الجزائر: تبون يوجّه بصياغة دستور جديد يمنع العودة إلى الحكم الفردي

[المستشار الصحفى]

الصحف المصرية والعربية

حدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سبعة محاور رئيسة ستكون محل إعادة صياغة في مسودة الدستور الجديد، الذي كلف به فريقاً من الخبراء في القانون الدستوري، برئاسة الخبير الأممي السابق أحمد لعرابة، ودعاهم إلى استكمال صياغته في غضون شهرين، ويعتزم طرحه لمشاورات سياسية، ثم لاستفتاء شعبي بعد ثلاثة أشهر من الآن.
وسلم تبون إلى رئيس فريق الخبراء المكلف أحمد لعرابة مذكرة سياسية تتضمن التوجهات الكبرى لمسودة الدستور الجديد، أبرزها تثبيت تحديد العهدة الرئاسية بعهدة واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة (عهدتين فقط لكل رئيس)، أمراً ثابتاً لا يمكن المساس به للفصل بين السلطات وإعادة توزيع الصلاحيات، وضمان أداء منسجم للسلطات عبر إعادة توزيعها، بما يضمن إقامة سلطات مقابلة فعالة تهدف إلى تفادي أي انحراف استبدادي، وتعزيز احترام القواعد الديمقراطية المبنية على مبادئ التداول على السلطة، وترقية التعددية السياسية، وإعادة الاعتبار لدور الأحزاب السياسية.

وكان الدستور الجزائري، منذ عام 1996، يتيح الترشح لعهدتين فقط للرئيس، لكن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أقدم في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 على تعديل الدستور لإلغاء المادة التي تتضمن ذلك، ليتيح لنفسه الترشح لولاية رئاسية ثالثة في الانتخابات التي جرت في أبريل/ نيسان 2009، قبل أن يعيد بوتفليقة تحديد العهدات الرئاسية مجدداً في تعديل دستور 2016.

واعتبر تبون أنه يتوجب وضع دستور جديد يصون البلاد من كل أشكال الانفراد بالسلطة، ويضمن الفصل بين السلطات وتوازنها، ويدعم تخليق الحياة العامة، ويحفظ حقوق وحريات المواطن، وتدعيم النظام الديمقراطي القائم على التعددية السياسية، والتداول على السلطة، والفصل الفعلي بين السلطات، وإقامة توازن أفضل بينها، وإضفاء المزيد من الانسجام على سير السلطة التنفيذية، وإعادة الاعتبار للبرلمان في وظيفته الرقابية لنشاط الحكومة، وتحسين الضمانات التي تكفل استقلالية القضاة، وضمان ممارسة لفعلية لحقوق المواطنين وتعزيزها، وتعزيز دور المؤسسات الرقابية.

ودعا تبون فريق الخبراء إلى التركيز على "توسيع مجالات حرية المواطن، تكريس حريات فردية وجماعية جديدة عند الاقتضاء، وتدعيم الحقوق الدستورية المكفولة، وبشكل أخص حماية حرية التظاهر السلمي وحرية التعبير وحرية الصحافة والشبكات المعلوماتية، على أن تمارس بكل حرية، ولكن دون المساس بكرامة وحريات وحقوق الغير".

ويأتي في المقام الثاني صياغة مواد دستورية تعزز تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، واقتراح آليات من شأنها تفادي تضارب المصالح بين ممارسة المسؤوليات العمومية وتسيير الأعمال وإبعاد نفوذ المال عن تسيير الشؤون العامة، وتعزيز آليات الوقاية من الفساد ومكافحته، وإشراك المجتمع المدني في التطهير العمومي، وإعادة الاعتبار لمؤسسات الرقابة لحماية الممتلكات والأموال العامة".

وتتضمن المذكرة الرئاسية التوجيه نحو أن يتضمن الدستور الجديد تثبيت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الدستور، وإلغاء الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التي لم يعد لوجودها معنى، بعدما أصبح تنظيم الانتخابات من اختصاص سلطة مستقلة منبثقة حصرياً عن المجتمع المدني، وتعزيز سلطة البرلمان ورقابته على الحكومة، وتوسيع هامش المعارضة البرلمانية، وتشكيل لجان تحقيق برلمانية حول وقائع محل تحقيقات قضائية، والإبقاء على مجلس الأمة وتحرير كامل القضاء.

