في الوقت الذي كان فيه يوزع رئيس الوزراءالأردني عمر الرزاز التمر والمياه على الصائمين في أحد شوارع العاصمة عمان السبت،كان محتجون غاضبون من قبيلة بني حسن (أكبر القبائل الأردنية) يغلقون الطريق المؤديلمصفاة البترول في مدينة الزرقاء بالإطارات المشتعلة احتجاجا على اعتقال المحامي نعيم أبو ردينة المشاقبة أحد الناشطينفي الحراك.
اعتقالات طالت محتجين رفعوا سقف هتافاتهم لتصلإلى خطوط تعتبر حمراء في الأردن، وعلى رأسها انتقاد العائلة المالكة.
المشاقبة واحد من 19 ناشطا اعتقلتهمالأجهزة الأمنية مؤخرا؛ "على خلفية مشاركتهم في احتجاجات أو تعبيرهم عن آرائهمعبر صفحات التواصل الاجتماعي"، كما قال الناشط في حراك إربد عاصم الدقامسة لـ"عربي21".
وحسب الدقامسة، "تقوم الحكومة التيتدار من أذرع داخل البلد بشيطنة الحراك، كي تبرر استخدام أساليب غير سلمية معالحراكيين".
بينما اعتبر حزب الشراكة والإنقاذ ما يجرى"حملة أمنية تستهدف إسكات الأصوات المعارضة للنهج القائم، سواء بالاعتقال أوالاستدعاء أو توجيه التهم بمخالفة قانون الجرائم الإلكترونية سيء الصيت".
وقال الحزب في بيان وصللـ"عربي21" نسخة منه أن"العقلية التي تروّع الآمنين، وحتى غيرالمطلوبين في أوقات غير معتادة من الليل، وبطرق استعراضية، مع أنّها بيوت آمنةيصون لها الدستور والقانون والأعراف والقيم حرمتها".
الاعتقالات، خطوة اعتبرها ناشطون تأزيما للشارع في وقت يدعو فيه العاهل الأردني الملك عبد اللهالثاني لوحدة الجبهة الداخلية لمواجهة صفقة القرن، بينما اعتبر مصدر حكومي أردنيمسؤول في حديث لـ"عربي21"، أن من تم ايقافهم " تجاوزوا على الثوابتالدستورية والقانون".
وحسب المصدر الذي رفض ذكر اسمه: "حريةالتعبير في الأردن يكفلها الدستور والقانون، لكن قصة الاعتقالات الأخيرة مرتبطةبمخالفة الدستور والقانون".
أما رئيس لجنة الحريات في نقابة المهندسين،أشرف العمايرة، فيرى في حديث لـ"عربي21" أن "اختيار سلامة حمادوزيرا للداخلية هي رسالة لكل الفعاليات السياسية الناشطة على الأرض بأن هناكتعاملا خشنا في الأيام القادمة".
يقول العمايرة إن "المد والجزر فيالتعامل مع الحراكات كان ماثلا دائما، لكن ما يحدث من اعتقالات في هذه الأيام لايخدم تمتين الجبهة الداخلية في ظل ما يواجه المملكة من تحديات خارجية".
اقرأ أيضا: كيف تحول"حراك الرابع" في الأردن إلى طقس أسبوعي نخبوي؟
إطالة اللسان
ويربط الكاتب والمحلل السياسي بسام بدارينبين الاعتقالات الأخيرة وبين تعيين سلامة حماد وزيرا للداخلية وبين رسالة الملكلمدير المخابرات الجديد اللواء أحمد حسني، التي دعاه فيها إلى "التصدي لكل منتسول له نفسه محاولة العبث بالمرتكزات التي ينص عليها الدستور الأردني، وفي مواجهةالبعض ممن يستغلون الظروف الصعبة والدقيقة التي نمر بها، والهموم المشروعة، التينعمل على تجاوزها، لدى بعض الفئات في مجتمعنا، طلباً لشعبية زائلة، تاركين بذلكأنفسهم، سواءً عن علم أو جهل، عرضة للاستغلال من جهات عديدة لا تريد لنا الخيروتعمل على العبث بأمن الأردن واستقراره".
