.........
.............
.......
كما يلاحظ أنه لم يكن هناك ضباط أقباط بين الضباط الأحرار، سوى ضابط واحد. وذلك لأن نسبة الضباط الأقباط، داخل الجيش، كانت محدودة، كما أن جذور الضباط الأحرار كانت تمتد، في غالبيتها، إلى الإخوان المسلمين. إضافة إلى أنه لم يكن هناك، في ليلة 23 يوليه، من يحمل رتبة لواء من الضباط المسيحيين سوى مسيحي واحد، ولم يكن هناك من يحمل رتبة أميرالاي، إلا اثنين. كان حسن البنا، مرشد الإخوان المسلمين، قد طالب، بعد توقيع معاهدة 1936، بتخصيص نسبة من طلبة الكلية الحربية، لخريجي الأزهر، حتى يضمن بذر الأفكار الدينية، داخل الجيش، ولكن الحكومات المتعاقبة لم تأخذ هذا الطلب مأخذ الجد، لأنها لم تكن تفرق بين مسلم تخرج في الأزهر، أو تخرج في المدرسة الثانوية، كما أن افتقاد خريجي الأزهر لمعرفة اللغات الأجنبية، كان أمراً يعرقل قدرتهم على متابعة الحياة العسكرية الحديثة.
ولم يدر في خلد أحد، لحظة واحدة، أن حركة 23 يوليه، كانت حركة إسلامية، ولم يقف الأقباط منها موقفاً متحفظاً، بل اتضح منذ اللحظة الأولى أن هذه الحركة كانت بدافع وطني إصلاحي، منبثقة من واقع جديد، مختلف تماماً، عن واقع الأحزاب الحاكمة وقتئذ، والتي كانت قياداتها إما من الإقطاعيين، أو كبار الرأسماليين.
كان واقع الضباط الأحرار، الطبقي والاجتماعي، أقرب إلى قيادات الأحزاب الوطنية الناشئة (الحزب الاشتراكي، الحزب الوطني الجديد، الإخوان المسلمين، أنصار السلام، الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني، الحركات الماركسية)، الذين كانوا، في معظمهم، من الطبقة الوسطى، على الرغم من تنافر نظرتهم الاجتماعية، واختلاف أهداف نضالهم الطبقي، منه إلى قيادات الأحزاب المتبادلة للحكم (الوفد، الحزب السعدي، حزب الأحرار الدستوريين، حزب الكتلة، الساسة المستقلين).
ومع ذلك كان الضباط الأحرار، على الرغم من إدراكهم للأحوال التي يعيش فيها الشعب، والفساد الموجود في المجتمع، يعيشون حياة بعيدة عن الجماهير إلى حد ما. فإن مهنة الضابط كانت تفرض عليه نوعاً من العزلة، تتمثل في ملابسه الخاصة، وفي القوانين واللوائح، التي يتعامل بها مع الجنود.
والضباط قبل ليلة 23 يوليه كانوا يعيشون في مستوى اجتماعي، يختلف تماماً عن الجنود. كان الجندي يتقاضى مرتباً شهرياً قدره (54) قرشاً فقط، زيدت، بعد ذلك لتصبح (69) قرشاً، كما كان معظم وجباته من العدس، أماَّ اللحم ففي أربع مرات في الأسبوع. وكانت الأمية فاشية بين الجنود، وكان نظام البدل النقدي يتيح فرصة التهرب من الخدمة العسكرية للجميع، عدا فقراء الفلاحين. ولم يكن ممكناً، لصف الضباط والجنود، أن يترقوا إلى رتب الضباط، كانت القوانين تسمح لهم، تحت ظروف خاصة أن يصلوا إلى رتبة (مساعد) فقط. وكان الضباط يدركون الظروف البائسة، التي يعيش فيها الجنود. البعض منهم، كان يحلم بتغيير هذه الظروف، باعتبارها انعكاساً لحالة المجتمع.
وهكذا يمكن القول بأن الضباط لم يكونوا في عزلة كاملة عن واقع مجتمعهم، كما أنه لا يمكن القول بأنهم كانوا مرتبطين بمجتمعهم، ارتباطاً عضوياً كاملاً، على الرغم من صلاتهم بالقوى، والتنظيمات السياسية المختلفة.
لقد تحرك تنظيم (الضباط الأحرار)، ليلة 23 يوليه، منفرداً، من دون اتصال وثيق بالجماهير، أو بالتنظيمات والأحزاب السياسية الوطنية والتقدمية، معتمداً على السرية، التي أحاط نفسه بها، متخذاً الطابع الانقلابي المفاجئ، واثقاً من احتضان الشعب لحركته، بعد أن فاض به كيل الغضب من تصرفات الاستعمار، والسراي
...."