ولا يبدو تبون مقتنعاً بفكرة إلغاء مجلس الأمة الغرفة العليا للبرلمان التي استحدثت وفق دستور عام 1996، كهيئة نيابية تتولى القراءة الثانية للقوانين، إذ دعا فريق الخبراء إلى مراجعة تشكيلة مجلس الأمة، بما في ذلك آلية تعيين الثلث الرئاسي (48 عضواً يعينهم رئيس الجمهورية في الوقت الحالي)، لإعطاء الأولوية للكفاءات العلمية ومراعاة التمثيل الوطني، ومراجعة نطاق الحصانة البرلمانية وحصرها في النشاط البرلماني بالمعنى الدقيق، والذي يستثني كل الأفعال التي ليس لها علاقة مباشرة بالمهام البرلمانية.

وكان تبون يشير إلى استغلال عدد من نواب البرلمان للحصانة النيابية للقيام بأعمال فساد مالي وسياسي، استدعت ملاحقتهم قضائياً، لكن العدالة اضطرت إلى طلب رفع الحصانة عنهم من البرلمان، وهو أمر يأخذ ترتيبات وفترة زمنية حالياً.

وسيتضمن الدستور المقبل تعزيز استقلالية السلطة القضائية، عبر فصل المجلس الأعلى للقضاء عن السلطة التنفيذية، حيث يعد رئيس الجمهورية في الوقت الحالي نفسه رئيساً للمجلس.

ووجه الرئيس الجزائري فريق الخبراء إلى مراجعة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء لإبعاده عن التأثير المباشر للهيئة التنفيذية وإعادة الاعتبار لدوره في تسيير سلك القضاة، ومنحه صلاحية التعيين في جميع الوظائف القضائية، وتسيير المسار المهني للقضاء، ومنع عزل القضاة، وتوفير حماية حقيقية للقاضي.

ودعت المذكرة الرئاسية فريق الخبراء المكلف بصياغة مسودة الدستور الجديد إلى مراجعة الأحكام الدستورية التي تحد من تولي الجزائريين المقيمين بالخارج بعض المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية، لتمكين الجالية الوطنية المقيمة بالخارج من أن تستعيد كامل مواطنتها لتستفيد من نفس الحقوق وتخضع لنفس الواجبات على قدم المساواة مع المواطنين المقيمين على أرض الوطن.



وأتاح تبون لفريق الخبراء توسيع مجال مراجعة الدستور إلى مواضيع أخرى متعلقة بسير مؤسساتنا وبالحياة السياسية، وصياغة أي مقترح يعزز دولة الحق والقانون، ويستجيب لتطلعات المواطنين والمعبر عنها الحراك الشعبي، ووصف مهمة فريق الخبراء بـ"المهمة والعظيمة والملهمة، وشرف المساهمة في إعادة تأسيس المؤسسات والنظام الحاكم"، وطلب من الفريق إنهاء عمله في غضون شهرين، وتسليمه مسودة الدستور الجديد، مع حزمة القوانين اللازمة لتطبيق النصوص الدستورية الجديدة.

وكان تبون قد أعلن منذ تنصيبه رئيساً للجمهورية أنه وضع على رأس أولويات عهدته في الرئاسة الجمهورية تعديل الدستور لتشييد الجمهورية الجديدة، وتحقيق مطالب الحراك الشعبي، وتكريس الإرادة الشعبية، من خلال تنظيم الاستفتاء على الدستور الجديد.

وتدرس عدة قوى سياسية ومدنية في الوقت الحالي الخطوة التي أقدم عليها الرئيس تبون، خاصة وأنه يقترح مسودة دستور قبل الحوار السياسي، فيما تعتبر بعض التعاليق الأولى أنه كان يفترض أن يحدث العكس، بمعنى فتح مشاورات لجمع المقترحات قبل صياغة مسودة الدستور.









مزيد من التفاصيل