كشفت واقعة "أطفال التهريب"، التي كان بطلها أحد أطفالمحافظات الصعيد بمصر، ويدعى "محفوظ دياب"، حقيقة أوضاع تلك المحافظاتالبائسة، سواء من الناحية الاقتصادية، أو الخدمية، أو التنموية، بما يتناقض معتصريحات المسؤولين بضخ مليارات الجنيهات من أجل التنمية والاستثمار فيها، وفقمراقبين ومحللين.
قبلأيام، نشرت الصفحة الرسمية لمحافظة بورسعيد، على موقع التواصل "فيسبوك"،مقطعا مصورا لعدد من الأطفال مكبلين بالحديد، بعد إلقاء القبض عليهم أثناء تهريب"ملابس" من الجمارك، تحدث فيه "دياب" عن أوضاع الصعيد الصعبة.
تتصدرمحافظات الصعيد المحافظات الأكثر فقرا في مصر، وقدر وزير التنمية المحليةالسابق، اللواء أبو بكر الجندي، ارتفاع معدلات الفقر بها أكثر من 60%، مشيرافي الوقت ذاته إلى أن 87% من قرى الصعيد تعاني من عدم وجود صرف صحي بها.
ووفقالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2017، تصل نسبة الفقر إلى 66% في أسيوطوسوهاج، مقابل 6.7% و11.6% في محافظتي بورسعيد والإسكندرية، وكشف الجهاز أن نحو60% من سكان ريف الوجه القبلي لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، الغذائيةوغير الغذائية.
أرقاموردية وأوضاع مأساوية
وقالخبراء اقتصاد وصحفيون معنيون بشؤون الصعيد لـ"عربي21" أن تلك الأرقام الحكوميةالرسمية التي تكشف أوجه الفقر في محافظات الصعيد تتعارض مع أرقام أخرى تتعلقبالتنمية والاستثمارات في تلك المحافظات ذاتها، البالغ عددها 11 محافظة.
ففيختام المؤتمر الوطني للشباب الذي عقد بمحافظة أسوان، في كانون الثاني/ يناير 2017،أصدر السيسي قرارا بإنشاء الهيئة العليا لتنمية جنوب مصر، كما أطلق مشروعا قوميالإنشاء مناطق صناعية متكاملة للصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتبدأ المرحلةالأولى منه بإنشاء 200 مصنع صغير بكل محافظة من محافظات الصعيد خلال الأشهر الستةالمقبلة.
وفيكانون الثاني/ يناير 2018، وعد السيسي بإنشاء 3 آلاف مصنع صغير في محافظات الصعيدقبل نهاية 2018، فيما قال وزير التجارة والصناعة، طارق قابيل، إن محافظات الصعيدتستحوذ على 37% من المناطق الصناعية في مصر، باستثمارات تصل إلى 75 مليار جنيه،مشيرا إلى وجود 50 منطقة صناعية في الصعيد.
وكشفالوزير أن حجم تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة منذ 2014 وحتى مطلع 2018 بلغ 16مليار جنيه بإجمالي 830 ألف مشروع، يوفرون 1,1 مليون فرصة عمل نصيب الصعيد فيها39% من إجمالي المشروعات، وهو ما اعتبره البعض دربا من المزاح؛ إذ إن كل مشروعيوفر فرصة عمل واحدة.
أرقامعلى ورق
وقالالخبير في الاقتصاد السياسي، محمد شيرين الهواري، لـ"عربي21": إن "كل ما يقال عنالمشروعات الاستثمارية وغير الاستثمارية، التي من المفترض أن تخدم أهدافا تنمويةحقيقية بعيدة المدى في الصعيد، لا وجود لها على أرض الواقع؛ حيث لا يزال هذا الجزءمن أرض مصر فريسة الإهمال الأولى، وتتجاوز التصريحات الحكومية بشأنه حدود الواقعبسنوات ضوئية، ولم يُنفذ أو حتى دخل حيز التنفيذ منها سوى بعض المشروعات القليلة".
وأردف:"يبدو أن السلطة غير مُدركة على الإطلاق بأن الموضوع يتعدى مجرد إنشاء مصنعهنا أو محطة لتوليد الطاقة الشمسية هناك. ما يحتاجه الصعيد حقا هو ربطه ربطامنطقيا وشاملا بالبنية التحتية، والنظام اللوجيستي لباقي أنحاء البلاد، أو أن تكونهناك لا مركزية واستقلال نوعي في إدارة موارده، خاصة الزراعية والسياحية منها".
داعياإلى "ضرورة إصدار وتفعيل حزمة تشريعية، وإعفاءات ضريبية تشجع حقا علىالاستثمار في الصعيد، وترتبط بمدى القيمة المُضافة التي يقدمها المشروع ومستوياتالتوظيف به"، محذرا من "خلق المزيد من الاحتقان والإحساس المُبرر لدىأهل الصعيد بمعاملتهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية".
انفجاروشيك
وكشفالكاتب الصحفي، محمد عبد الشكور، من محافظة سوهاج، أن "محافظات الصعيد عموماوسوهاج خاصة تعاني من قلة فرص العمل، حيث لا توجد فيها مشروعات تنموية، وهي مناطقطاردة للسكان؛ بسبب البطالة، وقلة مساحات الأراضي الزراعية، واعتمادها على محاصيلموسمية".
وفيحديثه لـ"عربي21"،طالب "بالاهتمام بالصعيد الذي يحوي معظم الآثار المصرية من خلال خطط تنموية تعملعلى توفير فرص عمل للشباب، وتجعله منطقة جاذبة للاستثمار، ولكن ما يحدث حاليا هوتطبيق ضرائب وأتاوات على كل من يقوم بعمل مشروع أو مصنع".
وأكدأن "الكثير من أصحاب المشروعات والمصانع الصغيرة توقفت عن العمل؛ بسبب ارتفاعأسعار الكهرباء، وارتفاع قيمة الضرائب، وتكلفة المواد الخام، ما جعلهم يغلقونمصانعهم، والاتجاه للعمل في مدن وجه بحري كالقاهرة والإسكندرية وبورسعيد وغيرها".
وأشارعبد الشكور إلى "أن معظم شباب الصعيد الذي يذهب للعمل ما زال في المراحلالتعليمية المختلفة، والكثير منهم أنهى دراسته منذ سنوات، ولا يجد عملا، فيضطرللعمل في أي مهنة"، مضيفا "أن الصعيد منذ أزمنة عديدة وهو يعاني الإهمالوالتجاهل، ولكن للأسف زاد الإهمال والتجاهل في هذه المرحلة، ما يجعلنا نشعربالخطر؛ لأن انفجار الصعيد يصعب السيطرة عليه".
مزيد من التفاصيل