الديون والمشاكل الأسرية والحالة الاقتصادية.. أبرز الأسباب
خبير نفسى: سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية جعلت المواطنين يحملون «هم الحياة» وتكاليفها.. وخبير أمنى: الدراما هي السبب
تشهد الغرف المغلقة والأبواب المقفولة يوميًا، العديد من الصراعات والأحداث الرهيبة التى لا يحسمها إلا الموت, فقد شهدت الآونة الأخيرة, لاسيما فى الأيام القليلة الماضية, وقوع العديد من حوادث القتل الإجرامية فى المجتمع المصرى بشكل مثير للجدل، والتى هزت الرأى العام، خاصة وأن أغلب الحوادث المرتكبة كانت أسرية، فإما أن يقوم الأب بقتل أبنائه جميعًا أو إما أن تقوم الأم بقتل أطفالها, أو الابن بقتل والده أو شقيقه, والتى ستظل تلك الجرائم عالقة بأذهاننا لاسيما عند تكرار جرائم مشابهة, والتى كانت معظمها بسبب الديون أو الفقر والشرف والإدمان والجنون وسوء الأحوال المعيشية والاقتصادية التى أثرت فى نفسية المواطنين بشكل سلبى جعلتهم يفعلون أشياء غريبة لم يعتادوا عليها.
وفى هذا التقرير ترصد "المصريون"، أبرز وقائع القتل التى حدثت فى الفترة الأخيرة التى كانت آخرها مقتل أسرة "الرحاب"، وأسرة نجل الفنان المرسى أبو العباس.
رجل أعمال ينتحر بعد قتل أسرته بسبب الديون داخل فيلا بالرحاب
وفى مطلع الشهر الماضى شهدت مدينة الرحاب، جريمة قتل غامضة، داخل إحدى فيلات مدينة الرحاب التابعة لرجل أعمال مصرى شهير، حيث تم العثور على جثامين الأسرة كاملة وهم 5 أفراد داخل الفيلا غارقين فى دمائهم - وفقًا لوصف فريق المباحث.
وعلى الفور أمر اللواء محمد منصور، مدير مباحث القاهرة، بتشكيل فريق بحث عالى المستوى لفك غموض تلك الواقعة، وتم تكليف ضباط البحث الجنائى وقطاع القاهرة الجديدة بالتعاون مع الطب الشرعى، وفريق من المساعدات الفنية والأدلة الجنائية والأمن العام أيضًا.
وأشارت التقرير المبدئى للطب الشرعى، إلى أن صاحب الفيلا هو رجل أعمال مصرى معروف يُدعى "عماد. س"، ويبلغ من العمر 56 عامًا، قام بقتل زوجته السيدة وفاء فوزى صاحبة الـ43 عامًا، وأولاده الثلاثة محمد عماد، ونورهان عماد، 22 سنة، وعبد الرحمن عماد، 18 سنة، حيث قام بقتلهم بالرصاص ثم انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه أيضًا داخل فيلته بالرحاب.
وتبين وفقًا لتحريات فريق البحث، أن سبب الواقعة هو تعثر رجل الأعمال ماديًا بشكل كبير فى الآونة الأخيرة، ما يشير إلى اقتراب إفلاسه، فقام بقتل أولاده وزوجته ومن ثم انتحر داخل فيلاته بالرحاب.
نجل «المرسى أبو العباس» يقتل أسرته بسبب الديون
على غرار مذبحة أسرة الرحاب التى أدمت قلوب الشارع المصرى التى وقعت فى الأيام القليلة المنصرمة، ما زالت جريمة قتل حفيدتى الفنان الراحل المرسى أبو العباس ووالدتهما بمنزلهن فى منطقة بولاق الدكرور بالجيزة، تثير ألم المصريين بعد أن شغلت الرأى العام طوال الأيام الماضية؛ بسبب الغموض الذى يكتنفها وقسوة تفاصيلها.
وقد تمكنت جهات التحقيق من كشف تفاصيل جديدة فى مقتل أسرة نجل الفنان الراحل المرسى أبو العباس على يد رب الأسرة داخل منزل بمنطقة بولاق الدكرور.
وقد عثر على جثث الأم "هبة"، 38 سنة، بكدمات بالعين والصدر وبجوارها "إيشارب" داخل غرفة نومها، وابنتاها "جنة الله"، 11 سنة، مخنوقة بسلك تليفون، و"حبيبة" 10 سنوات، بوسادة.
وتوصلت جهود رجال البحث الجنائى بقيادة اللواء إبراهيم الديب، مدير مباحث الجيزة، والعقيد طارق حمزة، مفتش القطاع، إلى أن "صلاح"، نجل الفنان الراحل، وراء ارتكاب الجريمة لمروره بأزمة نفسية جراء خسارة أمواله.
