(1) إيهود أولمرت
في مهمة صحفية بحتة ، سافرت إلى تل أبيب للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وإجراء حوار صحفي معه . أعددت العدة وجهزت الأسئلة وتم عرضها على سكرتير رئيس الوزراء الذي أجرى بعض التعديلات وأبدى بعض الملاحظات ثم تمت الموافقة . لم أنس أن آخذ معي إحدى حبوب الصراحة التي تعودت ألا تفارقني في كل حديث صحفي أجريه مع إحدى الشخصيات المهمة . قبل دخول مطار القاهرة ، قمت بدس الحبة ضمن عبوة دواء الضغط الذي لا يفارقني نظرًا لما أعانيه من ارتفاع مزمن في ضغط الدم. مررت دون مشاكل من مطاري القاهرة وتل أبيب . ذهبت حسب الميعاد المحدد إلى مقر رئيس الوزراء . أجلسوني في حجرة صغيرة ضيقة في انتظار قدوم رئيس الوزراء . أخرجت علبة الدواء وتعرفت سريعًا على حبة الصراحة نظرا للونها البرتقالي المخالف للون بقية حبوب الضغط البيضاء . ألقيت بالحبة في كوب العصير الخاص برئيس الوزراء .حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي متأخرًا ثلث ساعة عن ميعاده . جلس رئيس الوزراء وإلى يمينه مترجمه الخاص وشرب كوب العصير دفعة واحدة دون أن ينبس ببنت شفة . انتظرت أن يكلمني أو حتي يسلم عليّ ، لكنه لم يفعل . أدرت جهاز التسجيل ودار بيننا الحوار التالي ...
- السيد رئيس الوزراء الإسرائيلي ، أنا "أحمد" محرر باب "منتهى الصراحة" بجريدة "المطاريد" المصرية . فهل تأذن لي بإجراء حوار قصير معكم حول بعض القضايا المرتبطة بإسرائيل والعرب ؟
- نعم
استجمعت قواي و بدأت في اختبار مفعول الحبة ...
- السيد إيهود أولمرت ، يدّعي البعض أنكم - اليهود - اغتصبتم أرض فلسطين العربية دون وجه حق بسبب نفوذكم وسيطرتكم على القوى الكبرى في العالم . فما تعليق سيادتكم ؟
- كلامك صحيح . فكما تعلم كان العرب الكنعانيون أول من سكن فلسطين لأكثر من ألف سنة . ثم غزاها اليهود وسكنوها لأقل من 500 سنة ، ثم الآشوريون ثم الفرس فالرومان ، ثم الخلافة الإسلامية لأكثر من 1300 سنة. وأخيرا احتلت بريطانيا فلسطين عام 1917 وكنا وقتها مشتتين في أنحاء متفرقة من العالم. ثم عن طريق اتفاقية سايكس-بيكو ثم وعد بلفور ثم الهجرة المتوالية لليهود إلى فلسطين ، ثم قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين عام 1947 ، كانت النتيجة أن قامت دولة إسرائيل في مايو 1948 . تعطيك هذه النبذة التاريخية فكرة عن كيف نشأت إسرائيل ... نشأت كهدية من دولة أخرى هي بريطانيا - التي كانت تحتل فلسطين - بالتواطؤ مع قوى أخرى في العالم ومع الأمم المتحدة . فكلامك بأننا اغتصبنا أرض فلسطين في محله .
- هل تنوون التوصل لاتفاق سلام شامل والوصول لحل نهائي في القضية الفلسطينية ؟
- في الوقت الحالي ، لا . ولم يحدث ذلك في أي وقت مضى منذ إنشاء إسرائيل . وليس في خططنا تنفيذ أي شئ من ذلك في المستقبل المنظور . فمنهجنا في الصراع مع الفلسطينيين ومع العرب يقوم على ركيزة أساسية هي المماطلة وكسب الوقت . وقد كسبنا أكثر من 60 سنة حتى الآن منذ قيام الدولة . يحرك ذلك مبدأ عام هو : إذا لم يكن في المفاوضات مكسب لأرض أو لأمن أو لاعتراف عربي بوجودنا وتطبيع ، فلنماطل قدر المستطاع . وأي خسارة لشبر واحد من الأرض التي اغتصبناها هو بمثابة تقطيع لجزء من جسدي ومن جسد كل يهودي . وكما تعلم فإن حلم إسرائيل من النيل إلى الفرات هو شعار الدولة اليهودية .
