تعقد الثلاثاء في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا جولة جديدة من المفاوضات التساعية بين وزراء خارجية وري ورؤساء المخابرات بمصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة، وهي الجولة التي استبقها تلاسن واتهامات إعلامية بين الأطراف الثلاثة المقرر مشاركتها في الاجتماعات.
المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية انتقد تصريحات وزير الخارجية المصري، بعدم مشاركة مصر في أعمال اللجنة الفنية التي كان مقررا لها اليوم قبل بدء أعمال اللجنة التساعية غدا الثلاثاء، مؤكدا أن تصريحات شكري تتناقض مع مبادئ ما وضعه رؤساء الدول الثلاثة، وأن مصر تريد أن تجر القضية خارج اتفاق إعلان المبادئ الموقع بينهم في آذار/ مارس 2015.
واتهم المتحدث الإثيوبي مصر عدم التعاون بجدية في المشاورات الثلاثية بالإضافة لكشفها بعض القضايا الحساسة للإعلام، وهو ما نفته مصر مؤكدة علي لسان المتحدث باسم خارجيتها أنها تأمل حل الأزمة بما يخدم مصالح كل الأطراف.
هذا التراشق الإعلامي بين الأطراف المعنية يطرح تساؤلات عن خيارات القاهرة باعتبارها الأكثر ضررا من إنشاء السد، وهل يمكن أن تكون عرقلة المفاوضات الفنية وراءها تحركات مصرية لاعادة ترتيب أوراق هذا الملف الشائك، أم أن ما يجري لا يعدو عن كونه مشاغبات سياسية لن تغيير من الأمر القائم شيء.
ويؤكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق عبد الله الأشعل لـ"عربي21" أن النظام المصري قبل بالوضع الراهن وهو الذي أدخل نفسه في الأزمة، عندما وتر العلاقات مع السودان، التي بدورها بحثت عن مصالحها مع إثيوبيا، ثم بقبول السيسي بأن تضحك عليه إثيوبيا وتقنعه بالتوقيع على اتفاق المبادئ.
وأشار الأشعل أن الحكومة المصرية غير مُصرة منذ البداية علي حقها في مياه النيل، وبدلا من أن تبحث عن حلول لوقف بناء السد أو تقليل مخاطره، بحثت عن مصادر مياه بديلة مثل معالجة الصرف الصحي ومنع زراعة الأرز.
وفيما يتعلق بالحلول البديلة لمصر حول السد، أكد مساعد وزير الخارجية الاسبق أن مصر ليس لديها أي نية للمغامرة العسكرية، خاصة وأن أمريكا وإسرائيل أطراف في الازمة، ولان الجيش المصري موقع علي اتفاقيات دفاعية مشتركة مع امريكا فلن تسمح الاخيرة بقيام مصر بأي تحركات عسكرية ضد اثيوبيا التي تخضع لحمايتها.
ويشير إلى أنه حتى إذا كان لمصر النية في ذلك فإن الواقع يؤكد أيضا فشل مثل هذه المغامرة، في ظل بُعد المسافة بين مصر وإثيوبيا، وحتي إذا شنت هجمات عسكرية فلابد أن تمر عبر الأراضي السودانية وهو ما لن تسمح به الخرطوم، إضافة لأن تاريخ المواجهات العسكرية بين البلدين تصب في صالح إثيوبيا التي سبق وأن سحقت الجيش المصري في حربيين خلال حكم الخديو إسماعيل.
ويقول الأشعل أن الأهم من ذلك أن إفريقيا ليست مع مصر، ولن تقف معها ضد إثيوبيا، وحتي اللقاءات المصرية مع أوغندا وروندا وغيرهما من دول حوض النيل، ليس لها تأثير يذكر لأن 80 % من مياه النيل القادمة لمصر تأتي عن طريق إثيوبيا وليس عن طريق باقي دول الحوض.
ويري أن تحركات النظام المصري لا تخرج عن مساريين الأول هو معرفة النظام منذ البداية بأنه خارج المعادلة في موضوع السد وأن ما يقوم به من باب المناوشات السياسية وبالتالي تكون كل تصرفاته عن قصد لحفظ ماء الوجه ليس إلا، أو أن النظام تعامل بفشل وسوء إدارة، كما هو حاله مع الملفات الداخلية السياسية والاقتصادية، وبالتالي فعليه أن يترك الساحة لغيره ويرحل قبل أن يتوسع الخراب أكثر من ذلك.
بدوره يرى الباحث المتخصص في شئون الأمن القومي عبد المعز الشرقاوي لـ "عربي21" أن فرص الخيارات المصرية العسكرية ضعيفة في قضية سد النهضة، موضحا أن التحركات المصرية لا تشير لمثل هذا الخيار لعدة أسباب، أبرزها أن إثيوبيا ليست دولة هامشية أو ضعيفة، وإنما دولة محورية بالقارة.
ويضيف الشرقاوي أن الأخطر من ذلك هو عدم قدرة نظام الانقلاب بمصر للقيام بمثل هذه المغامرة، لقناعته أن شرعيته هشة، وأن المجتمع الدولي سوف يتصدي لأي خطوة عسكرية يمكن أن يقوم بها، وهي أمور تهدد ببقاءه، ولذلك لن يلجأ إليها بأي حال.
ويوضح الخبير في شئون الأمن القومي أن مصر خسرت قضية سد النهضة عندما وقع رئيس الإنقلاب علي اتفاق المبادئ مع كل من السودان وإثيوبيا وهو ما منح إثيوبيا المبررات القانونية لمواجهة أي اعتراض مصري دوليا، كما أن مصر خسرت القضية عندما لم تحسن طرحها علي المجتمع الدولي، وأظهرت الموضوع باعتباره صراع زعامة وفرض إرادة وليس دفاعا عن مصالحها القومية.
ودعا الشرقاوي النظام المصري لإعادة صياغة علاقته بالسودان خاصة وأن الأخيرة تتحرك لمنع 18 مليار متر مياه كانت تمنحها لمصر، بل وتطالب بمقابل هذه السلفة المائية بأثر رجعي وهو ما يزيد من الأزمات المصرية المتعلقة بالمياه.
مزيد من التفاصيل