وكشفت التحقيقات، عن أن المتهم اعتاد المضاربة بأمواله فى البورصة لدرجة "الإدمان"، رغم تكبده خسائر فادحة آخرها منذ فترة قليلة، فضلًا عن إصابته بمرض نفسى يعالج منه على مدار السنوات الست الماضية، وكان يعامل زوجته بشكل سيئ، لكنها كانت تتحمل حفاظًا على ألا ينفرط عقد الأسرة، رغم أنه كان بصدد الزواج من سيدة ثانية منذ عام.
وقد اعترف المتهم قائلاً إنه قام بخنق زوجته فى غرفتها، ثم أنهى حياة ابنتيه واحدة تلو الأخرى - حسب ما جاء بالمعاينة - ثم تناول قسطًا من النوم امتد إلى ساعة كاملة، استيقظ بعدها، ودخل للاستحمام، وارتدى ملابسه، وتوجه لمشاهدة مباراة مصر وروسيا فى كأس العالم.
وتابع المتهم فى اعترافاته أمام رجال المباحث, أنه أقدم على فعلته؛ خوفًا على أسرته من الفقر فى ظل اعتيادهن على مستوى اجتماعى معين، مرددًا "خفت عليهم من الجوع والبهدلة.. الديون وحشة".
وأمرت نيابة حوادث جنوب الجيزة الكلية، برئاسة المستشار محمد عمر، بحبس المتهم، 4 أيام على ذمة التحقيقات، وطلبت عرضه على الطب النفسى لبيان مدى سلامة قواه العقلية.
الإعدام شنقًا لجزار قتل أسرته بالإسكندرية
قضت محكمة جنايات الإسكندرية، برئاسة المستشار محمود طه سالم، رئيس المحكمة، بالإعدام شنقًا لأب قتل زوجته وأبناءه أثناء نومهم.
وأصدرت المحكمة حكمها بعضوية المستشارين خالد نصار، وأحمد تركى، وأمانة سر أحمد عيسى، وحسين سليم.
وتعود أحداث القضية رقم 11064 لسنة 2017 جنايات قسم شرطة الرمل ثانٍ، المسجلة برقم 1178 كلى شرق، عندما أقدم أب يدعى "محمد.ك.ا.خ"، جزار، على قتل زوجته "ج. ي.م"، وطفليه الاثنين هما "ن.م.ك.خ" و"أ. م.ك.خ" وذلك بدائرة قسم شرطة الرمل ثانٍ.
وأكدت التحقيقات أن المتهم بيّت النية وعقد العزم على قتل زوجته وطفليه، وذلك أن أحكم قبضته حول عنق زوجته حتى فارقت الحياة، واستعان بسلك كهربائى ووضعه حول رقبة طفليه الصغيرين وهما نائمان وجذبه بقوة حتى فارقا الحياة.
وقد اعترف المتهم بارتكاب الجريمة، فى التحقيقات: «أنا أكتر واحد موجوع على أولادى قتلتهم بدون ذنب، المشاكل كانت بينى وبين زوجتى بسبب الضغوط المادية التى خلقت مشاكل عائلية.. مكنتش حاسس بنفسى وأنا بعمل كده».
ومن جانبها قالت الدكتورة بسمة سليم، خبيرة التنمية البشرية والإرشاد الأسرى والباحثة فى علم النفس، إن انتشار العنف الأسرى وتطوره إلى القتل؛ ناتج عن ضغوط متراكمة صار صاحبها غير قادر على حل المشكلة أو التفكير؛ وهو ما يدفعه إلى التعامل بدون وعى وبشعور لا إدراكى وخاصة من قبل الأشخاص الذين لهم طبيعة عدوانية.
وأضافت "سليم" لـ"المصريون"، أن الضغوط النفسية التى تؤدى إلى حدوث عنف أسرى أو قتل تتنوع ما بين عوامل اقتصادية ونفسية وطبيعة الشخص نفسه مثل الخوف المبالغ فيه، فقد يقتل رب الأسرة زوجته وأولاده وهو يرى أن بتلك الجريمة يحميهم؛ خوفًا عليهم من فقر أو حدوث ضرر ما يتوقعه، مثل قتل القطة لأولادها خوفًا عليهم.
وأكدت خبيرة الإرشاد الأسرى، أنه على الدولة أن تتخذ مجموعة من الإجراءات بهدف تحسين الظروف الاقتصادية كعامل أساسى مهم، وكذلك التواصل معهم للتعرف على أسباب الظاهرة وكيفية التغلب عليها، وتدخل رجال الدين وتوعية من يواجهون مثل هذه المشاكل، وحضهم على الذهاب إلى طبيب متخصص، وعدم الاكتفاء بالنصح وذلك تطبيقًا لقوله تعالى "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".
