وفي الإطار الحكومي، تؤكد أوساط بعبدا، لـ"العربي الجديد"، أن الرئيس ميشال عون لن يدعو للاستشارات النيابية الملزمة في الوقت الحالي وقد تطول الدعوة، تبعاً لنتائج المشاورات والاتصالات المتوقفة حالياً، فإنّ أي تسمية من دون إطار سياسي ودستوري في الوقت نفسه ستعيد البلاد إلى سيناريو الرئيس أديب، وحتى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.
وفي تعليق على المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس الفرنسي، يقول الكاتب والمحلل السياسي سام منسى، لـ"العربي الجديد"، إنّ "كلمة ماكرون أمس اتّسمت بالغموض والارتباك، والضعف في الرؤية المتكاملة للأزمة اللبنانية، ولم يضع الأصبع على الجرح وهو سبب المشكلة بوجود تدخل خارجي يشبه الاحتلال من جانب حزب الله والإيرانيين، في مرحلةٍ تسبق الانتخابات الأميركية، ولا يريدون تقديم أي تنازل. كما أن الرئيس الفرنسي أعطى مهلة 6 أسابيع، أي بعد الاستحقاق الأميركي، ما يعني أنه ربط الأمور كلّها بأميركا وإيران، وبالتالي، كان من الأفضل له من الأساس ألا يدخل في التفصيل اللبناني قبل موعد الانتخابات، أو أقله تحصين نفسه مع الأميركيين أو الإيرانيين أو الاثنين معاً".
ويضيف: "من الواضح أن لا تطوّر في لبنان قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وذلك باعتراف ماكرون الذي لم يحدد آلية معيّنة لاتباعها خلال المهلة الزمنية الجديدة التي أعلن عنها، إذ لم يتحدّث عن تعويم أديب من جديد، أو حتى الحكومة السابقة أو شخصية جديدة، بل طلب من القوى السياسية الاتفاق خلال الوقت المذكور، ما يطرح علامات استفهام حول ماذا سيتغير في 6 أسابيع، سوى مزيد من التعقيدات، وبالتالي ماكرون يكون قد مدّد الأزمة لا أكثر".
ويشير منسى إلى أن "ماكرون اتهم الطبقة السياسية بشتّى النعوت الممكنة، وفي الوقت نفسه، دعا الطبقة السياسية ذاتها لتقوم بالإصلاحات، ثم فتح للمرّة الثانية بطن اتفاق الطائف، رغم أنه ذكر المخاطر المحيطة بهذه العملية، إذ قال أنه في حال انسداد الوضع سنفتح باب النظام السياسي".
ولفت إلى أنّ "العلة في مواقف الرئيس الفرنسي، رغم صحتها، أنه يتحدّث عن ضرورة تغيير النظام وفساد الطبقة السياسية، وفي المقابل، يتشاور مع الإيرانيين للضغط باتجاه تسهيل الأمور في لبنان، إذاً هو يعترف أن اليوم ليس الوقت المناسب لعقد سياسي جديد وإعادة النظر بالنظام السياسي، بقدر ما هو مناسبٌ لتطبيق اتفاق الطائف والدستور بحذافيرهما، واحترام الأعراف والقوانين، ما يوقعه في المشكلة نفسها رغم اعترافه بها، كما أنه يعترف بدور حزب الله في تعثّر المبادرة الفرنسية ثم يحمّل الباقين بالتساوي المسؤولية، علماً أنّ التعثر لا يمكن توزيعه بالتساوي، وهنا الغموض والارتباك والضعف في الرؤية".
ويرى منسى أنه "ليس من المُستحب لرئيس دولة بحجم فرنسا أنّ يربط تصرفات حزب الله ودوره بالحرب الأهلية، فكلامه ليس دقيقاً، رغم نفوذ الحزب وسيطرته على البلاد، لكن هذا لا يعني أننا سنشهد حرباً أهلية، خصوصاً لانتفاء وجود المحاربين".
وبعيداً من السياسة، يلفت الكاتب والمحلل السياسي إلى أنّ "أخطر ما في كلمة ماكرون هو حديثه عن المصارف، ما يعني فقدان الثقة بالقطاع المصرفي، وأن إدارات المصارف غير صالحة لأن تستمرّ".
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي جورج علم، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "ماكرون نعى المبادرة الفرنسية، ولم يقدّم أي رصيد وتنصّل من دوره، رامياً الكرة في ملعب القوى السياسية بعد شتمها وتعنيفها كلامياً، ومدّد الفرصة لأسابيع قليلة، وهو حرص على استمراريتها نظراً لمصالح فرنسا سواء في لبنان أو في الشرق الأوسط".
ويلفت علم إلى أن "الأميركيين عجزوا عن تحقيق أهدافهم في لبنان، فكيف بالفرنسي الطارئ؟ من هنا فإنّ المبادرة لها أهداف فرنسية انطلاقاً من لبنان. في المقابل، تدرك الولايات المتحدة أن أي استقرار للبنان لا يمكن أن يحصل إلّا مقابل صفقة معيّنة".
ويشير إلى أنّ "السؤال يبقى، هل يقتنع الأفرقاء السياسيون بالتنازلات والتخلي عن شروطهم التي حملت أديب على الاعتذار؟ وفي حال إعادة طرح اسم الحريري الذي يؤيده الثنائي الشيعي ولا يمانع من عودته بعد اعتذار أديب، هل سيتخلى هو عن مكابرته بحكومة تضم فقط مستقلين وأصحاب اختصاص ويقبل بحكومة وحدة وطنية؟ علماً أنّه كله يجب أن يخضع لموازين دولية متحكمة، منها تفاهم أميركي – سعودي – إيراني".
ويعود الحديث هنا عن ملف
ترسيم الحدود البحرية، خصوصاً بعد إعلان وسائل إعلام إسرائيلية عن اتفاق لبناني إسرائيلي لإجراء مفاوضات بهذا الشأن، بالتزامن مع زيارة جديدة ينوي الشروع بها مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، الذي قاطع في زيارته الأخيرة القادة السياسيين، والذي في حال تحديدها رسمياً يعني أنّ الأجواء إيجابية، وهو ما يمكن ترجمته سياسياً أيضاً باتجاه حلحلة قريبة".
من جهة ثانية، أكد الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الاثنين، خلال استقباله في قصر بعبدا سفير فرنسا في لبنان برونو فوشيه، في زيارة وداعية لمناسبة انتهاء عمله الدبلوماسي الذي استمرّ ثلاث سنوات، تمسكه بمبادرة الرئيس الفرنسي ماكرون في ما خصّ الأزمة اللبنانية، منوهاً بالاهتمام الذي يبديه الرئيس الفرنسي حيال لبنان واللبنانيين.