مضت سنتان على "المصالحةالتاريخية" المتعارف عليها باتفاق معراب بين "الثنائي" المسيحي؛ التيار الوطني الحر ومؤسسه ميشال عون من جهة، والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجعمن جهة ثانية، والتي أفرزت "مبايعة" جعجع وفريقه السياسي لعون فيانتخابات الرئاسة، بعد أن مهّد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري المناخ بإعلانه عنتسوية رئاسية لانتخاب الجنرال السابق رئيسا للبلاد.
انتخب عون فعلاعام 2016، لكن التساؤلات لم تتوقف لغايةاللحظة: هل نجحت التسوية؟ وهل فعلا تصالح متخاصمو الأمس، وهما التيار الوطني الحروالقوات اللبنانية؟ وماذا عن سجل حافل عمره عشرات السنين من الخصومة والعدائية أبرزهالمعارك التي اندلعت بينهما أواخر الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، عندما كان عونيتولى مهام رئيس حكومة عسكرية في المناطق المسيحية شرق بيروت وجعجع زعيما لقوةعسكرية.
وفيما خفتت هذهالتساؤلات في الأشهر الأولى للعهد، حيث أكد الطرفان انتهاء الخصومة إلى الأبد، برزت ملامح الخلاف عندالتحدي الثاني له بعيد الانتخابات النيابية الأخيرة في شهر أيار/ مايو الأخير، وبدءالبحث عن تشكيلة حكومية ترضي الأطراف السياسية الحاضرة في البلاد.
"القوات"تؤكد أن حضورها في الحكومة لن يكون عاديا بناء على ما أفرزته الانتخابات، والتياريقول إن للرئيس حصتين: الأولى لتياره، والثانية له.
من هذه النقطة، نشبالخلاف الذي كان دبلوماسيا في لغته بين الطرفين، غير أنه سرعان ما تحول إلى تراشق وتقاذف واتهامات متبادلة، تلميحا تارة، وبلغة مباشرة تارة أخرى.
لماذا التأزم؟
ويرى مراقبون أنالمعضلة لا تكمن في حصول تأزم أو انهيار الاتفاق بين الثنائي، بل في تأخر تشكيلالحكومة، ودعا رئيس الرابطة السريانية حبيب أفرام، في تصريحات خاصةلـ"عربي21"، إلى تأليفها "بأسرع وقت، والابتعاد عن التراخي"،مؤكدا أن المطلوب هو "انتفاضة وطنية للعودة إلى معالجة هموم ومشاكلالناس".
ورأى أفرام أنالعهد يريد من مجلس الوزراء القادم "أن يحقق إنجازات حقيقية"، مشيدابإعادة "التمثيل المسيحي إلى الدولة في رعاية رئيس الجمهورية من خلال القانونالانتخابي الذي أعطى التمثيل الصحيح لكل الفئات".
وأضاف:"التحديات التي نواجهها كبيرة على مستوى الملفات الأساسية، من نفط وكهرباء، إضافة إلى النواحي الحياتية كافة التي تهمّ المواطن".
واعتبر أن "كلالخلافات القائمة على توزيع الحصص هي أمور ثانوية قياسا إلى ما يريدهاللبنانيون"، متمنيا أن يقوم رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، بزيارة إلىالرئيس عون "لتذليل كل العقبات والإعلان عن الحكومة المقبلة".
وحول العقدالمسيحية التي تعترض طريق "التأليف الحكومي"، قال: "لا ضير أن يتمّالتنافس على بعض مكاسب السلطة، ولكن على جميع اللبنانيين إدراك حجم الخطر الذيينتظرنا"، موضحا: "هناك عقد تفصيلية حول تمثيلات معينة، كالنواب السنة(من خارج المستقبل)، وما يحكى عن العقدة الدرزية، والخلافات حول الحقائبالوزارية"، مبديا خشيته من وجود "تأثيرات خارجية، ما يستدعي عملا باتجاهتحصين وضعنا الداخلي".
