تنشغل النخب السياسية والشعبية في الأردنبالحديث عن "الكونفدرالية" بين الأردن وفلسطين، والتي أثارها الرئيسالفلسطيني محمود عباس عندما قال إن "الإدارة الأمريكية طرحت عليه إنشاء دولةكونفدرالية مع الأردن".
وتراوحت ردود الفعل الأردنية بين الرفض،والتشكيك، بسيناريو "الكونفدرالية"، بينما دعت قوى إسلامية ويساريةالحكومة الأردنية لاتخاذ موقف حازم ضد أي محاولات "لتصفية القضيةالفلسطينية"، منددين بموقف بعض الدول الخليجية وتطبيعها للعلاقات مع إسرائيل.
إذ عبر حزب جبهة العمل الإسلامي عن استهجانهالشديد لما وصفه بـ"التصريحات بالغة الخطورة" الصادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية حول مطالبته فريق الإدارة الأمريكية بكونفدرالية ثلاثية أردنية فلسطينية مع الكيان الصهيوني.
وطالب الحزب في بيان صادر عنه الثلاثاء، الحكومةإضافة إلى الرفض الرسمي لهذا "المشروع الخطير"، بأن ترسل رسائل عمليةواضحة وقوية لكافة الاتجاهات وعلى رأسها حشد طاقات المجتمع الأردني وقواه الحيةلمواجهة هذه "المشاريع التصفوية" على حد وصفه.
واعتبر حزب الوحدة الشعبية (يساري) فكرةالكونفدرالية بين الأردن وفلسطين "محاولة مكشوفة للالتفاف على حق الشعبالفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة. كما أنها تأتي في سياق محاولاتصهيو-أمريكية لشطب حق العودة".
ويلفت المكتب السياسي للحزب إلى أن تصريحاتالرئيس عباس، تتناقض بالكامل والإجماع الوطني الفلسطيني وبرنامج منظمة التحريرالفلسطينية، ولا تخدم سوى الأجندة الصهيونية وتقدم خدمة مجانية للرئيس الأمريكيترامب لتسويق مشروعه المعروف باسم "صفقة القرن".
هل يخضع الأردن لضغوط أمريكية؟
يقول أمين عام الحزب، سعيد ذياب،لـ"عربي21" إن "الكونفدرالية طرحت مبكرا في سياق البحث عن حلول،ورفضت من الشعبين الأردني والفلسطيني، كونها تقطع الطريق على قيام دولة فلسطينيةمستقلة، الآن طرحه بشكل واضح يعطي مؤشرا بأن صفقة القرن باتت تطبق خطوة بخطوة، وبعداستهداف القدس واللاجئين، فالآن الحديث عن مستقبل الأراضي وإلحاق الكتل السكانية بالأردنعلى حساب قيام الدولة الفلسطينية".
ورجح ذياب أن يتعرض الأردن لضغوط شديدة في هذاالأمر، لكن المطلوب "ضغط شعبي على الموقف الرسمي الأردني لعدم القبول بهذاالطرح".
ولا يعد "سيناريو الكونفدرالية" وليداللحظة، إذ أثاره رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي، في 2016بمدينة نابلس، عندما قال أمام شخصيات من حركة فتح إن "موضوع الكونفدراليةعرضه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على الملك عبد الله الثاني من خلال وسيط،لكن الأردن رفض العرض".
تطبيع خليجي
إلا أن سياسيين أردنيين يرون أن الحديث عنالكونفدرالية من جديد يأتي في ظل ظروف مختلفة "أكثر خطورة"؛ بسبب سعي الإدارة الأمريكية لفرض ما يعرفبـ"صفقة القرن".
النائب الأردني،صالح العرموطي (إسلامي)، يرى أن "الكونفدرالية يجب أن تتم بين دولتينمستقلتين لهما سيادة وحدود، وهذا غير متوفر في فلسطين، ما يعني أن هذا السيناريوتفريغ للدولة الفلسطينية، خصوصا بعد إعلان العدو الصهيوني، يهودية الدولة.. الطرحفي هذه الظروف خدمة للعدو وانصياع للإملاءات الأمريكية في المنطقة وخطر على الشعبالأردني".
ويستهجن العرموطي، ما يتعرض له الأردن منضغوطات لتمرير "صفقة القرن"، معتقدا أن "سبب أزمة الأردنالاقتصادية هو موقفه السياسي من القضية الفلسطينية".
