وثقت كتب التاريخ سير ثورة 1919 في مسارين متوازيينضد الاحتلال البريطاني، أولهما سياسي، الذي ترأسه سعد زغلول باشا، والوفد المرافقله، والثاني عسكري، والذي ترأسه زميل سعد وأحد المقربين منه، عبدالرحمن فهمي.
وأكد باحثون وسياسيون في تصريحاتلـ"عربي21" أن المسار المسلح الذي سار بالتوازي مع المسار السياسي أنجحفي العديد من المناسبات مطالب الثورة، وعزز قدرة التفاوض لدى الجناح السياسي علىطول خط الثورة.
وذكرت كتب التاريخ أن اللجان الثورية تكونت لتنظيمالنضال ضد الجيش الإنجليزي ومصالحه، ومن مظاهرها تعطيل حركة المواصلات، والاشتباكمع رجال البوليس والجيش الإنجليزيين في أكثر من مكان.
أشكال المقاومة
كما عم الإضراب مناحي الحياة المصرية، وأصابهابالشلل؛ حيث أضرب سائقو سيارات الأجرة وعمال البريد، والسكك الحديدية، والكهرباءوالجمارك، والورش الحكومية، والمطابع، وكذلك القضاة والمحامون، واستقال عدد منالوزراء.
وكون المصريون الجمعيات السرية مثل جمعية اليدالسوداء، وجمعية الانتقام السرية، وقطع الفلاحون خطوط السكك الحديدية (أحد أهمأسلحة المقاومة) وخطوط التليفون والتلغراف، وهاجموا مراكز الشرطة، وقاموابالاستيلاء على السلطة في مدينة زفتى بمحافظة الغربية.
واتبع الاحتلال الإنجليزي أشد أنواع العنف مع الثوارحيث قام جنوده باقتحام المدن والقرى، وأغرقوها بالقنابل، وأحرقوا العديد منها،وقتلوا المئات من المدنيين، وتقول التقارير الصادرة في تلك المدة إن نحو 3 آلافمصري قتلوا في الفترة من 15 إلى 31 آذار/ مارس 1919.
اقرأ أيضا: مصر.. الاستقلال والحرية مطلبان لثورتي 1919 ويناير 2011
واعتبر الكثير من المؤرخين أن عبدالرحمن فهمي، قائدالجناح المسلح للمقاومة، هو القائد الحقيقي لثورة 1919؛ لأن العمليات المسلحة التيقام بها الجهاز السري للثورة، كان لها كبير الأثر في حسم الكثير من المعضلاتالصعبة للثورة والثوار، وأنقذتهما من شرك السجن والنفي والقمع الإنجليزي.
السلمية والمقاومة
وقال الباحث والسياسي المصري، حاتم أبو زيد،لـ"عربي21": "إن التاريخ وثق هذا الأمر، فثورة 1919 لم تكن ثورةسلمية محضة، فالنقراشي الذي تولى الوزارة فيما بعد مع زميله علي ماهر الذي تولىالوزارة أيضا شكلا فريقا للاغتيالات".
وأضاف أن "المحامي مصطفى النحاس، رئيس الوزراءلاحقا، ترافع عنهما في مثل تلك القضايا، وقامت الجمعيات الوطنية باغتيال عدد منالجنود الأجانب"، لافتا إلى أن "بريطانيا ما خضعت في بعض الأحيان لمطالبالثورة إلا إثر ما قاموا به من عمليات مقاومة".
وأكد أبوز يد أن "سياسة المحتل لا تعترفبالسلمية؛ فالمستبد يبدأ أولا بالتنكيل بالوطنين (يطلق عليهم: المتطرفين)، ويتركمن يقبل بالتفاوض معه (المعتدلين)، فبدأت بريطانيا بالتنكيل بالحزب الوطني، الذيكان يتزعمه محمد فريد، بعد وفاة مؤسسه مصطفى كامل".
وتابع: "في الوقت الذي قال فيه سعد زغلول حينقابل المندوب السامي البريطاني مكماهون في 1915: (إن دلائل الخير بادية على وجهه،وأمل أن يجزل الله لمصر الخير على يده)، وكان سعد وقتها وكيلا للجمعية التشريعية،ما لبث المستبد إلا وانقلب على المعتدلين، فهو لا يقبل إلا بخائن يجاريه كعدلي يكنويوسف وهبة وغيرهم"، على حد قوله.
وجهان لعملة واحدة
من جهته؛ قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسيةوالاستراتيجية بإسطنبول، د. ممدوح المنير، إنه "لا يمكن تصور ثورة ضد احتلالأجنبي دون مقاومة مسلحة؛ فالاحتلال حدث بقوة السلاح، ولن يذهب بغيره لكن مقاومة مسلحة دون غطاء سياسي يعني حرباستنزاف بلا نتائج ملموسة، وإطالة أمد الصراع دون جدوى".
وأضاف لـ"عربي21": "لذلك لابدلمقاومة الاحتلال الأجنبي من تلازم المسارين السلمي أو السياسي مع العسكري؛فالسياسة بلا أوراق ضغط هي استسلام كامل، وخضوع للمحتل"، مشيرا إلى أن"أوراق الضغط تعني الندية في الصراع وتحقيق النصر أو التقدم خطوات للأمام".
وأعرب عن اعتقاده بأن المقاومة "هي بكل تأكيدخيار (الضرورة والواجب)، وليس أي شيء آخر، بل أصبح هؤلاء الذين يمزجون بين المسارين في مقاومة الاحتلال هم أمل الأمةحاليا و ماضيا ومستقبلا؛ فشجرة الحرية لا تضرب جذورها في أعماق الأرض إلابالتضحيات الغالية، والعزيزة من دماء أبنائها".
مزيد من التفاصيل