تفاجأت بعض الأوساط القبطية المصرية (العلمانية والليبرالية) المناوئة لتوجهات الكنيسة السياسية، المتحالفة مع نظام السيسي، تبني الصحافة القبطية ومواقع التواصل الاجتماعي، حملة "الصلاة" على قاتل الأنبا أبيفانيوس، الراهب أشعياء المقاري، والدعوة له بالمغفرة، وأعربوا عن تشككهم في حقيقة أسباب مقتل الرجل، أحد شيعة الأب "متى المسكين" الراحل المناهض لدور الكنيسة السياسي.
وفي 29 تموز/ يوليو الماضي، قُتل الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير "أبومقار" بوادي النطرون شمالي غرب القاهرة، أحد أبرز أديرة الرهبنة بمصر على يد الراهب السابق "أشعياء المقاري" ، وقررت النيابة، الأحد، حبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات.
وفي 5 آب/ أغسطس الجاري، أصدرت اللجنة المجمعية لشؤون الرهبنة والأديرة قرارًا صَدَّق عليه بابا الأقباط، تواضروس الثاني، بتجريد الراهب إشعياء المقاري، وعودته إلى اسمه العلماني وهو "وائل سعد تواضروس"، مع حَثِّه على التوبة وإصلاح حياته من أجل خلاصه وأبديته.
التكتم القبطي
وسادت في مصر رواية الكنيسة الرسمية فقط، وغابت الرواية الأخرى المتعلقة بكواليس مقتل الأنبا" إبيفانيوس، أحد أبرز تلاميذ الأب متى المسكين (1919 – 2006)، الذي وصف بـأحد أهم قادة الفكر الروحي في العالم، وشهد ذات الدير صراعات داخلية بين "المسكين" والبطريرك الراحل شنودة الثالث، حول التعاليم الكنسية، تركزت حول الفصل بين دورها الديني والسياسي.
وحذر الناشط القبطي العلماني، المقيم في الولايات المتحدة، كمال صباغ، عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي "فيس بوك" من أن "منشورات المغفرة للقاتل تفتح الطريق لجرائم قادمة مماثلة"، متهما الصحافة القبطية بالتواطؤ لإنها "تعمل علىتسطيح الأمور وتقود إلى الذل والهوان".
وعقب مقتل رئيس دير "أبو مقار" (64 عاما)، اتخذت الكنيسة المصرية، الخميس الماضي، 12 قرارا لضبط حياة الرهبانية داخل الأديرة.
ومن أبرز هذه القرارات: وقف قبول رهبان جدد داخل الأديرة لمدة عام، وحظر التواجد خارج الأديرة دون مبرر، وحظر الظهور الإعلامي وإغلاق صفحات التواصل الاجتماعي بالنسبة للرهبان.
رواية الطرف الآخر
وفي هذا الإطار كشف صباغ أن "ما لا يتم تداوله على العلن، أنهم كانوا يشتمون و يهددون الأنبا أبيفانيوس علناً أمام الرهبان والعمال والمتعهدين فى الدير، وعجز المسكين عن إبعادهم عن الدير ومنعهم من أذيته شخصياً".
وأضاف أنهم "أسسوا صفحه مغلقه على الفيس بوك للتشهير بالأنبا أبيفانيوس والتحقير من شأنه والصفحة شارك فيها 32 راهب من رهبان الدير"، لافتا إلى أن "الأنبا أرميا نفى علاقته بمجموعة العشره التى رسمهم البابا شنودة الراحل كرهبان فى دير أبو مقار، و أعطاهم مهمة محاربة فكر الأب متى المسكين داخل الدير وكان القاتل ومساعده من ضمن هؤلاء العشره ! ما هي مصداقية أرميا".
وأعرب عن استغرابه قائلا: "ولا يزال الناس يتحدثون عن أن الواقعة سببها الاختلاس المالي الذي كان يقوم به القاتل".
تسييس الكنيسة
لم يستبعد القبطي الأرثوذوكسي الليبرالي، أكرم بقطر، المقيم بالخارج، أية أسباب أخرى وراء مقتل الأنبا إبيفانيوس، ولكنه رهن وجود سبب ديني "بأن يكون هناك محرضا أكبر كأسقف كبير من أبناء البابا شنودة الراحل مثل الأنبا أرميا وبشوي ؛ لإن إشعيا القاتل شاب لا يحمل أي فكر، كما أن الحادث قد يكون جنائيا، على خلفية أسباب مادية، وفي كل الأحوال لا توجد شفافية في موضوع التحقيقات في تلك القضية".
وأضاف لـ"عربي21": أن "هناك خلاف فكري بين زعماء الكنيسة القبطية، ومدرسة الأب متى المسكين الإصلاحي التقدمي، فهناك طرف يمتلك كل القوة، وآخر لا يمتلك أية قوة، ويمكن للطرف الأول تجريد الطرف الثاني كهنوتيا ومن المسيحية عموما ومن الآخرة أيضا لو أراد بجرة قلم".
وأشار إلى أن "هناك محاولة واضحة من فريق البابا تواضروس بالقضاء على ما تبقى من فكر فريق أبونا متى المسكين الذي كان يريد أن ينأى بالكنيسة عن السياسة، وينهي فكرة المظلومية التي تتبناها الكنيسة بأن المسيحيين مظلومين ومضطهدين، فالكنيسة قائمة على هذه المظلومية وتأكل وتشرب منها، وتستمد قوتها منها وتريد أن تزرع في قلوب المسيحيين أنهم مظلومين ومضهطدين".
وكشف أنه "لا يقدر أي ضابط أمن دولة أو مباحث أن ينال من مكانة أية راهب أو أسقف، أو لا يبدي له احترامه وتقديره، ولا يمكن للأمن التحقيق معه إلا بأذن الكنيسة، وليس كما هو الحال لديكم (المسلمين) حيث يمكن للضابط أو حتى أمين الشرطة سحل أي شيخ".
مزيد من التفاصيل