أثارت حادثة احتجاج مجموعة من قواتالأمن التونسي الحاملة للسلاح أمام إحدى المحاكم التونسية، وتطويق مقرها بالسيارات الأمنية للمطالبة بالإفراج عن ثلاثةمن زملائهم المتهمين في قضية "شبهة تعنيف" الاثنين، أثارت جدلا واسعابين المنظمات الوطنية والحقوقية والأحزاب السياسية التي حذرت من تغول النقاباتالأمنية على الدولة ومؤسساتها.
فيما وصفت نقابات سلك القضاءوالمحامين الحادثة بـ"غير المسبوقة" في محاولة للضغط على سير القضاءالتونسي باستعمال قوة السلاح، وتكريسا لمبدأ الإفلات من العقاب والتمرد علىالقانون، داعية كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة لتحمل مسؤوليتهما كاملة في فرضالقانون وهيبة الدولة.
وكانت نقابة موظّفي الإدارة العامة للأمن العمومي، دعت الأحد في بيانوصف" بالتمرد الأمني الغير مسبوق" جميع منظوريها إلى "الاستنفار والحضور" صباح الاثنينأمام المحكمة الابتدائية ببن عروس وذلك على خلفية إيقاف ثلاثة من زملائهم الأمنيينمن أجل "شبهة التعنيف".
جمعيات ومنظمات تدين
وسارعت نقابة القضاة التونسيين إلىوصف حادثة تطويق المحكمة من قبل مجموعة من أفراد الأمن التونسي الحامل للسلاح بأنه "تجاوز يرتقى إلى مرتبة الجرائمالمنظمة" مشددة أن "ما بدر من سلوك الأمنيين بعيد كل البعد عن الاحتجاجالسلمي ليتجاوزه إلى محاولة للضغط مباشرة على القضاة".
وحمّلت النقابة في السياق ذاتهالسلطة التنفيذية، المسؤولية في تأمين المحاكم التونسية "وممارسة صلاحياتهاالرقابية والتأديبية إزاء منظوريها".
ودعت جميع القضاة إلى التشبث بمبدأاستقلالية السلطة القضائية وعدم الرضوخ لأي ضغوطات من أي جهة كانت والتشبث بالتتبعالجزائي للمخالفين حفاظا على حرمة المحاكم.
وفي السياق ذاته أكدت عضو المكتبالتنفيذي لجمعية القضاة التونسيين لمياء ما جري في تصريح لـ"عربي21" أن "ماحصل من تطويق أمني باستعمال السلاحوالسيارات الأمنية لمحكمة بن عروس يعد اعتداء سافرا على أحد مقرات سيادة الدولة،ومحاولة من هذه النقابات لإعاقة عمل القضاة وسير العدالة ومحاولة للضغط على قاضيالتحقيق".
وتابعت:"استباحة ساحات المحاكم من قبل الأمنيين التي عايناها كجمعية يعد سابقة خطيرة من شأنها أن تفتح الباب علىمصراعيها لأي جهة كانت للتهجم على القضاة والمقرات القضائية بهدف الضغط عليها ".ونددت في الآن ذاته من غياب أي رد فعل رسمي حكومي تجاه هذه الحادثة.
عضوالمكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين أكدت أيضا على دعوة الجمعية للحكومة إلىبعث جهاز أمن قضائي توكل له مهمة حماية المحاكم التونسية من الانتهاكات من أي جهةكانت.
بيان مشترك لـ6 منظمات
بدورها أصدرت ستة منظمات وطنيةتونسية بيان تنديد مشترك ضم كل من الجمعية التونسية للمحامين الشبان، والمنظمةالتونسية لمناهضة التعذيب، والنقابة الوطنية للصحفيين،و المنتدى التونسي للحقوقالاقتصادية والاجتماعية، وجمعية يقظة واللجنة من أجل احترام حقوق الانسان ،حذرتخلاله من تغول النقابات الأمنيةوبأنها"باتت تشكل تهديدا واضحا على السلمالاجتماعي في الوطن". بحسب نص البيان.
وشددت هذه المنظمات على ضرورة "تطهير السلك الأمني ومحاسبة منثبت إدانتهم و احترام ما جاء في الفصل 19 من الدستور الذي يؤكد على أن الأمنالوطني هو أمن جمهوري، مكلف بحفظ الأمن والنظام العام وحماية الأفراد والمؤسساتوالممتلكات وإنفاذ القانون، في كنف احترام الحريات وفي إطار الحياد التامّ" .
