في الوقت الذي استقبل فيه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبد الله، كانت مسقط تستقبل وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، على وقع الرقص بالسيوف، معلنا مشروع سكة حديد لربط إسرائيل والأردن بدول الخليج.
سلطنة عُمان التي لعبت دور الوسيط بين الخليج وإيران، والتزمت الحياد بين الأشقاء في البيت الخليجي في الأزمة الاخيرة، تعيد انتاج دورها من جديد كـ"محرك" لعملية السلام والمفاوضات مع إسرائيل، بعد زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو للسلطنة، والتي انطلق معها مارثون التطبيع الخليجي-الاسرائيلي.
وزير الخارجية العُماني، يدعو من قلب العاصمة الأردنية عمان، الى "ضرورة إعادة إطلاق مفاوضات سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل"، لتظهر عُمان كمنافس جديد على الساحة للممكلة الأردنية، التي حملت الملف الفلسطيني طيلة السنوات الماضية، وكانت بوابة الخليج للعلاقات مع اسرائيل.. فهل تغير هذا الدور للمملكة؟.
الأردن لم تعد الدولة "الحاجزة"
منسق حملة "غاز العدو احتلال" د.هشام البستاني، يرى، في حديث لـ"عربي21" أن "الدور الوظيفي للأردن تغير من كونه الدولة الحاجزة الى الدولة المُجسرة بعد اتفاقيات السلام، وبدأت المملكة تعمل بهذا الدور التطبيعي وتصدر واردات إسرائيل إلى دول الخليج،لكن هذا الدور أيضا بدأ بالتغير مؤخرا بعد وصول العلاقات السياسية الإسرائيلية بشكل مباشر الى دول الخليج، اذ بتنا نشهد تحالفا بين السعودية وتحديدا محمد بن سلمان وبين نتنياهو في مواجهة ايران، كما أن زيارة نتنياهو الى سلطنة عُمان تفتح لإسرائيل أكثر من خيار في الخليج، بالتالي لم تعد اسرائيل تحتاج الأردن إلا كمساحة جغرافية للعبور المباشر".
اسرائيل تحاول ربط نفسها مع دول الخليج جغرافيا مرورا في الأردن، بإعلانها عن سكة حديد تحت اسم "قضبان السلام" بمباركة أمريكية،ويبلغ طول السكة الحديدية داخل الأراضي المحتلة 15 كلم، في حين يتضمن المشروع الذي يعتبر ممر عبور إقليمي، لنقل البضائع بين أوروبا والشرق الأوسط عبر البحر الأبيض المتوسط، إنشاء منظومة من الجسور والأنفاق.
من المخطط لسكة الحديد، أن تبدأ في مدينة بيسان شمال فلسطين المحتلة، لينطلق منها خط عبر جسر الشيخ حسين على الحدود الأردنية، ومن هناك إلى مدينة إربد شمالا ومن ثم إلى دول الخليج العربي والعراق.
اقرأ ايضا: أمريكا تتبنى خطة لإنشاء خط سكة حديد بين إسرائيل ودول عربية
الحكومة الأردنية لاذت بالصمت، ولم تعلق رسميا على مشروع سكة الحديد، المخطط لها المرور في الأردن، اذ حاولت "عربي21" الاتصال مع الناطقة باسم الحكومة الأردنية، وزير النقل، ومدير عام خط الحجاز الحديدي، لكن دون مجيب.
تطبيع بالمجان
المحلل السياسي، لبيب قمحاوي، يتفق مع الأصوات التي ترى أن "هناك تحولا في دور الأردن من دولة حاجزة الى دولة موصلة جغرافيا بين العالم العربي والكيان الصهيوني"، يقول القمحاوي، لـ"عربي21"، إن "الخليج العربي يتبرع بإعطاء الكيان الصهيوني التطبيع والتنازلات مجانا، دون حتى فك الحصار عن غزة، أو وقف الاستيطان".
لكن هل بدأت عُمان لعب دور الوسيط في المفاوضات مع الفلسطينيين؟ يعتقد القمحاوي، أن "عُمان لعبت دائما دور محامي الشيطان في علاقات الخليج مع ايران وعلاقات الدول الخليجية فيما بينها، دور عُمان في الملف الفلسطيني هو دور المسهل لمرور اسرائيل الى باقي دول الخليج".
الأردن التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالملف الفلسطيني بحكم التقارب الجغرافي والديمغرافي مع فلسطين، بدأت تخسر أوراق ضغط في السنوات الأخيرة -حسب محللين- بعد تقارب سعودي-اسرائيلي، تعرضت المملكة خلاله الى ضغوط فيما يسمى بصفقة القرن والموقف من القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات، وتخشى المملكة مزيدا من التراجع في موقفها المؤثر بالملف الفلسطيني.
اقرأ أيضا: لمَ تزاحم السعودية الأردن على الوصاية بالقدس المحتلة؟
عبد الله صوالحة مؤسس ومدير مركز الدراسات الإسرائيلية في عمان، يقول لـ"عربي21" إن "الأردن يواجه تحديات في أمرين تتعلق بالسياسة الخارجية، أولهما كيفية إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل، وأصبح هنالك ضعف في التأثير الأردني على هذه الإدارة، التي من مخرجاتها صفقة القرن التي تؤثر على الأردن".
أما الأمر الثاني هو "كيفية ادارة العلاقة مع اسرائيل في ظل التقارب العربي السني، اليوم العلاقات الأردنية -الاسرائيلية واجهت برودا أكثر مما هو معتاد سابقا، بسبب نقاط خلاف كثيرة، منها ملف القدس، ومطار تمناع، وناقل البحرين، السؤال الان ما هي الاستراتيجية الأردنية للتعامل مع اسرائيل في ظل التقارب الخليجي معها، دول الخليج الآن تتجاوز الأردن من خلال علاقات علنية واخرى ادارية تحت السطح، كل هذا التقارب على اساس ان هناك عدو مشترك هو إيران، الأردن هو الخاسر اذا تركت العلاقة مع الخليج دون تدخل او يكون للمملكة دورا".
وبخصوص زيارة وزير الخارجية العُماني للأردن، يرى الصوالحة أن "سلطنة عُمان تحاول الضغط على الفلسطينيين واعادتهم للمفاوضات، وهذا يتفق مع الموقف الأردني الذي يرى أن على الفلسطينيين العودة الى المفاوضات".
يقول الصوالحة إن هناك "حالة تجاهل من قبل إسرائيل للأردن، وكان ذلك واضحا في ملف أراضي الباقورة والغمر، إذ كانت إسرائيل تعتقد أن الأردن يمكن احتواؤه في هذا الملف"، متوقعا أن "يكون هناك دورا خليجيا أكبر في دفع عملية السلام وسكون ذلك على حساب الأردن".
الأردن لم تعد بوابة إسرائيل الى دول الخليج، بعد فتح خطوط مباشرة وظهور العلاقات من السر إلى العلن، وسط الحديث عن مشاريع استراتيجية تتعلق النقل والغاز ستربط اسرائيل بقلب العالم العربي، وتطبيع بالمجان بضغوطات من الإدارة الأمريكية.
مزيد من التفاصيل