تقدم على نحو لافت جميع "جنرالاتفرنسا" الذين اختاروا تجميد "المسار الانتخابي" في عام 1992، بعدما فازت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بالأغلبية في الدور الأول.
وفيما يعتبر البعض أنه"أنقذ" الجمهورية من الوقوع في أيدي الإسلاميين، وحال دون تحول الجزائرإلى "الفوضى"، يرى آخرون أن ما قام به انقلابا ضد الإرادة الشعبية وعلىالديموقراطية، وأنه مسؤول عن الأرواح التي سقطت والتجاوزات التي وقعت على حقوقالإنسان.
كان أقوى رجل في النظامالجزائري في النصف الأول من التسعينيات، قبل أن ينسحب من المشهد بعد تراجع دورهوتأثيره، وبقي الوحيد بين الجنرالات أصحاب "القرار الفعلي" إذ تحدثصراحة عن دوره في وسائل الإعلام وعبر أكثر من كتاب، وأن قرار توقيف "المسارالانتخابي" كان بتوافق مع جنرالات آخرين، تاركا ما جرى للتاريخ.
خالد نزار المولودبولاية باتنة بمنطقة الأوراس في عام 1937، سلك طريق والده الذي كان يعمل رقيبا فيالجيش الفرنسي، فالتحق بالمدرسة الحربية الفرنسية، ولكن سرعان ما فر من الجيشالفرنسي في عام 1958 ليلتحق بجيش التحرير الوطني الجزائري في منطقة يتولى قيادتهاالشاذلي بن جديد.
وأثيرت حوله في تلك السنوات الصعبة شكوككثيرة بحكم التحاقه المتأخر بالثورة ووجوده في باريس، فكلف بالتواجد في تونس ليقومبتدريب الثوار، حتى حصلت الجزائر على استقلالها في عام 1962.
ترقى في الخدمةالعسكرية بعد التحرير وأصبح في عام 1982 قائدا للمنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة،ثم قائدا للقوات البرية ونائبا لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي.
كلف بـ"إعادةالنظام" في أحداث عام 1988 التي قتل فيها نحو 600 جزائري، واتهم نزار بالسماحبإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين والتسبب في مجزرة.
بعدها بعامين كان الرئيسالشاذلي بن جديد يعينه وزيرا للدفاع، وسيقود فيما بعد انقلابا على الانتخابات التيفازت بدورتها الأولى "جبهة الإنقاذ"، وسيجبر قائده في فترة حربالاستقلال بن جديد على الاستقالة في عام 1992 .
وسيدخل نزار مع جنرالات آخرين كان من بينهم، عبد المجيد تاغيت قائد البحرية الوطنية، ومحمد تواتي مستشاروزارة الدفاع، ومحمد لعماري قائد جيش البر، في مباحثات سرية لوضع خطة لقطع الطريقعلى الإسلاميين الذين كانوا على وشك الوصول للسلطة بالانتخابات.
ونشرت مجلة "جونأفريك" الفرنسية تقريرا حول الظروف الغامضة التي دفعت بالرئيس بن جديدللاستقالة بعدما أيد المضي في الانتخابات، روت فيه كيف قام "جنرالاتفرنسا"، كما يسميهم الشعب، بإجباره على التنحي، حتى يقوموا بإجهاض"المسار الديمقراطي".
ومع استقالة بن جديد "الإجبارية"،دخلت الجزائر في نفق مظلم، واشتعلت في البلاد حرب أهلية أودت بحياة ما لا يقل عن200 ألف جزائري، واختفاء عشرات الآلاف، وتهجير مليون شخص، ونفي جزء كبير من النخبةالجزائرية.
ورغم عرض قدمته"جبهة الإنقاذ" ينص على الاكتفاء بالمقاعد التي فازوا بها في الدورالأول، إلا أن الجيش كان قد حسم أمره، ودفع بتعزيزات كبيرة نحو العاصمة لفرض سياسةالأمر الواقع، من خلال وضع الرئيس أمام خيارين: الاستقالة أو إغراق البلاد في حمامدم.
لكن الرئيس بن جديداستقال وغرقت البلاد في عشر سنوات من الدماء أطلق عليها الجزائريون "العشريةالحمراء " أو "العشرية السوداء" وأيضا "سنوات الجمر".
كان الجيش هو صانعالملوك في الجزائر، مثل باقي البلدان العربية، وهو أيضا سيد الانقلابات، ولم ينتظرالعسكر طويلا لصبغ هويتهم على جميع مفاصل الدولة، فبعد إعلان الاستقلال بقليل، كانالانقلاب الأول بقيادة هواري بومدين ضد رفيقه الرئيس أحمد بن بلة.
وبعد وفاة بومدين فيعام 1978، عين العسكر العقيد الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية، وفي عام 1992، قررالعسكر الإطاحة بالرئيس المعين وإجباره على الاستقالة، ثم شكلوا مجلسا أعلىللدولة، وضعوا على رأسه العقيد علي كافي، ثم جاء العسكر بمجاهد ورمز كبير هو محمدبوضياف ونصبوه رئيسا للدولة، وبعد أن شرع في كشف ملفات الفساد، قتل بوضياف وهويلقي خطابا في مسرح عنابة.
ولملء الفراغ المفاجئعين الجنرال اليمين زروال رئيسا في عام 1994 قبل أن ينسحب زروال خوفا على نفسه منمصير بوضياف، وأخيرا اهتدوا إلى عبدالعزيز بوتفليقة في عام 1999، الذي حكم باسمالجنرالات والعسكر 20 عاما، وحتى عندما قامت ثورة فبراير/ شباط الماضي ما كانلبوتفليقة أن يترك كرسي الحكم لولا أن الجيش حسم أمره، وطلب من بوتفليقة الاستقالةدون إبطاء أو تأخير.