ودعت المنظمات المذكرة "السلطة التنفيذية إلى تحمل مسؤوليتها تجاه ما آلت إليه الأوضاعالفوضوية بمحكمة بن عروس"، وطالبت في الآن ذاته وزارة الداخلية "بالتدخلالعاجل لضبط أعوانها وتنظيم تحركاتهم والإحاطة بهم، واتخاذ اجراءات حازمة ضد دعاةالتمرد على الدولة".
أحزاب تندد
أحزاب تونسية معارضةنددت بدورها بحادثة تطويق محكمة بن عروس من قبل الأمنيين للمطالبة بإطلاق سراحزملائهم الموقوفين، حيث عبر الحزب الجمهوري عن رفضه لما أسماه :" كل أشكالالضغط و محاولة النيل من استقلال القضاء خاصة اذا ما كان صادرا عن قوى الأمنالحاملة للسلاح و باستعمال الوسائل التي وضعت على ذمتهم لأداء مهامهم الأمنية".
وعبر الحزب في بيان نشر عبر موقعه الرسمي، على تضامنه مع القضاة، وطالب وزير الداخلية و رئيس الحكومة "باتخاذكل التدابير الإدارية و إثارة التتبع ضد كل من ثبت تورطه في هذا التهديد الخطيرللسلطة القضائية ولاستقلالها المضمون بالدستور".
بدوره أدان أمين عام حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشيفي بيان ما أسماه بـ "تمرد فصيل من النقابات الأمنية على الدولة ومؤسساتهاالقضائية"، معتبرا ما صدر عن بعض الأمنيين "مسّا من هيبة الدولة وتعدّيا صارخا على الدستور وخرقا خطيرالمبادئ الجمهورية وضربا لاستقلالية السلطة القضائية"، ودعا في السياق ذاتهالحكومة لتحمل مسؤوليتها كاملة وفتح تحقيق ومحاسبة "المسؤولين عن هذاالتمرد". بحسب نص البيان.
النقابة الأمنية ترد
وفي ردها على الاتهاماتالتي طالت النقابات الأمنية والدعوة إلى محاسبتها، اعتبر رئيس نقابة موظفيالإدارة العامة للأمن العمومي عماد بن علي في حديثه لـ"عربي21" أن ماقامبه مجموعة من أفراد قوات الأمن الحاملة للسلاح أمام محكمة بن عروس بالتزامن معموعد النطق بالحكم في قضية من زملائهم الموقوفين هي "مجرد وقفة مساندة وبعيدةكل البعد عن مبدأ التمرد".
وحول ما ورد فيالبيان الخاص بالنقابة الأمنية والذي دعا صراحة جميع الأمنيين إلى مقاطعة تأمين الجلسات بالمحكمة الابتدائية ببنعروس الاثنين، وعدممغادرة أسوار المحكمة إلى حين الإفراج على زملائهم الأمنيين، اعتبر بن أن ذلكيندرج في إطار جميع الأشكال النضالية التي يضمنها لهم القانون والدستور التونسيإيمانا منهم ببراءة زملائهم الأمنيين، حسب قوله.
وتابع : "وقوفنا أمام المحكمةناتج عن مخاوف لدينا من محاولة الضغط على سير القضاء من قبل أطراف أخرى تشتغل ضدمصلحة المؤسسة الأمنية وتهدف إلى تركيعها وضربها لخدمة أجندات سياسية وتجاذبات حزبية ضيقة".
وبخصوص ردود الفعل والبياناتالغاضبة من سلوك النقابات الأمنية في محكمة بن عروس، اعتبر رئيس النقابة أنها"مجرد أقلام مأجورة تهدف لتشويه المؤسسة الأمنية".
مضيفا:" لو لم يكن لدينا ثقةفي نزاهة واستقلالية القضاء التونسي كما يدعون لما سلمنا بأنفسنا زملاءنا المتهمين للمحكمة من أجل ضمان سير المحاكمة فيظروف عادية ولما أصدر القضاء التونسيقراره بالإفراج عنهم بسبب توفر قرينة البراءة".
مزيد من التفاصيل