى الحاضنة، لكن الحاضنات الثلاث في المشفى كانت معطوبة. وقد رأتها بنفسها كيف تسرح فيها الصراصير الصغيرة، صرخت بقرف: صراصير في حاضنة للأطفال؟
    ردت الممرضة بلا مبالاة: إنها معطلة منذ أكثر من عامين.
    أخذ الصغير يختلج بقوة، رامياً ذارعيه خارج جسده، كأنه يتخلص من شيء ثقيل يرزح على صدره، وتدور عيناه في محجريهما إلى الوراء، لتتحولا إلى بياض تام. كان دماغه قد تأذى بشدة حين عثروا أخيراً على حاضنة في مدينة تبعد ساعتين ونصفاً عن مدينة الوليد.
    انهارت الأم حين أكد لها طبيب الأعصاب أن دماغ ابنها قد تأذى أذية كبيرة لعدم إدخاله الحاضنة... صرخت ملتاعة وهي تتلوى ألماً كدجاجة مذبوحة: والله نحن نعيش على كف عفريت، نعيش في هذه الحياة الحقيرة بقدرة قادر.
    لم يخطر لها في يوم من الأيام أن تكون أماً لمعتوه، المجانين الذين كانت تصادفهم في الشارع لم تكن تعيرهم أي اهتمام، لكأنهم ليسوا بشراً، إلا إذا أجبرها المجنون أن تلتفت إليه بسبب تصرفاته المضحكة والخرقاء، فكيف وقد تحولت إلى أم لمجنون صغير، لمعتوه برئ من علته.
    الأسرة كلها تمنّت للصغير الموت، وهو لم يتجاوز الشهر من عمره، زوجها الذي كانت تحكي لصديقاتها عن أن أروع صفة لديه: الحنان، كان يصرخ متألماً: لاأريد ولداً مشوهاً. ليته يموت، ليته يموت. كانت تخاطبه هامسة كأنها تحدث نفسها: لكنك والده! فيرمقه بألم وغيظ ويقول: لكن انظري إليه، أهذا طفل!
    فتضمه بحنان شديد إلى صدرها، كأنها تتمنى لو تعيده إلى رحمها، وتسكب على يديه دموعاً غزيرة وهي تبوح له وحده بأنها تحبه بجنون، وبأنها لاتستطيع أن تتمنى موته أبداً.
    طوال شهور نسيت أخاه الأكبر -صار الصغير المشوه هاجسها، لم يمش حتى السنتين والنصف، ولم يتعلم النطق. الأب تعايش مع الجرح بأنجح وسيلة: تجاهَلَهُ، أهمله ونفاه إلى الضواحي القصية من حياته، صاباً كل اهتمامه على ولده السليم.
    وحدها الأم كانت تشتري للمعتوه ثياب العيد، ولا تمل من غسل ملابسه التي يلوثها عامداً مذعناً لشياطين تتلبس روحه، تأمره أن يعفّر نفسه في التراب وأن يسكب محتويات صحنه على ثيابه ورأسه. كانت تضرب ابنها السليم حين يضرب أخاه المجنون، وتهدده بحرمانه من حلوياتها التي كانت تحضرها خصيصاً للمجنون الصغير.
    أجهدت نفسها في تعليمه الكلام، رغم أن كل الأطباء نصحوها أن لافائدة في جعله ينطق، لكنها توصلت مع الأيام إلى جعله يهمهم، وكانت وحدها قادرة على ترجمة تلك الهمهمة. كان زوجها يتضايق من شدة اهتمامها بالصغير المتخلف، ويشاجرها لإهمالها أسرتها، مؤكداً لها أن الرحمة الحقيقية للجميع أن يموت هذا المسخ.
    لم تكن تستطيع تخيل خلو حياتها منه، إنها تحبه بجنون، تحسه قطعة منها، هذا المعتوه الصغير، الذي يفاجئها في لحظات خاطفة كيف يرنو إليها بعينين تفيضان وجداً. ما أجمل عينيه قبل أن يغفو، ماكان ينام إلا وهو يطيل التحديق إلى وجهها، فتحس بالتحوّل البطيء والتدريجي لملامح وجهها، تحس بالحنان يرفرف حولها كفراشاتٍ من نور.
    ذات يوم سالت دموعه من شدة تحديقه إلى وجهها، وحين كانت تبتعد كان يُصدر أصواتاً متألمة تضطرها للعودة إليه. وحدها كانت دنياه، دنياه الغنية بالحب والتي لم يستطع ذوو العقول المحدودة المتباهون بصحتهم العقلية أن يدركوا كنه حب المجانين للعالم.
    لم يصدقها أحد من أفراد أسرتها حين كانت تصف لهم حساسية الصغير العالية ورقته وذكاءه الخاص.. ذات يوم حين كسر المزهرية من الكريستال، ضربه والده بقسوة وهو يهزه من كتفيه النحيلتين قائلاً: الله يلعن الساعة التي شرّفت بها إلى الدنيا، والله لقد جعلت حياتنا جحيماً، لكني لا ألومك، بل ألوم التي تفوقك جنوناً : أمك.
    يومها التجأ بخطواته المتعثرة، ومشيته المخلّعة إلى حضن أمه، رمى نفسه في حضنها وهو يرتعش خوفاً كجرو صغير أفلت لتوه من انقضاض وحش مفترس عليه.
