نشرت مجلة "كوزور" الفرنسية تقريرا أكدتفيه أنه في الوقت الذي لا تزال فيه تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقالنووي الإيراني تستحوذ على الرأي العام، يلوح في الأفق ملف جديد يتعرض بدورهلانتقادات ألا وهو الوجود الإيراني في سوريا.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته"عربي21"، إنه يوم الأربعاء الماضي، التقى فلاديمير بوتين ببشار الأسدفي سوتشي، وبعد تبادل المحادثات، علق المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، عننتائج هذا اللقاء للصحفيين معتمدا كعادته اللغة الخشبية، حيث قال "لقد جرتمحادثات معمقة بين الطرفين، وقد استغل الرئيس الروسي الفرصة لتهنئة نظيره السوريعلى النجاحات التي حققها الجيش النظامي السوري في محاربة الجماعات الإرهابية، مماساهم في توفير شروط إضافية لتفعيل العملية السياسية على نطاق واسع".
وأشارتالمجلة إلى أنه وراء هذا التصريح المراوغ والممل تختفي "قنبلة روسية"،فحسب الصحافة الروسية يتطلع بوتين، مع بداية العملية السياسية وفي أكثر مراحلهانشاطا، "إلى دعوة القوات المسلحة الأجنبية إلى الانسحاب من الأراضيالسورية".
واستدركت قائلة: "لكن لم يحدد بوتين بالضبط منيقصد بالضبط عندما قال القوات الأجنبية، فهل يحيل ذلك إلى القوات التركية التيتحتل عفرين أم القوات الأمريكية المنتشرة إلى جانب الوحدات الكردية؟ أو تراه يقصدالقوات الإيرانية المتمثلة في الحرس الثوري والميليشيات الشيعية وحزب الله؟".
ونوهت المجلة إلى أنه "لا يمكن فهم الغموض الذييلف تقرير الصحافة الروسية إلا في حال اعتباره إشارة مرسلة تحديدا إلى طهران، ولكيتصبح الرسالة أكثر وضوحا، صرح مستشار بوتين المكلف بالتعاون العسكري والتقني،فلاديمير كوجين، منذ ثمانية أيام، أي بعد مضي 24 ساعة من زيارة بنيامين نتنياهولموسكو، بأن بيع أنظمة الدفاع الجوي إس-300 إلى سوريا ليس من بين اهتمامات موسكو".
اقرأ أيضا: بومبيو يهدد إيران بعقوبات قوية ويضع 12 مطلبا وطهران تعلق
وقد برر كوجين ذلك قائلا إن "الجيش السوري لديهكل ما يحتاجه لمواجهة أعدائه"، مع العلم أنه قبل 15 يوما فقط كانت الحكومةالروسية ترى العكس، بحسب المجلة الفرنسية.
وأفادت المجلة بأنه "إذا عملنا على تحليل هذهالتفاصيل الدقيقة، سنتوصل إلى أن الروس قد قبلوا بالموقف الإسرائيلي، فهم لايعتقدون أن الجيش الإسرائيلي يستهدف بهجماته السوريين، ما يعني أنهم لا يحتاجونإلى تحسين دفاعات الجيش السوري الجوية".
وذكرت أن "إسرائيل ضمنت احترام القوات الروسيةالمنتشرة على الخطوط الحمراء التي تسيطر عليها موسكو، وبما أن الحرب الأهلية قدانتهت، فلماذا هذا الانتشار المكثف للإيرانيين في سوريا؟ إن هذا السؤال ليس مطروحامن قبل إسرائيل فحسب، بل يشغل روسيا أيضا".
وأضافت المجلة أن بقاء الأسد في الحكم يطرح عدةقضايا استراتيجية جديدة، مع العلم أنه لا يمكن اعتبار ذلك بمثابة"انتصار" في ظل هذه الفوضى التي وصلت إليها سوريا، لافتة إلى أن "هدفالرئيس السوري يتمثل في استعادة الوضع الذي كانت عليه البلاد قبل شهر مارس/ آذارسنة 2011".
ورأت أن "ما يطمح إليه الأسد لا يبدومستحيلا"، مستدركة قولها: "لكن يصعب تحقيقه في الوقت الحاضر، لأن على بشارالأسد أن يتخلص أولا من حلفائه واحدا تلو الآخر، وسيكون الإيرانيون أول من يجب التخلصمنهم".
اقرأ أيضا: هل تنجح أوروبا في تخفيف حدة العقوبات الأمريكية على إيران؟
وبينت المجلة أن "طهران تتعرض، من جهتها، إلىضغوطات شديدة بعد اتهامها بمحاولة نقل الحرب إلى إسرائيل، الأمر الذي أجبرها علىالتصرف بعجالة لتبعد عن نفسها هذه التهمة"، منوهة إلى أن "ذلك ظهر جليا منخلال تقدم مختلف الميليشيات الموالية لإيران دون غطاء جوي ولا دفاع مضاد للطائرات،الأمر الذي يجعل من هذه القوات عرضة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية".
وأكدت أنه "نتيجة لذلك، نجحت الضرباتالإسرائيلية في الحد من قدرات الإيرانيين في سوريا ومنعهم من تركيز خطوط دفاعناجعة لمجابهة القصف الإسرائيلي"، معتبرة أن "إسرائيل نجحت منذ قرابةعشرة أيام، في تدمير المنظومة الصاروخية أرض- جو الإيرانية، التي تعتبرها تل أبيبمستوحاة إلى حد ما من منظومة إس-300 الروسية".
وأوضحت المجلة أنه "في حال أراد الأسد رحيلالقوات العسكرية الأجنبية المنتشرة على تراب سوريا، فإن الروس بدورهم يطمحون إلىأن يظلوا القوة الأجنبية الوحيدة الفاعلة في البلاد"، متوقعة أن "يتسببذلك في إثارة التوترات".
وأردفت: "في الوقت الحاضر يحظى كل من بوتينوالأسد بفرصة ذهبية لدفع الإيرانيين خارجا"، مضيفة أن "ما آل إليه الوضعفي سوريا بات يصب في صالح إسرائيل، ففي ظل الظروف الحالية، بدأت تتشكل ملامح محورثلاثي يضم موسكو ودمشق وتل أبيب".
وشددت على أن "كلا منهم لديه أسبابه الخاصةلدفع الإيرانيين وأتباعهم إلى مغادرة سوريا"، مشيرة إلى أن "المستشارةالألمانية أنغيلا ميركل، تلقت دعوة من بوتين لاستقبالها في سوتشي، ومن ثم وجه دعوةأخرى إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليكون ضيفه في سانت بطرسبرغ".
وبينت المجلة الفرنسية أن "قضية التواجدالإيراني في سوريا ودفعها إلى سحب قواتها ومليشياتها، أو التخفيض في عدد عناصرها،قد أضحت من الآن فصاعدا جزءا من المفاوضات العالمية مع طهران".
مزيد من التفاصيل