نشرت صحيفة"بوبليكو" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن تحول خطابات الشعبويةوالقومية إلى وباء في صلب النظام العالمي الجديد، في ظل تعالي خطابات "روسياأولا" أو "أمريكا أولا"، وتمجيد الثورة الثقافية للرجلالصيني العظيم في القرن الحادي والعشرين. عموما، لا يعد اعتماد القوى النوويةالثلاث على هذا الخطاب من قبيل الصدفة أو دون هدف، حيث تخفي هذه النزعة في طياتهاحربا باردة جديدة من شأنها أن تهز العالم.
وقالت الصحيفة، فيتقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تزايد الإنفاق العسكري، والتصعيدالنووي، أصبح من المظاهر المهيمنة على النظام العالمي الحالي. ويضاف إلى ذلك التغييرات الاقتصادية بموافقة المجتمعات التي تسيطر عليها الرقابة وأيديولوجية مابعد الحقيقة ضمن الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام.
وبينت الصحيفة أن نموذجالقوة الرادعة الذي كان سائدا قديما عاد مجددا ليهيمن على العالم. وفي الوقتالراهن، اتخذ هذا التوجه منحى خطيرا للغاية، ما من شأنه أن يكشف عن تزايدالتكتيكات والاستراتيجيات الهادفة إلى ردع القوى المتنافسة، في صلب النظامالعالمي، لبعضها البعض.
في الآن ذاته، تبدوالاستراتيجية الجغرافية المعاصرة غير مستقرة بشكل أكبر، وتشمل مزيدا من مصادرالتوتر. علاوة على ذلك، يميل الوضع الجيوسياسي إلى تفجير قنبلة موقوتة تحركها حربباردة خفية، لا تحتاج سوى إلى الدافع حتى تنفجر على العلن. وتتغذى الحروب الباردةعلى أسلحة محددة ومدمرة، وتعوّل على قادة لا يترددون في الضغط على الزناد. فيالأثناء، يتسم قادة الحروب الباردة بعدم توخي الحذر أو اعتماد طرق دبلوماسية مثلالتي أنهت الحرب العالمية الثانية.
وأحالت الصحيفة إلى أن منبين التوجهات الأخرى السائدة في العالم، رفض حقيقة التغيير المناخي في ظل تعرضالنظام البيئي للتهديد، ووضع الحواجز أمام التجارة الحرة في خضم العولمة وفجرالثورة الرقمية والثورة الصناعية الرابعة. كما اجتاحت العالم سياسات إغلاق الحدودأمام المهاجرين وحتى السلع، وتنامي مظاهر الكراهية للأجانب، وازدهار آلياتالاستمرارية في السلطة.
وكشفت الصحيفة أن سيناريوجديد في إطار النظام العالمي ظهر بشكل خاص منذ أن وصل ترامب إلى إدارةالبيت الأبيض. وعلى الرغم من بروز سيناريو القوة الرادعة في وقت سابق بقيادةالكرملين، وقبول بكين به، إلا أن الوضع الحالي لا يبشر بخير.
وأضافت الصحيفة أن تناميالخطابات القومية من قبل القوى النووية الثلاث، أي روسيا بوتين، والولايات المتحدةالأمريكية بقيادة ترامب، والصين بقيادة تشي جين بينغ، لا يعد من قبيل الصدفة أوأمرا اعتباطيا. في الواقع، يعد هذا التوجه نتيجة لاستراتيجية محددة بشكل مسبق.
وأوضحت الصحيفة أن جذورانتشار الخطاب الشعبوي القومي في روسيا تعود إلى 15 سنة إلى الوراء. وقد لاقى هذاالتوجه رواجا بالأساس منذ اقتحام وكيل الكيه جي بي السابق، فلاديمير بوتين، للساحةالسياسي. وقد عمل بوتين على زرع قيم القومية في صفوف المقربين منه، والمسيطرين علىالسلطة الاقتصادية بمختلف انتماءاتهم.