    كان يبكي ويهمهم بأصوات مخنوقة مبهمة أشبه بالخوار، واللعاب يسيل بغزارة من فمه، ضمته إلى صدرها، رشفت دموعه بشفتيها، مسحت لعابه بكم فستانها، هدهدته حتى غفا.. كانت تتجاهل نظرات زوجها الغاضبة، وحين لم يعد يطيق صبراً هزّها من كتفها قائلاً: ماعادت عيشتنا عيشة، أفكر أن ألحقه بمدرسة للمتخلفين عقلياً.
    صرخت: لا، لن أسمح بذلك مادمت موجودة.
    -لكنه خرّب نصف أغراض المنزل، وهو لم يكمل الرابعة من عمره بعد.
    قالت باكية: لا، أرجوك، يستحيل أن يعيش في مصحٍ للمعوقين.
    صرخ: لماذا؟
    لم تستطع أن تجيب في الحال، لكنها تمكنت بعد لحظات من جمع شتات نفسها، قالت وهي تحس أنها تسيل حباً كماءٍ مقطر يغسل الصغير: لأنني أحبه أكثر من أي شيء في الدنيا. انطفأ الرجل، وهلة. شعر أن كلماتها خدّرته كالبخور. كان يشعر بالخدر كلما استنشق بعمق رائحة البخور. هل كانت كلمات زوجته متشكلة من بخار روحها المتألمة؟
    صارت فائقة الرقة مع مجانين الشوارع، تتساءل بشفقة: ماذنبهم؟
    كانت تفكر طويلاً بمنطق جدتها في تفسير وجوه البشر المشوهين والمتخلفين: لكي يتمجد اسم الله. لم تكن تقبل هذا المنطق أبداً، ترد بسخطٍ على جدتها: لكن الله لايحتاج كي يتمجد اسمه أن يخلق بشراً غير أسوياء يتعذبون ويعذبون أسرهم معهم. لكن الجدة تصر على تفسيرها، وتستشهد بآيات من الإنجيل، حين سأل أحدهم يسوع المسيح: أي ذنب اقترفه هذا المسكين المسكون بالشياطين، حتى يكون مجنوناً؟
    قال المسيح: لا لذنب اقترفه، بل ليتمجد اسم الله.
    انفتح باب غرفة الانتظار فجأة، أطلَّ الطبيب، نظر في ساعته معتذراً لها قائلاً: أنا آسف، لم أتوقع أن حالة السيدة معقدة هكذا.
    كانت سيدة مفرطة الأناقة، تخرج من غرفة الفحص، تضغط قطعة من القطن بين فكيها، وحين لمحت الطفل شهقت ورسمت بآلية علامة الصليب على صدرها. تحفزت الأم وصفعتها بقوة بخيالها، لكنها حملت الصغير ولحقت بالطبيب إلى غرفة المعاينة.
    كان يدير لها ظهره، يغسل أدواته، ويقذفها في صينية معدنية بجانب المغسلة قال لها: خير، هل عاد الضرس نفسه يؤلمك؟
    قالت: أقصدك هذه المرة لأجل الصغير.
    تعوّدت على نصال الألم تنهالُ بلا رحمة مخترقة قلبها، كلهم يذهلون حين تعتني بابنها المعتوه، كانت تصرخ أحياناً، لكنه روح، روح.
    كانت لهجته تعني تحديداً: هل يستأهل هذا المسخ عنايتك؟
    لم يسمح المعتوه الصغير للطبيب بفحصه، إلا وهو في أحضان أمه، أخذ وجه الطبيب يزداد قتامة وهو يمعن في جوف فم الصغير، قال للأم بعد أن انتهى من فحصه: تشوه شديد في الفكين والأسنان، الحالة صعبة جداً، ومكلفة للغاية أرى أنه من الجنون التفكير بتصحيح تشوه فظيع كهذا..
    سألت وكأنها لم تسمع كلامه: ما الكلفة يادكتور؟
    حدّق الطبيب إلى وجه المتيمة حباً وقال: الكلفة كبيرة، لو أردتِ أحسبها لك. لم يكمل لأن بقايا وجدان ذكرته أنها أمْ.
    قالت: المال لايهم، سأتدبر الأمر.
    رفع الطبيب كتفيه لامبالياً وقال: كما تشائين، لكن من واجبي أن أقول لك حرام هدر المال.
    خرجت من عيادة الطبيب تحمل ابنها، كانت ذراعه اليسرى تحيط بعنقها وتعبث بشعرها، وذراعه اليمنى نصف المشلولة تنسدل مرتخية على صدرها. كان حاجز صدره النحيل ينقل إلى صدرها إيقاع دقات قلبه، تناغم إيقاع القلبين مع إيقاع خطواتها وعَتْ بعمق كيف يتوحد قدرهما بالحب، الحب صليب، صليب جميل. انتظم إيقاع القلبين وطغى على ضجيج الشارع وصوت المذياع الملعلع. تحوّل الإيقاع إلى كلمات مبهمة أخذت تزداد وضوحاً مع تسارع خطواتها. كان قلبها يغني بسرور باكٍ: يكفي أن يحبك قلب واحد كي تعيش. ياصغيري البريء، ياطفلي الرائع.
    توقفت عند إشارة المرور. تنبهت إلى أنه أغفى على كتفها، قبّلت وجنته المنداة بلعابه، أحست أنها ترشف عسلاً. دمعت عيناها وهي تتمنى له أحلاماً سعيدة.
    د. هيفاء بيطار

