نشرت صحيفة"أتلنتيكو" الفرنسية حوارا مع المؤرخ رولان لومباردي، الباحث في معهدالبحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي التابع لجامعة إيكس-مارسيلياالفرنسية، تطرق فيه إلى مختلف أبعاد التدخل العسكري الروسي في سوريا.
وقالت الصحيفة، فيتقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن روسيا على وشك تحقيق أول انتصار لتدخلأجنبي في التاريخ المعاصر في الشرق الأوسط. وقد ذكر الباحث الفرنسي أسباب نجاحروسيا في مهمتها، لعل أهمها قدرات الجيش الروسي التي تطورت منذ حرب جورجيا سنة2008.
وحسب المؤرخالفرنسي، استفاد الجيش الروسي من مشروع "التحديث الشامل" الذي يمتد إلىغاية سنة 2020، بالإضافة إلى تحركها الدبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي،واعتبارها من الأخطاء التي ارتكبت في التدخلات العسكرية السابقة، على غرار التدخلالعسكري في أفغانستان.
وذكرت الصحيفة أن رولانلومباردي علق على رأي المتخصص في التاريخ العسكري لدول الشرق الأوسط، كمال علم،الذي أفاد بأنه "لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، يحقق تدخل عسكريأجنبي نجاحا". وفي هذا السياق، صرح لومباردي قائلا: "أنا أوافق كمال علم،لكن يجب ألّا نتغاضى عن نقطة هامة. فعلى الرغم من أن بشار الأسد، الذي هبت روسيالنجدته، أنقذ نظامه من السقوط، إلا أنه لم يستعد كامل الأراضي السورية، حيث ما زالت بعض الجيوب خاضعة لسيطرة كتائب المعارضة".
وأضاف المؤرخ الفرنسي أنه"بالإضافة إلى البلدات المنتشرة على ضفاف نهر الفرات، التي ما زالت تحت سيطرةتنظيم الدولة، يسيطر الأكراد بدورهم على الشمال الشرقي، أي ما يعادل ثلث سوريا.وإلى جانب ذلك، تمكن الأتراك من تعزيز انتشارهم العسكري شمال البلاد".
وفي سؤال الصحيفة عنالنجاحات التي حققتها روسيا في سوريا، أوضح رولان لومباردي أنه "بغضّ النظرعن الإستراتيجية العسكرية المحكمة، خطط الروس جيدا قبل أن يقدموا على التدخل فيسوريا؛ لكي يتجنبوا تكرار السيناريو الأفغاني".
ونقلت الصحيفة عنلومباردي أنه "مع انطلاق التدخل الروسي خلال شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2015،اعتقد العديد من الخبراء الفرنسيين أن الجيش الروسي سيغرق في سوريا كما غرق سابقافي المستنقع الأفغاني. ولكن، هناك اختلاف كبير بين السياق الذي جاء فيه التدخلالروسي في سوريا، والظروف التي واجهها الاتحاد السوفيتي عند التدخل في أفغانستان".
كما أشار الباحث الفرنسيإلى أن "السياق الإقليمي والدولي خلال هاتين الفترتين مختلف، ويبدو أنالخبراء الاستراتيجيين الروس تعلموا من أخطائهم السابقة التي ارتكبوها فيالحرب الأفغانية وحروب الشيشان، ومن الفوضى التي أحدثوها في جورجيا. كما تعد روسيامن بين الدول القلائل، إلى جانب الجزائر خلال التسعينيات، التي حققت انتصارا فيحرب غير متكافئة، تحديدا خلال حرب الشيشان سنة 2000".
وفي سؤال الصحيفة عنالأسباب التي ساهمت في تحقيق موسكو لانتصار في سوريا، بين الباحث الفرنسي أن"أداء الجيش الروسي تحسن منذ حرب جورجيا سنة 2008. كما استفاد الجيش الروسيمن مخطط طموح، يهدف لعصرنة الجيش يمتد إلى غاية سنة 2020، كلف خزينة الدولة قرابة23 مليار روبل، بالإضافة إلى عملية تحديث شملت 70 بالمئة من المعدات العسكرية.وقد جنت روسيا ثمار هذا التجديد مع احتلالها لشبه جزيرة القرم، حيث استعانتبالتطور التكتيكي والعملياتي".
كما تحدث رولان لومبارديعن المجهودات الدبلوماسية التي بذلتها روسيا خلال السنوات الأخيرة، التي كانت ناجعةعلى الصعيدين الدولي والإقليمي. ووفقا للباحث الفرنسي، فإن "الأسباب لا تتوقفهنا، بل هناك سبب محلي خدم الروس في الحرب السورية، الذي يتمثل في إرساء مركزللمصالحة مخصص للنظر في مفاوضات الحرب وحماية تنقل المقاتلين، فضلا عن تقديممساعدات للأهالي الذين ينسقون مع السلطات المدنية والمنظمات غير الحكومة والأممالمتحدة".
وذكرت الصحيفة أن هذهالخطوات تندرج ضمن إستراتيجية سياسية شاملة وواضحة ومتناسقة وثابتة. ويبدو أنفلاديمير بوتين استفاد جيدا من دراسة مسيرة الجنرال الروسي كارل فون كلاوزفيتز،صاحب المقولة الشهيرة "إن الحرب ليست سوى امتداد للسياسة عبر طرقأخرى". وبالفعل، فرض الروس سياستهم الخاصة في الشرق الأوسط.
وفي إجابته عن سؤالالصحيفة حول أوجه الاختلاف بين التدخل الروسي والأمريكي في كل من العراقوأفغانستان، أوضح رولان لوباردي أن "هذا الاختلاف يكمن في الهدف من شن حرب فيالشرق الأوسط، والسياسة المتبعة لتحقيقه. ونعلم جيدا أن التدخل الأمريكي في الشرقالأوسط يعكس السياسة الأمريكية الرامية إلى احتكار موارد المنطقة من الغاز الطبيعيوالنفط".
وأوضح الباحث الفرنسي أن"السياسة الروسية تطمح إلى تقديم روسيا في كل من منطقة الشرق الأوسط والبحرالأبيض المتوسط، على أنها منارة للمذهب الأرثوذكسي المسيحي، وهو ما أطلقت عليه اسمالهدف "الجيوسياسي الأرثوذكسي". وتسعى المنارة الروسية إلى ضمان إشعاعهذا المذهب، انطلاقا من جنوب أوروبا، مرورا بالبحر الأبيض المتوسط، وصولا إلى الشرقالأوسط (لدعم مسيحيي الشرق)".
مزيد من التفاصيل