وعن المصالحة بينتيار المردة بزعامة سليمان فرنجية والقوات اللبنانية، قال: "أقارب المصالحاتانطلاقا من الهمّ المسيحي المشرقي، وفي ظل ما يتعرض له المسيحيون في سوريا والعراق،وما خلّفته اعتداءات وتهديدات التنظيمات المتشدّدة عليهم"، مطالبا بأن"يطوي المسيحيون كل صفحات الخلافات بينهم بما تحمله من مآس ودماء، وكي نبرهنبأنّنا قادرون على لعب دور محوري في لبنان والمنطقة"، مردفا: "نحن ندعمكل المصالحات المسيحية وغيرها؛ حتى يتمّ تقديم نموذج مختلف للبنان وسط محيط عربيغارق في الدماء".
وأثنى أفرام على كلمة عون في القمة الفرنكوفونية في العاصمة الأرمينية، والتي دعاخلالها إلى "حوار الأديان والحضارات وفق ما نتطلع إليه بأن نكون نموذجاللتآخي والتعايش".
القوات: نحنالأقوى مسيحيا
والتقى النائب عنتكتل الجمهورية القوية، شوقي دكاش، مع أفرام في ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة؛ "لأنالبلد لم يعد يحتمل التأخير"، وردّفي تصريحات لـ"عربي21" على توقعات بعض المراقبين بسقوط ورقة التفاهم بينالتيار الوطني والقوات، قائلا: "التفاهم قائم، ولن يستطيع أحد المساس به،فهو لم يعد ملكا لكلا الطرفين، بل انتقل إلى عهدة كل من يؤمن بضرورة التمسكبه"، مشددا على ضرورة "حماية ورقة التفاهم للحفاظ على فرص الاستمرار فيالمنطقة التي تعجّ بالأحداث والمتغيرات".
وحمّل دكاش كلالأطراف التي تضرب هذا الاتفاق، من خلال "تفسيرات خاصة أو انتقاد لمضمونه عبرأخذه خارج سياقه، وربما تجاوز بنوده وتفاصيله"، مردفا: "التاريخسيحاسبهم على الأضرار التي قد يسببوها".
وحول ما يشاع في وسائل الإعلام عن انزعاج رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل منالتقارب الحاصل بين سمير جعجع وسليمان فرنجية، قال: "لا أعتقد أن يمتعض أحدمن تقارب حاصل بين طرفين وطنيين لهما حضورهما في المشهد السياسي، إلا إذا كانمتضررا من ذلك ولا يريد للقوى السياسية اللبنانية أن تتقارب وتتصالح".
وتناول دكاشالحديث عن قلق بعض السياسيين من تنامي حضور القوات اللبنانية على الساحة المسيحية،فقال: "القوات كانت دائما وعبر التاريخ الأقوى على الساحة اللبنانية المسيحية،ورغم حلّ الحزب في فترة معينة (عام 1994)، إلا أنّ القوات ظلّت حاضرة شعبيا لغايةالإفراج عن قائدها سمير جعجع، الذي اعتقل 11 عاما".
ورفض دكاش اتهام القوات بفتح معركة الرئاسةمبكرا، وأشار إلى أن "القوات تعمل للصالح العام ولبناء الوطن، وفي نهايةالمطاف يختار المواطنون الشخص الذي يناسبهم لرئاسة الجمهورية عبر مجلس النواب الذينتمثل فيه بـ15 نائبا، رغم المحاربة التي تعرضنا له والتحالفات التي نسجت ضدناخلال الانتخابات"، خاتما: "كل من يستشعر الضعف يحاول المساس بالقواتاللبنانية".
باسيل: شراكةوعدالة
وتطرق رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، إلى مستجدات العلاقة مع القوات، مشددا أن "الاتفاق مع القوات هو بمثابةمصالحة تحمي المجتمع، ولن تكون كافية إذا لم نعززها بشراكة عادلة في الحكم"،مضيفا: "قمنا بتسوية مع تيار المستقبل، لكنها ليست كافية إن لم تتحول إلىتساو في الحكم ومكافحة الفساد".
وتحدث في ذكرى سياسية أن "البعض كان مجرم حرب بمليشياته، واليوم هو مجرمسلم بفساده وكذبه وعمالته"، ويحمل هذا الموقف تأويلات باتجاه القواتاللبنانية التي كان يتهمها عون أواخر الثمانينات من القرن الماضي بأنها مليشياخارج منظومة الجيش الذي كان قائده.
مزيد من التفاصيل