وأشارت "سليم"، إلى أنه فى حالة استمرار تجاهل الظاهرة فسوف يؤدى ذلك إلى انتشارها داخل المجتمع أكثر وذلك فى ظل توافر الظروف التى تغذيها.
ونصحت الباحثة فى علم النفس، الأسر التى تعانى من مشاكل متأزمة وخاصة فى حالة وجود عنف داخل الأسرة، بأن يبتعدوا عن المشكلة قدر الإمكان، والبحث عن نشاط بديل يخرجهم من الاندفاع العاطفى إلى التفكير العقلانى السليم.
كما رأى سمير فؤاد، الخبير النفسى، أن السبب الحقيقى وراء انتشار جرائم القتل فى المجتمع هو سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية، التى جعلت المواطنين يحملون "هم الحياة" وتكاليفها، فهناك بعض الأشخاص لا يستطيعون تحمل ذلك، ويكون لديهم مشاكل نفسية أو اضطرابات فيتجهون للعنف والقتل.
وأكد "سمير"، فى تصريحات لـ"المصريون"، "نرى ذلك واضحًا جدًا مع رب الأسرة الذى يقتل أبناءه؛ لأنه لا يستطيع أن يتكفل بأموالهم ومصاريف حياتهم فيبدأ يخترع الحجج التى تجعله متوترًا؛ فيقوم بضربهم حتى الموت أو قتلهم، وكذلك الزوج الذى لا يطيق زوجته بسبب الديون، فيقوم بقتلها بعد عراك طويل بينهما لأى سبب ما".
وأشار إلى أن الأمر الآخر هو المفاهيم الخاطئة التى تنقلها الأعمال الدرامية والسينمائية للمجتمع، فهناك قطاع كبير من المواطنين لا يوجد لديهم إدراك ووعى، لذلك لابد من التقليل من أعمال الجريمة والقتل فى الدراما؛ لأنها تتسبب فى انتشار الجرائم.
ويرى الدكتور محمود مزروعة، عميد كلية أصول الدين الأسبق، أن السبب الرئيسى فى انتشار الجريمة، هو الانحلال الأخلاقى الناتج عن الابتعاد عن الدين والانشغال بأمور الدنيا، خاصة مع الظروف الاقتصادية السيئة التى يعيش فيها المواطنون حاليًا، والتى جعلت الأب يترك أولاده دون رقابة للحصول على لقمة العيش.
وأكد "مزروعة"، فى تصريحات لـ"المصريون"، أن الأمر الثانى هو التقليل من شأن الدين الإسلامى خاصة فى البرامج التليفزيونية التى تتعمد أن تظهر أن الدين الإسلامى دين الإرهاب والتخريب، ولا تكتفى بذلك بل تقوم بالسخرية من الصحابة والأحاديث النبوية، وفى المقابل تبث العرى والفجور.
من جانبه قال اللواء عبد السلام الشحات، الخبير الأمنى، إن سبب انتشار جرائم القتل والانتحار هو البُعد عن الله، وعدم الخوف منه، وعدم الإيمان بالرزق.
وأضاف الخبير الأمنى، أن من أسباب انتشار الجريمة ظهورها بلا رقيب أو حسيب على شاشات التليفزيون فى الأفلام السينمائية والمسلسلات التى تذاع ليل نهار على أنها تمثيل إلا أنها هى فى الواقع تعليم المواطنين اليأس من الحياة، وارتكاب الجريمة بشكل مبسط, موضحًا أن هناك العديد من الأفلام والمسلسلات التى أُذيعت فى الفترة الأخيرة وبها العديد من ارتكاب الجرائم من قبل ما يُسمى ببطل الفيلم أو الممثل بصورة توضيحية، والتى بدأ يطبقها المواطن على أرض الواقع، ومنها الانتحار وقطع الشرائيين أو قتل الأب لأطفاله وأسرته نتيجة المشاكل الأسرية أو مروره بأزمة نفسية أو أزمة اقتصادية.
وتابع الخبير الأمنى: أن هناك غيابًا تامًا فى توعية المواطنين من قبل الأزهر وبدور العبادة, موضحًا أن كل ما يذاع على شاشات التلفاز برامج غير هادفة لا يستفاد منها المواطن ولا تعود عليه بالنفع، والتى معظمها تكون عبارة عن مشاجرات بين الضيوف والمذيع ولا يقدمون حلًا للمشكلات التى يواجهها المواطن المصرى من ارتفاع أسعار وغيرها من الأمور المعيشية.
مزيد من التفاصيل