وانتقد العرموطي "موقف بعض الدول الخليجيةمن الهرولة للتحالف مع العدو الصهيوني"، ويقول لـ"عربي21": "هرولة بعض الدول الخليجية للتطبيع مع العدو الصهيوني، هو الخطر الحقيقيعلى القضية الفلسطينية".
ويقول إن "موقف الأردن من هذا الطرح موقفصلب؛ كونه يشكل خطرا على استقراره و وجوده، و تتنبه السياسة الأردنية لذلك".
رفض رسمي أردني
الحكومة الأردنية عبرت عن رفضها للحديث الدائربشأن ربط الأردن بالضفة الغربية عبر نظام كونفدرالي وقالت إن الأمر "غير قابلللنقاش".
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الأردنية جمانةغنيمات، إن "ربط الأردن بالضفة الغربية غير قابل للنقاش وغير ممكن، موقفالأردن من حل الدولتين ثابت وواضح".
وتتمسك المملكة بمبدأ حل الدولتين ضمن حدودعام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
الكونفدرالية.. توقيت مشبوه
الكاتب والمحلل السياسي، بسام بدارين، يرى فيطرح سيناريو الكونفدرالية "طموحا لا يمكن أن يصل إليه العرب في سياق موازيالقوى مع إسرائيل، كما أن إسرائيل نفسها لن تقبل بهذه الكونفدرالية كون هدفها واضحا الآن في ضوء التسوية الأمريكية بعد حسم ملف القدس وملف اللاجئين بوقف الدعمللأونروا وبنمو المستوطنات.. بالتالي فهي ليست بصدد تقديم تنازل تحت عنوانالكونفدرالية".
يقول لـ"عربي21": "لمواجهة صفقةالقرن مطالبون بصياغة مقاربة جديدة لمواجهة الانقلاب الإسرائيلي على الأردن،ولمواجهة التحديات الكبيرة التي تفرضها الإدارة الأمريكية بقيادة طاقم ثلاثي مختص بالعقارات يتعامل معالقضية الفلسطينية على أساس أنه صفقة عقارية، فإنه لابد من تصالح القيادتين الأردنيةوالفلسطينية مع الشعبين وتذويب هذه المؤامرة".
وبحسب ما سرب من وسائل إعلام إسرائيلية، فإنأبرز ملامح الكونفدرالية "أن تؤدي إلى أغلبية فلسطينية بين خطوط 1967 وحدودهالشرقية"، ويقترح السيناريو أن "تكون الضفة الغربية دون القدس تحت الرعايةالأمنية الأردنية، التي ستدافع عن الحدود بين إسرائيل والكونفدرالية".
الصحفي الفلسطيني، داود كتاب، لا يعتقد أناقتراح الكونفدرالية قابل للتطبيق، والسبب حسب ما يقول لـ"عربي21"، أنه "رغم أن هناك اهتماما فلسطينيا بعلاقة خاصة مع الأردن إلا أن تلك العلاقة يجبأن تكون مرتبطة بشكل كامل مع إقامة الدولة المستقلة أولا.. الأمريكيون والإسرائيليونينظرون للكونفدرالية كوسيلة لتجاوز الدولة الفلسطينية المستقلة وهو أمر مرفوض كليا".
وأضاف أنه "لا شك أن هناك رغبة قوية في فلسطينلإنهاء الاحتلال وما يرافقه من استيطان استعماري، واستعباد عسكري، وتوغل علىالحياة العامة والخاصة، لكن ما يهم الفلسطينيين في موضع الكونفدرالية هو التوقيت،فكما قال القائد الفتحاوي أبو إياد: الشعب الفلسطيني يريد خمس دقائق من الاستقلالومن ثم يمكن الشروع في نقاش ثم استفتاء حول إمكانية التحالف الكونفدرالي معالأردن".
وأجمعت قوى سياسية أردنية على أن شكل العلاقةبين الأردن وفلسطين يقررها الشعبان بعد استقلال فلسطين؛ فبحسب المحامية نور الإمامفإن الركن الأساسي لقيام أي اتحاد كونفدرالي هو تحقق وجود الدولة المستقلة ذاتالسيادة، والذي يقرر هو شعبها الممثل في برلمانها المنتخب بقيام مثل هذه الرابطة أملا.
مزيد من التفاصيل