في مثل هذا اليوم من كل عام يحي الليبيون ذكرىاستشهاد "شيخ الشهداء"، عمر المختار على يد القوات الإيطالية"المحتلة" وقتها، متذكرين جهاد الآباء المؤسسون ووحدة ليبيا في وجه"الطليان".
وتسمي ليبيا هذا اليوم بيوم الشهيد وهو عطلةرسمية في البلاد، احتفاء منهم بتاريخ وجهاد عمر المختار الذي لقب بـ"أسدالصحراء"، وشيخ المجاهدين".
مولده ونشأته
ولد عمر بن مختار بن عُمر المنفي الهلالي في 20آب/أغسطس عام 1858، فى منطقة "جنزور"، بالقرب من مدينة "طبرق"في شرق ليبيا، وتلقى تعليمه الأول في زاوية "جنزور" ثم سافر إلى واحة"الجغبوب"، للدراسة وتحصيل العلم الشرعي على يد العلماء، وكان أغلبهميتبعون الطريقة السنوسية".
وطاف "المختار" عدة مدن ليبية، للعلموللجهاد معا، وسرعان ما انضم إلى صفوف المجاهدين ضد الغزو الإيطالي للبلاد، ليقودبعدها الجهاد كله ضد "الطليان" حتى لحظة القبض عليه.
بدأ "شيخ المجاهدين"، نضاله ضد إيطالياوهو ابن 57 عاما، لذا أطلقوا عليه شيخ المجاهدين، واستمر جهاده أكثر من عشرينعامًا يقود فيها المعارك، إلى أن تم القُبض عليه من قِبل جنود الاستعمار الإيطالي.
"سيدي عمر"
تأثر عمر المختار بالحركة السنوسية في ليبياوكان ذو ثقة عند شيوخها وقادتها، حتى عينه الشيخ محمد المهدي السنوسي، ثاني زعماءالسنوسية، شيخاً لزاوية "عين كلك" في السودان من أجل مقاومة الاستعمارالفرنسي هناك، واختاروه قائدا للمقاومة ضد الفرنسيين أيضا في تشاد.
وأدَّت علاقة "المختار" الوثيقةبالحركة السنوسية إلى اكتسابه لقب "سيدي عمر"، والذي لم يكن يحظى به إلاشيوخ السنوسية وقادتها المعروفين، ويردد كثير من الليبيين هذا اللقب حتى الآن.
جهاده ضد "الطليان"
ورغم أن عمر المختار كان معلما للقرآن الكريموبعض العلوم الشرعية إلا أنه سرعان ما تحول إلى مجاهد وقائدا للمقاومة ضد الاحتلالالإيطالي بعدما أعلنت روما في عام 1911 الحرب على الدولة العثمانية، وبدأت إنزالقوَّاتها بمدينة بنغازي الساحلية شمال برقة في 19 أكتوبر من العام نفسه.
وعندما علم المجاهد الليبي بهذا الغزو سارع فيتأسيس معسكرا للتدريب والمقاومة في منطقة "الخروبة"، ثم انتقل منها إلىمنطقة "الرجمة" (شرق البلاد) حيث التحق هو والمقاتلين معه بالجيشالعثماني.
كبّد الشيخ المقاتل معسكرات وجنود الاحتلالالإيطالي خسائر فادحة عبر ضربات خاطفة ومعارك صحراوية كان خبيرا بها، ما جعل كلثكنات روما في ليبيا معرضة لضربات المقاتلين، وانتشر صيته عند قادة الاستعمارالإيطالي وقتها، وأصبح "المختار" المطلوب الأول لإيطاليا.
وفي شهر أكتوبر سنة 1930 اندلعت معركة كبيرةبين جنود الإستعمار وقوات المجاهدين الليبين بقيادة عمر المختار، وفور انتهاءالمعركة عثر الجنود الطليان على نظارة عمر المختار وكانت معروفة لديهم، ما أكد لهمأن "الشيخ" لازال على قيد الحياة بعدما فشلوا في رصد تحركاته.
وهنا فرح قادة الاستعمار بهذه الخطوة، بل قالقائدهم:"اليوم عثرنا على نظارته وغدا نأتي برأسه"، لكن الغد هذا استمرأكثر من عام من المعارك والكر والفر والقتال، ولم يتم القبض على شيخ المجاهدين إلابعد 11 شهرا من هذه الواقعة.
اعتقاله
في 11 سبتمبر من عام 1931، رصدت وحدة استطلاعإيطالية تحركات لمجموعة من المقاتلين الليبيين في طريقها لمدينة البيضاء، ما دفعقادة الاحتلال الإيطالي إلى تجهيز قوات كبيرة جدا ومدعومة بكافة الأسلحة لحصار هذهالمجموعة، وهو ما حدث بالفعل، واشتبك الفريقان في معركة مفاجئة، وكانت المفاجئةالكبرى أن عمر المختار موجود بهذه المجموعة بعدما تعرف على حصانه أحد الجنودالليبيين "المرتزقة".
وتم بالفعل القبض على عمر المختار في عمليةتطويق بوادي "بوطاقة" جنوب مدينة البيضاء (شرق ليبيا)، وتمَّ استدعاءأحد القادة الطليان الذي فاوضوا والتقوا عمر المختار من قبل ليؤكد لهم هويته، وهوما أكده الضابط الإيطالي.
تم نقل "أسد الصحراء" إلى مبنى بلديةسوسة، ومن هناك على ظهر "طرَّاد" بحري إلى سجن بنغازي مُكبّلا بالسلاسل،ولم يستطيعوا نقله برا خوفا من رد فعل المقاتلين.
إعدامه
وفي 15 سبتمبر 1931 جرت محاكمة صوريةلـ"شيخ المجاهدين"، ليصدر حكم الإعدام شنقا ضده، على أن يتم تنفيذه صباحاليوم التالي، وهو ما حدث في مشهد مروع، وتعمد الطليان إحضار 20 ألف من الأهاليوجميع المعتقلين السياسيين من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.
وفي لحظة لاينساها العالم، نظر "شيخالشهداء" كما يلقبه اللليبيون إلى الجموع الغفيرة ولم ينطق إلا بالشهادتين،ليقوم المستعمر بتنفيذ حكم الإعدام في رجل بلغ حينها 73 عامًا، أمام أعين الليبيينالذين يتذكر أجدادهم هذا المشهد حتى الآن، ليظل "أسد الصحراء" رمزاكبيرا في ذاكرة الليبيين توحدهم وتذكرهم بنضالهم ضد المستعمر الأجنبي.
مزيد من التفاصيل