في المشهد الذي تتقدمهالبزة العسكرية والنياشين على الصدور والرتب على الأكتاف، كان خالد نزار حاضرا،وحمل على كتفه مرحلة قاتمة وقاحلة في تاريخ الجزائر، جعلته في مرمى المحاكمالدولية .
واتهمه الشاذلي بنجديد بكونه جاسوسا لفرنسا، ويتهمه كثيرون بأنه يقف وراء اغتيال الرئيس بوضياف، وهوما فنده نزار بصفة قطعية، متهما رئيس الحكومة في تلك الفترة "بترويجالفكرة" في عزاء بوضياف بحضور زوجته التي اقتنعت بتورط نزار بقتل زوجها .
وقبلها كان يتعرض فيعام 1993، لمحاولة اغتيال فاشلة، وهو ما جعله يبتعد عن المشهد الرسمي إلى أن انسحبمن الحياة السياسية بعد تسلم السلطة من قبل زروال في عام 1994.
وكان الجنرال نزار أحدالأعضاء الخمسة في المجلس الأعلى للدولة الذي تولى الحكم في البلاد إثر استقالة بنجديد.
ورفعت ضده عدة قضايالكونه غطى عمليات التعذيب في الفترة التي تولى فيها وزارة الدفاع ما بين عامي 1991و1993، ورفعت ضده شكاوى بهذا الصدد في باريس عامي 2001 و2002 حيث حاول القضاءالفرنسي توقيفه إلا أنه غادر فرنسا مسرعا بعد أن أبلغ أن هناك مذكرة توقيف ضدهبتهمة التعذيب، وأرسلت له السلطات الجزائرية طائرة خاصة إلى باريس ليغادر فرنسا مندون أن يتم توقيفه.
وفي عام 2011 أخضعتهالسلطات القضائية بسويسرا لاستجواب بشأن قضايا تعذيب، واستجوبته النيابة السويسريةعشر ساعات بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وبعد أن أطلق سراحه فياليوم التالي، غادر نزار سويسرا مقابل تعهده بالاستجابة لطلبات المثول من طرفالقضاء.
وردا على اتهامات لهحول الأموال الطائلة التي يمتلكها، يدافع نزار عن نفسه بقوله إنها "حلال ومنعرق جبينه" فهو يؤكد أنه كان يمتلك شركة مقاولات حصلت على الكثير من العطاءاتحين كان في السلطة، كما أنه يمتلك مع عائلته شركة للإنترنت في الجزائر.
اقرأ أيضا: قلق بالجزائر من تناقض خطابات قائد الجيش.. ومطالب بالحذر
وبعد أن سربت أقوال عناتصاله بسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، وربماكنوع من تهدئة غضب قائد الجيش قائد صالح، فقد كشف خالد نزار أن سعيد بوتفليقةاستشاره حول إقالة قايد صالح وإعلان حالة الطوارئ في مواجهة الحراك الشعبي.
وألمح نزار إلى أنسعيد كان "الحاكم الفعلي للبلاد وأن الرئيس كان مغيبا، وحتى الدقيقة الأخيرةكان سعيد يتمسك بالسلطة ويناور من أجل الإبقاء عليها".
وأضاف: "لقد تمسكسعيد، بالسلطة، وهذا كان واضحا من قيامه بمحاولات التفاف، ومناورات ومخططات للحفاظعلى وضع يده على شؤون البلاد".
تصريحات نزار تتطابقمع توعد قائد أركان الجيش الجزائري قايد صالح أطرافا لم يسمها بتدبير "مخططاتتهدد استقرار البلاد"، فيما قامت الصحافة المؤيدة للجيش بالحديث عن تورط سعيدبوتفليقة في تلك الأعمال.
نزار يعرف أنه لايمكنه العودة إلى دائرة الضوء من جديد، لكن يبدو أنه يريد التقرب من العسكر ومنالحالة الجزائرية الجديدة لضمان بقاء "الضغوط السياسية" لمنع الادعاءالسويسري من انتهاء التحقيق معه.
ورغم أن القضية أغلقتفي كانون الثاني/ يناير في عام 2017، ورفض المدعي العام اعتماد مفهوم"النزاع المسلح غير الدولي" لتوصيف الوضع الذي كان سائدا في الجزائرخلال تلك الأعوام.. إلا أنه في حزيران/ يونيو من نفس العام، توصلت المحكمة الجنائية الفدرالية إلى استنتاج آخر، فهي قدرت أن المواجهات التي حصلت في الجزائر كانت عنيفة لدرجة أنه يمكن وصفها بـ "الشديدة" بالمعنى المنصوص عليه في معاهدات جنيف وفق القانون الدولي.
اقرأ أيضا: حزب بوتفليقة يغازل الجيش الجزائري.. ويطلب "الصفح"
وفي الأشهر الأخيرة،قررت الجزائر أن تخفض إلى أدنى مستوى علاقاتها مع الاتحاد الكونفدرالي السويسري،وذلك منذ قرار إعادة فتح ملف القضية ضد نزار.
يبدو الجنرال فيمتاهته فهو لا يستطيع الانفكاك من ماضيه؛ فـ"سنوات الجمر" أحرقت ولوثتالجميع، وظلال وأشباح ضحايا أحداث عام 1988 أيضا تطارده حتى جنيف، والمؤسسةالعسكرية لن تسمح بإدانته ووضعه في دائرة الاتهام، فقراراته السابقة بكافةتفاصيلها كانت بتوافق مع باقي الجنرالات في الجيش.
مزيد من التفاصيل