أظهرت الاحتجاجاتالعراقية التي اندلعت شرارتها بداية الشهر الجاري، حنقا شديدا في أوساط المتظاهرينالعراقيين على السياسات الإيرانية في العراق، وعلى القوى والأحزاب والميليشياتالعراقية التابعة لها.
ووفقا لمراقبين فإنالقوى والأحزاب السياسية العراقية، ومن ضمنها التيار الصدري لم تعد قادرة علىالتحكم في مسار الأحداث، بعد انفجار موجة الاحتجاجات الشعبية العارمة في العاصمةبغداد، ومحافظات عراقية أخرى، تعبيرا عن سخطها على تردي الأوضاع الاقتصادية، وتفشيالفساد، واستشراء سلوكيات نهب أموال الدولة في أوساط الساسة الجدد.
انفجار الاحتجاجات فيأوساط الشعب العراقي (سنة وشيعة) على النفوذ الإيراني في الشأن العراقي، فتح بابالتساؤل حول مدى تأثير الاحتجاجات العراقية على التوظيف الإيراني للدين ورجالاتهلتحقيق مصالحها في المنطقة، وحقيقة انكشاف المرجعيات الدينية التقليدية بسببسكوتها عن الفساد السياسي المستشري في الدولة، وإمكانية تحرر العقل العراقي منالخضوع للمرجعيات الدينية في الشأنالسياسي.
وبحسب الكاتب والباحثالعراقي، إياد العطية "فبعد كل الويلات التي تجرعها الشعب العراقي على أيديرجالات إيران وعملائهم في الحكومة العراقية، أدرك أخيرا هذا الشعب المنكوب أنه كانجسرا صعدت عليه إيران لتحقيق أهدافها الخاصة بها، لابسة ثوب الدين، ومدعية كذباوزورا حبها للعراق، وللمذهب الشيعي وأهل البيت رضوان الله عليهم".
وأضاف العطية: "لكن انكشاف الأهداف الإيرانية جعل الشعب العراقي يكفر بكل النظام الذي أسستهإيران، وما نتج عنه من حكومات أو رجال دين.. فخرج مطالبا بإسقاط النظام برمته، ولميكتفِ بمطالب إصلاحية سياسية لعلمه المسبق وبعد تجارب عديدة ومتكررة من كذب وعودالحكومة ومن ورائها إيران".
وتابع حديثهلـ"عربي21" بالقول: "فعليا سقط القناع تماما عن إيران وأجندتها فيالمنطقة ولم تعد أكاذيبها تنطلي على العراقيين، وما بقي لإيران على الأرض لن يصمدطويلا أمام إرادة هذا الشعب حتى يسقط وتعود إيران ورجالاتها من حيث جاؤوا".
وأشار العطية إلى أنه"يلمس حاليا وعيا كبيرا لدى العراقيين بمخططات إيران وأجندتها بالمنطقة، لكنثمنه كان باهظا، بعد سنوات عجاف من القهر والقتل والحرمان والحرب الطائفية التيأكلت الأخضر واليابس، وذهب ضحيتها خيرة شباب العراق من السنة والشيعة".
وأكدّ العطية أن"العراقيين أدركوا حقيقة إيران ومن يرتبط بها من أحزاب وقوى سياسية، وشخصياتدينية، وهو ما أخرجهم للمطالبة بإسقاط النظام وليس إصلاحه، لإدراكهم أن ما بني علىباطل لا ينتج عنه إلا باطلا".
من جهته رأى الباحثوالداعية العراقي، فاروق الظفيري أنه "من خلال قراءة الأحداث لمظاهرات 2018،والمظاهرات الحالية فإن الشارع الشيعي تمرد على ما يسمى بالخطوط الحمراء التي كانتالمرجعيات الشيعية تكبله به على مدى السنوات الماضية".