     

     


     
    رد مع اقتباس

    إضافة رد

    مواقع النشر (المفضلة)

    الكلمات الدلالية (Tags)
    قصيرة

    قصص قصيرة


    الانتقال السريع

    المواضيع المتشابهه
    الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
    بمناسبة العيد ...... قصص قصيرة Dr.Samo موضوعات عامة ... موضوعات خفيفة ... منوعات 33 1st September 2011 10:50 PM
    خمس قصص قصيرة جدا ALEXANDER الأسرة والطفل 2 21st May 2010 04:46 AM
    قصص قصيرة ..!! ابتسامــة المكتبة 22 24th April 2010 09:59 PM
    قصص ana_3enady موضوعات عامة ... موضوعات خفيفة ... منوعات 6 23rd January 2010 06:21 PM
    من قصص الصالحين.!!! Badroora شؤون إسلامية 11 9th November 2008 10:05 AM

    Currency Calculator
    Your Information
    RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


    Powered by vBulletin® Version 3.8.8
    .Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
    (جميع الأراء والمواضيع المنشورة تعبِّر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة عن رأي إدارة منتديات المطاريد)
    SSL Certificate   DMCA.com Protection Status   Copyright  


    تنبيه هام

     يمنع منعاً باتاً نشر أى موضوعات أو مشاركات على صفحات منتديات المطاريد تحتوى على إنتهاك لحقوق الملكية الفكرية للآخرين أو نشر برامج محمية بحكم القانون ونرجو من الجميع التواصل مع إدارة المنتدى للتبليغ عن تلك الموضوعات والمشاركات إن وجدت من خلال البريد الالكترونى التالى [email protected] وسوف يتم حذف الموضوعات والمشاركات المخالفة تباعاً.

      كذلك تحذر إدارة المنتدى من أى تعاقدات مالية أو تجارية تتم بين الأعضاء وتخلى مسؤوليتها بالكامل من أى عواقب قد تنجم عنها وتنبه إلى عدم جواز نشر أى مواد تتضمن إعلانات تجارية أو الترويج لمواقع عربية أو أجنبية بدون الحصول على إذن مسبق من إدارة المنتدى كما ورد بقواعد المشاركة.

     إن مشرفي وإداريي منتديات المطاريد بالرغم من محاولتهم المستمرة منع جميع المخالفات إلا أنه ليس بوسعهم إستعراض جميع المشاركات المدرجة ولا يتحمل المنتدى أي مسؤولية قانونية عن محتوى تلك المشاركات وإن وجدت اى مخالفات يُرجى التواصل مع ادارة الموقع لإتخاذ اللازم إما بالتبليغ عن مشاركة مخالفة أو بالتراسل مع الإدارة عن طريق البريد الالكترونى التالى [email protected]