- ما تعليقكم على الحرب على الإرهاب ؟
- منذ أعلنت أمريكا حربها على الإرهاب بعيد هجمات 11 سبتمبر 2001 ونحن نردد نفس النغمة التي ترددها أمريكا ، مراهنين بذلك على أكبر قوة في العالم . فصرنا دائما نطلق على حركات المقاومة المسلحة الفلسطينية - وعلى رأسها حماس - صفة "إرهابية" رغم أنها حركات مقاومة مشروعة لأننا ببساطة نحتل أرضهم ونذيقهم الويلات كل يوم . ونكنّ في صدورنا لكم أنتم العرب كل كراهية ، ووددنا لو لم يعد هناك أي عربي أو مسلم على ظهر الأرض وليس في فلسطين فقط . وصارت شعوب كثيرة تقتنع بما نقول ، وعلى رأسهم شعوب أمريكا وأوروبا . وسوّقنا هذا مع التسويق للحرب على الإرهاب التي تسوّقها أمريكا في العالم . وتأكد أن لو أي دولة أخرى غير أمريكا هي الأقوى لكنا راهنا عليها ، حتى لو كانت بلدك مصر نفسها .
انتهزت تلك الفرصة الذهبية لصراحة غير مسبوقة فسألت السؤال التالي :
- يرى الكثيرون أن إسرائيل تمثل كيانًا ديمقراطيًا عظيمًا في الشرق الأوسط ، فما رأيكم ؟
- ابتسم رئيس الوزراء وعاد بظهره للوراء وأجاب : تلك الديمقراطية ، مثلها تمامًا مثل العلمانية ، أو ما بدأتم تسمونه في بلدكم "مواطنة" ... هذا كله كذب . إسرائيل دولة عنصرية من أعلى رأسها إلى أخمص قدمها . أما أحلام الديمقراطية فهي وسيلة ضمن وسائل كثيرة - أغلبها قذر - لتحقيق هدف واحد: السيطرة على العالم وتوجيهه حسبما نريد لتكون لنا نحن اليهود الغلبة . ونحن أصل كل تلك الدعاوى والأكاذيب في العالم .
- ما المحاور الأساسية للسياسة الخارجية الإسرائيلية مع مصر ؟
- مصر شريك هائل لنا في المنطقة . فمنذ اتفاقية كامب ديفيد وحتى السلام كخيار استراتيجي كما اختاره مبارك ، وكذلك تبعية مصر للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة - مثلنا تماما - ونحن لا نخشى جانب مصر . لكن ذلك لا ينفي وجود كروت سياسية نلعب بها مع مصر من خلال الولايات المتحدة الأمريكية .
- وما هذه الكروت سيادة رئيس الوزراء ؟
- مثلا كارت المعونة الأمريكية لمصر . ولعلك تتابع تهديد الأمريكان لمصر بخفض تلك المعونة إذا لم تمنع مصر تهريب السلاح من على حدودها إلى حماس . كذلك كارت مكانة مصر الإقليمية . فإننا نحاول من آن لآخر زعزعة تلك المكانة باتفاق يجري هنا أو هناك ، مع الأردن مثلا . ثم العلاقات التجارية بيننا وبين مصر والتي بدأت من عشرات السنين و نجني ثمارها يوما بعد يوم . فقد قطعنا شوطًا كبيرا في تدمير الزراعة في مصر . وفي طريقنا إلى إصابة الاقتصاد المصري بانهيار جزئي لتفتيت ما تبقى من قدرات الجارة العربية . ولا نسعى في كل الأحوال على إفناء مصر لأن وجودها مع سياسة الاستسلام التي تنتهجها منذ سنوات مكسب للدولة العبرية أكبر بكثير من مكسب انهيار مصر التام .