إقرأ أيضا: "أمنيستي" تطالب بغداد بوقف استخدام القوة ضد المحتجين "فورا"
وواصل شرح فكرتهلـ"عربي21" لافتا إلى أن "قطاعات شعبية واسعة من شيعة العراق أدركتمدى الخداع والتوظيف البشع الذي استخدمتهم به إيران وأذنابها من الأحزاب التابعة لها، من غير أن تقدم أي رعاية لهم،مع هدر كرامة الشيعة بشكل لا يوصف، مما دفعهم لرفع نفس الشعارات السابقة لكن بشكلأكبر وغير مسبوق (إيران برا برا..)، و"بإسم الدين باكونا الحرامية".
وتابع: "وهم اليوميتهمون إيران بشكل صريح بأنها هي السبب وراء كل ما يجري في العراق من دمار، وأنالعراق لن يستقر حتى تخرج إيران منه، وصاحب ذلك حرق العلم الإيراني وتمزيق صورخامنئي في المناطق الشيعية، وهذا أكبر دليل على أن الشيعة ضاقوا ذراعا بإيرانوالمرجعية، بل بعضهم ترحم على صدام حسين، وقارنوا عهده بهذه العهود المظلمة".على حد قوله.
في السياق ذاته وصفالكاتب والباحث المصري المتخصص في الشؤون الإيرنية، أسامة الهتيمي ما يجري فيالعراق حاليا بأنه "موجة ثورية ثانية، بعد تلك الموجة التي شهدتها محافظاتالجنوب العراقي قبل عام، حيث خرج المتظاهرون العراقيون، وطالبوا بإصلاحات سياسيةواقتصادية".
وأردف: "لكنمطالبهم هذه المرة تطورت إلى مطالب سياسية تهدف بالأساس إلى تحقيق استقلال القرارالوطني العراقي، بعدما استشعر العراقيون – سنتهم وشيعتهم – أن إيران تمارس نفوذالا محدودا في العراق الأمر الذي جعل العراق دمية بيد طهران لتحقيق المصالحالإيرانية دون الالتفات لحاجيات الشعب العراقي وتطلعاته".
ولفت الهتيمي إلى أن"معركة تحقيق هذا الاستقلال ستكون معركة النفس الطويل، فهي وكما يعلم كلالمراقبين أنها معركة ليست سهلة، لأن إيران استطاعت منذ 2003 أن تقيم شبكات معقدةمن العلاقات مع الكثير من المكونات والتنظيمات السياسية والعسكرية فضلا عن نفوذاقتصادي يتحكم في الأسواق العراقية، والمؤسسات المالية، مستغلة في بداية الأمرالدعم الأمريكي، حيث التوافق بين واشنطن وطهران فيما يخص العراق".
وجوابا عن سؤال"عربي21" حول مدى تأثير الاحتجاجات العراقية الحالية على النفوذالإيراني في المنطقة، أو استمرار إيران في توظيفها السياسي للدين في المنطقة اعتبرالهتيمي أن الأمر "مرهون باعتبارات عديدة منها مواصلة العراقيين لحراكهمالسياسي وعدم الاستجابة لمحاولات أو مخططات تفريغه وتسطيحه، ومنها تفعيل الدورالعربي، وتقديم يد العون للشعب العراقي شريطة أن لا يكون ذلك من منطلقات طائفية،أو مجرد الثأر من إيران".
وعن تأثير الحراكالعراقي وانعكاسه على مكانة المرجعية الدينية في العراق، رأى الهتيمي أن"الحراك العراقي كان كاشفا إلى حد كبير عن حقيقة المرجعية الدينية في العراقحيث سببت مواقفها الأخيرة صدمة لقطاعات شعبية لا بأس بها، خاصة الشباب، وهو ماسيقلل من مصداقيتها في الشارع العراقي".
وتوقع الهتيمي في ختامحديثه أن "يكون الحراك العراقي هو الخطوة الأولى نحو التخلص من هيمنةالمرجعية الدينية في الشأن السياسي، وحصر دورها في الأمور التعبدية والدينية إلاإذا تنبهت المرجعية لذلك، ومارست تكتيكا مختلفا في تفاعلها مع هذا الحراك لاحتواءالغضب الشعبي العارم".
مزيد من التفاصيل