يبدو أن شبح الغلاء لا يكتفي بتنغيصحياة المصريين وهم أحياء، بل يواصل مطاردتهم حتى بعد الممات، حيث تشهد أسعارالمقابر ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، ولم يعد سهلا على الكثيرين توفير مقبرةلدفن موتاهم فيها.
وتظهر المشكلة بشكل أكبر، بحسبمراقبين، في المناطق المكتظة بالسكان مثل القاهرة الكبرى ودلتا النيل بسبب ندرةالأراضي المناسبة أو اجتياج الأهالي إلى استقطاع مساحات من الأراضي الزراعيةمرتفعة الثمن لإقامة مقابر جديدة عليها وهو ما يكلف مبالغ كبيرة.
ووفقاً لآخر بيان صادر عن الجهازالمركزي للإحصاء (حكومي) فإن مصر التي يتجاوز عدد سكانها مائة مليون نسمة شهدت عام2017 وفاة 547 ألف مواطن.
وعلى الرغم من أن أكثر من 90% منمساحة مصر الإجمالية هي صحراء جرداء، إلا أن هذه المساحات الشاسعة هي ملك للدولة،وتحديدا القوات المسلحة، بموجب قانون صدر قبل عدة سنوات يمنع استغلال أي أراضخالية إلا بعد الحصول على موافقة كتابية من القوات المسلحة.
المعروض لا يكفي
الخبير الاقتصادي محمد الشعراوي قالإن أسباب ارتفاع أسعار المقابر هو ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات بشكل عام فيمصر، منذ قرار الحكومة بتحرير سعر صرف الجنيه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، والذيأدى إلى ارتفاع كافة السلع والخدمات في البلاد، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار موادالبناء وأجور العمالة.
وأضاف الشعرواي، لـ"عربي21" أن قلة الأراضي التي تعرضها الدولة كل فترة بنظام القرعةلإنشاء المقابر عليها يزيد من تفاقم الأزمة، على الرغم من وجود مساحات شاسعةبالظهير الصحراوي المحيط بكثير من المحافظات المصرية، إلا أن الدولة تفضل طرح تلكالأراضي للاستثمار وبناء المساكن بدلا من توفير أماكن كافية لإقامة المقابر.
وأوضح أن متوسط سعر أقل مقبرة فيالمدن الجديدة التي أنشأتها الدولة مثل السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان، والتيتبلغ مساحتها 20 مترا في المدن الجديدة، يبدأ من 60 ألف جنيه، ويرتفع الثمن حسبالمساحة ومستوى التشطيب المطلوب، حتى يصل إلى نصف مليون جنيه تقريبا.
وأضاف أن إنشاء أو شراء مقبرة جديدةبهذه المواصفات لم يعد أمرا بسيطا بل أصبح يكلف الشخص مبالغ تساوي ثمن المنزلالجديد تقريبا، مشيرا إلى أن بناء المقابر تطور في مصر في السنوات العشرينالأخيرة، حيث ظهرت تصاميم وطرازات معمارية جديدة، بالإضافة إلى وجود مستوياتمتعددة من تشطيبها فيما يشبه المباني الحديثة المزودة بأسوار وبوابات حديدية كبيرةويستخدم في بناء واجهاتها الرخام والجرانيت، لافتا إلى أنه مع ارتفاع أسعارالمقابر ظهرت شركات توفر بيع وتشطيب المقابر مقابل تسهيلات في السداد تصل لعدةسنوات.
كفاح لتوفير مقبرة
وفي هذا السياق، قال مختار القماش،محاسب ومقيم بإحدى قرى محافظة القليوبية، إن المقبرة التي توارثتها عائلته منذعقود لم تعد تكفي أعداد الموتى في العائلة التي تضاعف عددهم في هذه السنين عدةمرات، إضافة إلى أنهم لا يدفنون موتاهم في لحود شرعية في باطن الأرض بسبب ارتفاعمنسوب المياه الجوفية، لكنهم يبنون ما يشبه الغرف فوق سطح الأرض لدفن الموتى فيها،الأمر الذي يستلزم توفير مساحات كبيرة من الأراضي لبناء مقابر جديدة باستمرارلاستيعاب الأعداد الكبيرة من الموتى.
وأضاف القماش، لـ"عربي21"،أن عائلته ظلت لمدة خمس سنوات تقريبا تجمع مبلغا يكفي لشراء قطعة أرض زراعيةمجاورة لبناء مقبرة جديدة، عبر تحصيل مبلغ شهري من كل فرد بالعائلة، وما زالوا فيمرحلة بناء المقبرة الجيدة وتشطيبها.
من جانبه قال مروان نبيل، محامٍ، إنهيتمنى شراء مقبرة جديدة لأسرته بمنطقة السادس من أكتوبر لأنه من الصعب عليه وعلىأبنائه السفر إلى مسقط رأسه بمحافظة سوهاج، لدفن موتاهم هناك، مضيفا لـ"عربي21"أن ارتفاع ثمن المقابر في هذه المدينة الجديدة منعه من شراء هذه المقبرة، وفضلبدلا من ذلك استخدام المقابر العامة التي توفرها نقابة المحامين لأعضائها لدفنوالدته.
عادات تتغير
وإضافة إلى ارتفاع أسعار المقابرالجديدة، فإن تكاليف إيجار قاعات المناسبات أو إقامة سرادقات العزاء شهدت هيالأخرى غلاءً كبيراً الأمر الذي دفع كثير من المصريين إلى تغيير عاداتهم المتوارثةعندوث حدوث حالات الوفاة.
ويقول محمد أبو الدهب (موظف علىالمعاش) إنه أوصى أبناءه أن يكتفوا عند موته بتلقي العزاء على المقبرة وألايستأجروا قاعة مناسبات أو يقيموا سرادقا لتلقي العزاء في وفاته.
وأضاف أبو الدهب لـ"عربي21"أن "تكاليف العزاء الآن قد تتجاوز 15 ألف جنيه تقريبا، فما الداعي لأن يتكبد الأهلتكاليف تفوق طاقتهم؟" متابعا "أسرتي أولى بهذا المبلغ من بعدي".
ويتراوح إيجار قاعة مناسبات ملحقةبأحد المساجد في القاهرة، أو إقامة سرادق لتلقي العزاء ما بين 5 آلاف و50 ألفجنيه، وذلك بحسب الموقع والمساحة والخدمات ونوعية التجهيزات المطلوبة من كراسيوسجاد وعدد المقرئين ومن يقومون بتقديم المشروبات للمعزين.
مزيد من التفاصيل