اقرأ أيضا: العاهل الأردنييقيل مدير المخابرات ويشير إلى "تجاوزات"
بدارين يقول، لـ"عربي21" إن رسالةالملك لمدير المخابرات "كانت واضحة بحفظ هيبة الدولة والتركيز على الثوابتالدستورية، والاعتقالات جاءت في صفوف أصحاب الصوت المرتفع في الحراك أو الشاتمينالذين أطالوا اللسان على العائلة المالكة، ولم يمس الحراكيين الذين يطالبونبإصلاحات سياسية أو اقتصادية بما يتفق مع القانون".
ويعتقد بدارين أن "هذه الاعتقالاتعابرة للحكومة، كونها أجندة أمنية للدولة، ولا علاقة للحكومة بها، فالمطلوب منوزير الداخلية سلامة حماد تنفيذها، وهذه الاعتقالات رسالة بأن قواعد اللعبة تغيرتوأن أذرع الدولة والأجهزة الأمنية لن تقبل بالصمت عما تسميه إطالة اللسان، لذارأينا اعتقالات وأحكاما بحق ناشطين أمام الدولة بتهم اطالة اللسان".
اقرأ أيضا: تهمة"تقويض نظام الحكم" بالأردن تثير جدلا و"ووتش" تدين
وتزخر التشريعات الأردنية بعبارات مثل"تقويض نظام الحكم، إطالة اللسان، تغيير بنية المجتمع، إثارة نعراتإقليمية"، عبارات يصفها مراقبون بـ"المطاطة" ، قادت العشرات منالناشطين السياسيين والمتقاعدين العسكريين والمعلمين إلى محكمة أمن الدولة؛ بعدماعبروا عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو نفذوا اعتصامات احتجاجية.
وبحسب قانونيين فإن هذه العبارات"المطاطة" تتوزع بين قوانين العقوبات، و"منع الإرهاب"، و"منعالجرائم الإلكترونية".
إذ تنص المادة 194 من قانون العقوباتالأردني على أنه "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة؛ كل من أقدم على أي عمل منشأنه تقويض نظام الحكم السياسي في المملكة، أو التحريض على مناهضته، وكل من أقدمعلى أي عمل فردي أو جماعي؛ بقصد تغيير كيان الدولة الاقتصادي، أو الاجتماعي، أوأوضاع المجتمع الأساسية".
وإلى جانب المادة 194 من قانون العقوباتالأردني؛ تنص المادة 195 من القانون نفسه على "معاقبة من ثبتت جرأته بإطالةاللسان على الملك بالسجن لثلاث سنوات، ويتضمن ذلك إرسال رسالة خطية أو شفوية أوإلكترونية أو أي صورة أو رسم هزلي إلى الملك، أو القيام بوضع تلك الرسالة أوالصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامته، أو يفيد بذلك، وتطبق العقوبة ذاتهاإذا حمل غيره على القيام بأي من تلك الأفعال".
وجاءت الاعتقالات بعد أيام من تقرير نشرته صحيفة"القبس" الكويتية وصفته "بالمخطط الخطير" الذي كان يهدف إلىزعزعة الاستقرار عبر الترويج لشخصية معروفة، قريبة من الملك عبدالله الثاني، بهدفاستمالة الرأي العام وتأجيج الشارع".
وحسب الصحيفة تضمن المخطط "الدفعالممنهج لحشود من العاطلين عن العمل من أبناء العشائر للاعتصام أمام الديوان، بهدفخلق حالة غير مسبوقة من الاستنفار والسلبية والمناهضة الشعبية للنظام".
مزيد من التفاصيل