وبينت الصحيفة أن الصينشهدت تنامي الخطاب القومي خلال السنوات الخمس الأخيرة، أي بالتزامن مع ظهور شيجين بينغ. وقد ساهم إعلان جين بينغ الذي يفيد بأنه "يرغب في أن تشهد الدولةالتي تضم أكبر عدد من السكان حول العالم عهدا جديدا"، في تغلغل خطابه فيالمجتمع.
واعتمد الزعيم الصيني فياستراتيجية النهوض "بأمته" خطة "التحول من المصنع الذي يصدر أكبرحجم من المنتجات بأرخص الأسعار في الخارج" إلى "التعويل على الاقتصادالتكنولوجي". في الآن ذاته، يختفي وراء هذا الخطاب القومي نوايا أخرى نجح جينبينغ في بلوغها، ألا وهي التخلص من العائق الذي يحد من فترة ولايته في الصين.
وأحالت الصحيفة إلى أنصعود الشعبوية والخطاب القومي في الولايات المتحدة وقع بشكل مفاجئ وغير متوقع،منذ ظهور ترامب في الساحة السياسية واعتلائه سدة الحكم. وقد نجح ترامب في جعلغالبية الشعب الأمريكي يرى في رسالة "أمريكا أولا" عودة إلى العصورالقديمة المزدهرة.
وأوردت الصحيفة أن روسياتعد الدافع الذي حفز على استقرار النظام العالمي الجديد. ففي الواقع، يتسمفلاديمير بوتين بمزايا ويتفوق أمام منافسيه على مستوى الهيمنة على النظام العالمي.ولا تتمثل هذه الميزة في كونه الأقدم على الساحة السياسية من بين قادة القوىالعظمى الثلاث فقط، بل تتجاوز ذلك إلى كون بوتين يعدّ أول من آمن بتغيير دورةالنظام العالمي.
وفي حين تركت شعبويتهالقومية أثرا عميقا خلال السنوات الأخيرة، يملك الوكيل السابق في الكيه جي بيسلاحا عظيما يتمثل في الهجمات السيبرانية. بالإضافة إلى ذلك، يسيطر بوتين على سلاحالأخبار الزائفة لتوليد الانقسام في المجتمعات الغربية، وتعزيز عدم الاستقرار فيدول أخرى.
وأفادت الصحيفة بأن روسياتستعمل أساليب الكيه جي بي القديمة، لكن مع العمل على تكييفها مع العصر الرقمي، خاصة الفضاء السيبراني. وعلى هذا النحو، تعمل روسيا على إنشاء خلايا نشطة، تعملعلى استقطاب جملة من النشطاء أو المتعاطفين مع مصالحها الاستراتيجية. ويعمل هؤلاءالأشخاص على تقسيم المجتمعات وفقا لأجندة الكرملين الإعلامية. كما تحقق موسكوأهدافها عبر مصنع مصادر الأخبار الخاص بها، التي تنتشر في الشبكات الاجتماعيةووسائل الإعلام، على غرار سبوتنيك الروسية.
وذكرت الصحيفة أن الصينترغب من جهتها في السيطرة على النظام العالمي من خلال "دبلوماسيةالباندا"، ونشاطها الاقتصادي، فضلا عن التزامها بالتحول الرقمي. وقد تزامن معتبني هذه الاستراتيجية تنامي المصطلحات التي تعزز الحس الوطني. وتسعى الصين إلىإحكام قبضتها على الصولجان العالمي في ظل تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية فيالساحة العالمية، ورفضها لاستراتيجيات عالمية.
وفي الختام، أشارتالصحيفة إلى أنه في ظل هذا الوضع واستقرار نظام عالمي جديد تحركه نزعة ردع القوىالعالمية لبعضها البعض، تحوم الاتهامات حول إدارة ترامب على خلفية التخلي عن دورالقوة العالمية الأولى والتفريط فيه لجهات أخرى. فقد اعتمد ترامب دبلوماسية غيرمنتظمة، وقاد حربا تجارية. من جانب آخر، يعتبر حلف الناتو أن روسيا هي المسؤولة عنزعزعة استقرار النظام العالمي الذي كان قائما قبل فترة.
مزيد من التفاصيل