- كيف ترى توازن القوى في الشرق الأوسط في الوقت الراهن ؟
- أستطيع أن أقول لك إن إسرائيل هي المسيطر الأول على المنطقة اقتصاديًا وسياسيًا . إن لم يكن ذلك بشكل مباشر من خلال قدرات الدولة اليهودية ، فبشكل غير مباشر من خلال سيطرتنا على دول المنطقة من خلال الولايات المتحدة . وتذكر دائمًا أننا ذراع أمريكا في المنطقة للحفاظ على مصالحها ، وفي مقدمتها عرقلة أي جهود لنهضة العرب على أي صعيد . فلو تصورنا المنطقة بدون القضية الفلسطينية التي تستنفذ طاقات دول المنطقة ، لكانت السوق العربية المشتركة مثلا واقعًا ملموسًا ، أو ربما كان الجيش العربي الموحد قد ظهر للنور .
- ما تعليقكم على قضية محرقة الهولوكوست؟
- هذا كله كذب وافتراء أحسنّا توظيفه واستغلاله لابتزاز العالم . ليس هذا فقط ، بل إننا نعلم أنه كذب ، والكثيرون يعلمون ذلك ، لكنهم يصمتون في سبيل المصالح و اتقاء للأسوء .
- ما موقفكم من صراع حماس وفتح؟
- لقد كنا من أجّج هذا الصراع حتى تحوّل الآن إلى صراع مسلح . بل لا أخفي عليك أننا نمد فتح بالمال وبالسلاح ، هذا غير التعاون الاستخباراتي المستمر مع قادة فتح لتصفية قادة حماس واحدًا تلو الآخر .
- لماذا تبالغ إسرائيل في حيازتها لترسانة عسكرية هائلة سواء من الأسلحة التقليدية أو غير التقليدية ؟ هل هو خوف من جيرانها أم عدم الرغبة في تسوية نهائية كما ذكرتم آنفا ؟
- تنهد رئيس الوزراء تنهيدة طويلة عميقة ثم نظر إليّ وأجاب : تذكر دائما يا عزيزي أن الفلسطينيين هم من لا يرغبون في التسوية النهائية وليس نحن . إن يدنا ممدودة طوال الوقت بالسلام بهدف الوصول لحل نهائي لكننا لا نجد من نتفاوض معه . فأنت ترى الصراع الفلسطيني-الفلسطيني الدائر بين حماس وفتح ، وترى كذلك أعمال العنف اليومية التي يقوم بها الإرهابيون الفلسطينيون من حماس وغيرها من الجماعات الإرهابية الفلسطينية وتتسبب في مقتل المدنيين الإسرائيليين . وأنت تتحدث عن الجيش الإسرئيلي وأسلحته وتتغاضى عن التسليح الدائم للدول العربية في المنطقة وعلى رأسها مصر التي بها واحد من أكبر جيوش العالم . إن مثل تلك القوى التي تحاصر إسرائيل من كل الجهات تهدد وجودنا في المنطقة ولابد أن ندافع عن أنفسنا . وقد صرّح الكثير من رموز الإدارة الأمريكية مرارًا عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها . ليس هذا فحسب ، بل إن قرارات الأمم المتحدة تؤكد ذلك .
أيقنت ساعتها أن مفعول الحبة قد انتهى . نظرت في ساعتي ثم قلت له : السيد رئيس الوزراء ، يبدو أن المدة التي حددتموها لمقابلتي قد انتهت ، وقد انتهت معها أسئلتي . شكرا لكم .
قام رئيس الوزراء تاركًا الحجرة دون حتى أن يسلم عليّ .