قرية مصرية تخلو من الفقر والبطالة
ممدوح الولي
16 أكتوبر, 2011
توجد أربع كليات جامعية في قرية مصرية، تم بناؤها بالجهود الذاتية ، بحيث لم تتكلف الحكومة بها جنيها واحدا . وبجوار الكليات الأربع هناك مدينة جامعية ضخمة للطالبات ، ومدينة جامعية للطلاب تسع ألف طالب داخل القرية وبالجهود الذاتية أيضا .
في قرية تفهنا الأشراف التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية والتي لا تبعد عن مدينة القاهرة سوى مسافة ساعة ونصف بالسيارة . ولم يقتصر الأمر على ذلك فهناك حضانة كبيرة وستة معاهد أزهرية ومحطة صرف صحي ، ومستشفى ومجمع للخدمات يضم مشغلا ومكتبا للبريد ، وقاعة مناسبات إلى جانب محطة سكة حديد بالقرية , وكلها بالجهود الذاتية .
والمثير في التجربة أنها حدثت في قرية معدمة ، كانت متخصصة في تصدير عمال التراحيل ، وتبدأ القصة بمجموعة من شباب القرية الذين أنهوا فترة تجنيدهم الطويلة بعد حرب أكتوبر 1973. وسعوا لعمل مشروع إنتاجى يتكسبون منه ونظرا لتخرج بعضهم في كلية الزراعة فقد قرروا إنشاء مزرعة دواجن , كانت تتكلف حوالي ألفي جنيه مصري عام 1974.
وكان المقرر اشتراك عشرة أفراد لتجميع المبلغ المطلوب بواقع مائتي جنيه مصري لكل شخص ، و وصل عدد المشاركين إلى تسعة ، ومر وقت غير قصير دون استطاعة الاتفاق مع الشريك العاشر ، بسبب حالة الفقر بالقرية . ولما طال الوقت اقترح أحدهم أن يبدأوا في المشروع مع اعتبار أن الله سبحانه وتعالى هو الشريك العاشر ، وتخصيص نسبة لله من الأرباح.
ورضخوا للأمر مضطرين . وقاموا بتسجيل عقد الشراكة بالشهر العقاري بالمدينة ، وقد قسموا خلاله المهام بين الشركاء , و كان من بين نصوصه اتفق المخلوق مع الخالق . اتفق الفقير مع الغني . اتفق الضعيف مع القوي .
على تأسيس شركة دواجن بناحية تفهنا الأشراف على أن يتكفل الشركاء بالعمل , وأن يتكفل الله بالحراسة وبالحماية من الآفات والأوبئة والأمراض وبدأ العمل ليسفر الإنتاج عن معدلات ممتازة جعلتهم بعد إخراج نسبة 10 % من الربح لله يقررون أن تكون النسبة التي ستكون لله في دورة الإنتاج القادمة هي 20 % ، عرفانا بالفضل لله على زيادة الإنتاج بصورة غير عادية . وعندما جاء الوقت الموعود وجدوا إنتاجا فاق توقعاتهم , فقرروا أن تكون النسبة التي سيتبرعون بها لله بالمرة القادمة هي 30 % . وهكذا تكررت النتائج الباهرة مما جعلهم يزيدون النسبة المقررة لله إلى 40 % ثم إلى 50 % . وتوسع المشروع من مزرعة دواجن إلى اثنتين ثم إلى ثلاث مزراع ، وهكذا حتى بلغ العدد عشر مزارع . وبدأ التفكير في إنشاء مصنع للأعلاف , ثم مصنع للمركزات تلاه التعاقد على زراعة أرض اشتروها بمنطقة الصالحية ، والقيام بتصدير المحاصيل.
ومع تلك التوسعات كان الريع المخصص للعمل الخيري قد اتجه لإقامة حضانة لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم بالمجان ، ثم بناء معهد ديني ابتدائي للبنين ثم آخر للبنات. ثم معهد إعدادي للبنات ثم آخر للبنين . ثم معهد أزهري للبنات ثم آخر للبنات.
ثم تم إنشاء كلية جامعية للشريعة والقانون , تلاها كلية للتجارة بنات ثم كلية الأصول الدين ثم كلية رابعة للتربية . وساهم الأهالي بالتبرع حسب استطاعتهم بداية من العمل في البناء إلى التبرع بالأرض والمال حسب الاستطاعة .
وحتى تنجح التجربة تم عمل لجان متخصصة للتنمية داخل القرية ما بين لجنة للزراعة مكونة من المهندسين الزراعيين على المعاش ، لبحث كيفية زيادة إنتاجية المحاصيل المزروعة . ولجنة للشباب تختص بشغل أوقات فراغهم ولجنة للتعليم مكونة من نظار المدارس بالمعاش لرفع المستوى التعليمى بالقرية.
ولجنة للمصالحات لها مقر ودفاتر للسعي للصلح في الخلافات المتنوعة داخل القرية . فالخلاف الزراعي يتدخل في حله متخصصون في الزراعة ، والخلاف الهندسي يتكفل به مهندسون مدنيون وهكذا في باقي أنواع الخلافات .
وكانت نتيجة أعمال لجنة المصالحات أنه لم تصل مشكلة واحدة من القرية إلى مركز شرطة ميت غمر طوال العشرين عاما الماضية . لدرجة أنه كان بالقرية اثنان من المحامين قبل التجربة . فقام أحدهما بغلق مكتبه وقام الآخر بتحويل نشاطه إلى مأذون شرعي.
وتم حصر الأرامل والمطلقات لتدبير وسيلة كسب لكل منهن ، من خلال إعطائها غنمة وكمية من الأعلاف . كذلك تدريب الفتيات على الخياطة وإعطاء كل منهن ماكينة خياطة وتكليفهن بتفصيل مرايل الحضانة والتي يتم توزيعها بالمجان . فضمنت الخياطات التسويق.
كما تم حصر أصحاب الحرف بحيث تم شراء أدوات الحرفة لكل منهم حتى لو كان طبيبا يتم شراء أدوات الطب له . أما غير أصحاب الحرف فقد تم الاتفاق مع متاجر جملة على إمدادهم بالبضائع لعمل منافذ بيع للسلع . وتسبب وجود أربع كليات جامعية بالقرية في حدوث رواج تجاري وحركة نشطة للنقل والمواصلات . والنتيجة أنه لم يعد بالقرية عاطل ولا فقير وأصبحت القرية منذ سنوات طويلة تدفع زكاة أموالها إلى القرى المجاورة .